إبراهيم سليم (أبوظبي)

أعلن منتدى تعزيز السلم إطلاق هويته الجديدة ليكون اسمه «منتدى أبوظبي للسلم» حاملاً اسم عاصمة السلام والتسامح وفضاء التعايش والمحبّة، وذلك في ختام إعماله أمس، وصدور «إعلان أبوظبي للمواطنة الشاملة»، إعلاناً مؤسساً على وثائق التسامح الكبرى، مثل إعلان مراكش لحقوق الأقليات، وإعلانات أبوظبي للسلم، ووثيقة الأخوة الإنسانية، ووثيقة مكة المكرمة، ووثيقة حلف الفضول الجديد. وكذلك الحوارات المتعددة مع مؤسّسات محليّة ودوليّة ذات خلفيّات دينيّة وثقافية متعدّدة ومنظّمات عالميّة وشخصيّات بارزة وخبراء داعمين ضمن حلقات النقاش الدورية التي أدارتها وكالة «ويلتون بارك» بين أعوام 2018 و2021م. 
وأشاد المشاركون بنموذج دولة الإمارات في تجسيد المواطنة الشاملة، فعلى أرض هذه الدولة المباركة تتعايش عشرات الأديان والثقافات والأعراق المختلفة ومئات الجنسيات في أمن وأمان ومودة واحترام، وجدارة النموذج الإماراتي بالدراسة لما يمثله من فضاء رحب للإنسانية والتسامح والمواطنة الشاملة.
وأعرب المشاركون عن مباركتهم للهويه الجديدة، ليبني على النجاحات السابقة ويعبر إلى فضاءات الإبداع السامقة، وأوصى المشاركون في ختام فعاليات الملتقى السنوي الثامن بعنوان «المواطنة الشاملة: من الوجود المشترك إلى الوجدان المتشارك» الذي ينظمه «منتدى أبوظبي للسلم»، ويعقد برعاية كريمة من سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، بتشكيل لجان الخبراء لدراسة ومراجعة مناهج التربية الدينية والمدنية، وتطويرها؛ حتى تأخذ في الاعتبار البعد الإنساني والأخلاقي في مجال التربية على المواطنة الشاملة.

  • خليفة الظاهري أثناء تلاوة البيان الختامي للملتقى (الصور من المصدر)

كما أوصى المشاركون بتأسيس منصة إلكترونية لمتابعة التوصيات والاقتراحات وبلورة الأفكار، وتأسيس فرع لمنتدى تعزيز السلم يُعنى بتعزيز السلم وبث قيم المواطنة الشاملة في بعض مناطق العالم كبلاد أفريقيا جنوب الصحراء، كما أوصى بتشجيع وتكثيف لقاء القيادات الدينية بغية إبراز أن الدين يبني الجسور بين الثقافات، ويمكنه أن يكون قوة للسكينة والمصالحات، وتكوين لجان تربوية لإعداد برامج تعليمية للتربية على المواطنة.
ودعا المشاركون إلى تأسيس مركز بحثي ضمن منتدى أبوظبي للسلم يتخصص في قضايا المواطنة والهوية وفق رؤية المنتدى للتعددية والتنوع، وإصدار مجلة أكاديمية محكمة خاصة بقضايا المواطنة تجمع بين التخصصات الدينية والإنسانية، وتبني الجسور بين المختصين في الدين والفلسفة، وعقد شراكات بين المنتدى والمؤسسات الدينية والجامعية الحكومية والخاصة، المحلية والدولية لتفعيل مضامين إعلان مراكش وحلف الفضول الجديد وميثاق المواطنة الشاملة، وبارك المشاركون في الملتقى للمنتدى إطلاقه هويته الجديدة وحمله اسم عاصمة السلام والتسامح.
وعبر المشاركون في الملتقى الثامن لـ «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» عن صادق تهانيهم لدولة الإمارات العربية المتحدة بمناسبة اليوبيل الذهبي لخمسينية تأسيس الاتحاد، وأعربوا عن فائق شكرهم وجزيل ثنائهم لدولة الإمارات العربية المتحدة على تيسيرها انعقاد هذا الملتقى في أوانه المعتاد وبمستواه المعهود بأفضل السبل المتاحة في هذه الظروف الاستثنائية.
ورفع المشاركون أسمى مشاعر الامتنان لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وإلى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، وإلى أصحاب السمو حكام الإمارات، حفظهم الله جميعاً، وإلى راعي المنتدى سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي.
وتضرع المشاركون في هذا الملتقى إلى العلي القدير أن يشمل بواسع رحمته وسابغ كرمه المغفور له الشيخَ زايد بن سلطان آل نهيان الذي كان ملاذاً في الأزمات للقريب والبعيد، وأن يديم على الإمارات العربية المتحدة نعمة اليد العليا ويحفظها من شر كل وباء وبلاء وسائرَ بلدان العالمين.

  • عبدالله بن بيه يتوسط الصورة الجماعية للمشاركين

التحديات الوجودية
وأوضح البيان الختامي للملتقى الذي تلاه الدكتور خليفة مبارك الظاهري المدير التنفيذي لمنتدى أبوظبي للسلم، أنه استجابة للتّحديات الوجودية التي تواجه الإنسانية جمعاء، جراء وباء «كوفيد- 19» المستجد «كورونا»، الذي غيّر برامج وخطط البشرية، وأعاد ترتيب أولوياتها ووسائل توجّهاتها القيمية، انعقد بأبوظبي الملتقى السنوي الثامن لـ «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» حول «المواطنة الشاملة: من الوجود المشترك إلى الوجدان المتشارك»، برعاية كريمة متواصلة من سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، وبإشراف ومتابعة من معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، وبرئاسة معالي العلامة الشيخ عبد الله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة ورئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي.
واحتضن الملتقى مئات المشاركين ما بين وزراءَ وممثلي منظمات أممية ومسؤولي منظمات إسلامية وسفراءَ وممثلي هيئات حكومية ومراكز ومنظماتٍ دولية ومفتين وعلماء وقضاةٍ وقياداتٍ دينيةٍ ومفكرين وشخصياتٍ أكاديمية ونواب برلمانيين وغيرهم، كما تناولت جلسات الملتقى محاور مختلفة، من أهمها: تحديد مفهوم «المواطنة الشاملة»، وإفساح المجال للتأصيل الشرعي، وإبراز دور الدين الإيجابي في بناء المواطنة، ومناقشة التحديات التي تواجه البشر كمواطنين على كوكب الأرض، وتدارس المشاركون نماذج إيجابية في التعايش والتسامح والمواطنة الشاملة في كل من الإمارات وفنلندا وسنغافورة ومصر، وخصصت الجلسة العلمية الأخيرة لنقاش فرص وإمكانات صنع عالم أفضل «كيف يمكن أن تسهم المواثيق والإعلانات في بناء مستقبل أجمل؟».

  • جانب من فعاليات الملتقى

عدد من النتائج
وخلص المشاركون في الملتقى الثامن لمنتدى تعزيز السلم إلى عدد من النتائج: «كانت المواطنة في المفهوم التاريخي تقوم على العرق أو الدّين أو الذاكرة المشتركة أو على عنصر نقاء النسب، الذي يؤدي إلى تقسيم المواطنين إلى درجات كما كان عند الرومان أو العرب في عصر ما قبل الإسلام، وفي العصور الحديثة، صارت المواطنة اختيارا طوعيا على نحو تعاقدي يضمن لأحدث مواطن نفس الحقوق التي كانت لأقدم عضو، فلا فرق بين الأول والأخير والأصيل والدخيل، كما استقر مفهوم المواطنة على كونه رباطاً أو رابطة اختيارية معقودة في أفق وطني يحكمه الدستور، يتسامى على الفئوية والقبلية، لكنه لا يلغيها بالضرورة، وإنما المطلوب أن يتواءم ويتعايش معها تعايشاً سعيداً.
كما أحدثت العولمة المعاصرة وعياً عميقاً بدرجة التشابك بين مصائر الشعوب وأوضاعها، وهو ما أوجب التفكير في المواطنة المحلية في أفق المواطنة الكونية، وأثبت الواقع أن مبدأ المواطنة في حاجة إلى مزيد من البحث المنهجي بغرض التوصل إلى صيغة نموذجية تقدم مفاهيم جديدة للمواطنة الشاملة، مستمدة من النصوص الدينية ومراعية للسياق الحضاري المعاصر، كما يقوم مفهوم المواطنة الشاملة على أساس السمو على مجرّد الاعتراف إلى التعارف، وبه يتم تجاوز ضيق الذّوات إلى فُسحة المشترك، وينتقل من الهويات الحرجة إلى الوحدة الواسعة، وحدة مجتمع الإنسانية الكبرى.
وأجمعوا على استناد مفهوم المواطنة الشاملة على تأصيل مبدأ المواطنة الحاضنة للتنوع بالفهم الصحيح والتقويم السليم للموروث الديني والممارسات التاريخية وباستيعاب المتغيرات التي حدثت في العالم، ولا ينافي الدين ما وصلت إليه التجربة الإنسانية في مفهومها الحديث للمواطنة، وإن زاد عليها بالروح الأخلاقية التي يصوغها بها.
وشدد البيان على ضرورة تجاوز النظرة الإقصائية للإسهام الديني في بناء نموذج إبداعي للمواطنة يتسق مع طبيعة البيئات التي يراد تنزيلها عليها، على ضوء متغيرات البنية الاجتماعية في العالم، وما أصبح يعرف بعودة الدين، وأن الهوية الوطنيّة أداة تُعبّر عن الشراكة الإنسانية والمصلحة المشتركة بين أبناء الوطن الواحد. أمَّا سائر الانتماءات كالدين، والإثنيّة، والعائلة، فهي انتماءات تُعبّر عن شراكةٍ بين أبناء الجماعة الواحدة، ولكن لا تُبرّر تصنيفهم إلى فئات متنازعة، وخاصة عندما يتعلّق الأمر بالانتماء الديني.

  • جانب من جلسات الملتقى

دعوة للتضامن
أشار البيان إلى أن الأديان تدعو إلى التضامن مع سائر البشر تحقيقاً لشمولية الإيمان والأخوة البشرية، وأنه لا بد من ترجمة لغة الدين إلى لغة الفضاء العمومي، لغة الحياة المدنية والقانون، والاستعارة من نصوص التاريخ لإنزالها على العصر الحاضر، مع الاحتفاظ لكل عصر بلغته وببيئته الزمانية والمكانية، واستنطاق النصوص وجمع متفرقاتها والمقارنة بينها وبين ما وصلت إليه البشرية من آراء ومبادئ تخدم المصالح الإنسانية، ووجب توجيه كل الجهود التأصيلية إلى جعل الانتماء الديني حافزاً لتجسيد المواطنة وتحييد سلبيات تأثير عامل الاختلاف الدّينيّ عليها.