إبراهيم سليم (أبوظبي) 

ناقش مفكرون ونخب ثقافية وفلسفية ودينية من مختلف الأديان والعقائد، المفاهيم المرتبطة بالمواطنة الشاملة، بما فيها النواحي الثقافية والشرعية والتشريعية، والتطور الذي شهدته، والمقارنات بين تعريفاتها قديماً وحديثاً، وأجمع المشاركون في فعاليات الملتقى السنوي الثامن لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة الذي تتواصل أعماله بعنوان «المواطنة الشاملة: من الوجود المشترك إلى الوجدان المتشارك» ويعقد برعاية كريمة من سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، على أن تجذير المفاهيم الخاصة بالمواطنة الشاملة لدى الناشئة ضرورة، وكذلك في التعليم وعلى المنابر وبالكنائس وبدور العبادة. 

وعقدت الجلسة الأولى برئاسة سماحة السيد علي الأمين- عضو مجلس حكماء المسلمين. وتحدث في الموضوع الأول بعنوان «الدين حافز على التعايش السعيد -تجربة الأديان السماوية والفلسفات الروحية»، كل من القاضي الشيخ غاندي مكارم- قاضي طائفة الدروز بلبنان، والأستاذ إدريس خميسة، تربوي، جنوب أفريقيا، والدكتور عزالدين عناية- كاتب ومترجم متخصص في علم الأديان، أستاذ جامعي، إيطاليا. وتحدث الدكتور عز الدين، فقال: «لقد ارتبط ملمح الدين في العقود الأخيرة، بحالات الثوران الاجتماعي والتوتر السياسي، وبرزَ تحريضُه على التحولات العنيفة وغير العنيفة في العديد من المجتمعات. ففي الولايات المتحدة بدا الدين عنوانَ الرفضِ للإجهاض والتطورية والموقف المناوئ للقضايا الجنسية والأسرية، وهو ما تلخّص في مطالب «الأغلبية المحافظة» (Moral Majority)، وفي أميركا اللاتينية لعب «لاهوت التحرير»، سراً وعلناً، دوراً بارزاً في التحولات الاجتماعية ذات الطابع الثوري ودعم الأنظمة الاشتراكية، وفي منطقة الشرق الأوسط والبلاد العربية اتّخذَ الإسلام السياسي ملمَحاً احتجاجياً غاضباً إلى حدّ طمس صورة الإسلام السمحة، ولم يغب الحضور الديني عن بعض ساحات أوروبا، فشهدت موجات شدّ وجذب في تحوّل بولندا من دولة تعيش في ظلّ المعسكر الاشتراكي إلى دولة موالية للغرب.
 ولاحظ عناية أن وجه الدين الحانق طمس في بعض الأحيان الأثر الإيجابي للدين، خاصة على مستوى تحفيز الناس على العيش الهنيء واحترام التعدّد. ومع ذلك لم يغب فِعلُ الدين الإيجابي، حتى أثناء احتدام الصراع والخصام، ولكن الصورة التي رُوِّجت على مدى عقود كانت تُمعِن في الإلحاح على الوجه العنيف للدين وتطمس وجهه السمح، وهو ما يضع الأديان أمام تحدٍ حقيقي، يتلخص بالسؤال التالي: كيف يستعيد الدين ثقة الناس بعد اهتزازها؟ وأجاب عناية، أنّ مجمل الأديان عانت من منظورين خاطئين، أحدهما نابع من الداخل، أي من دائرة المؤمنين، والآخر مسقط من الخارج وصادر من الخصوم والمنافسين. وما من شك أن تجارب الأديان مع الآخَر الديني مسألة مختلفة من دين إلى آخر. 
 وقال الدكتور عناية إن الأمر يتطلّب بيان نسبة الصحة والخطأ في هاتين المصادرتين، لغرض بناء فلسفة احتضان للآخر، بحسب ما شرع في خوضه «لاهوت الأديان» في الأوساط اللاهوتية المسيحية حديثاً، بحثاً عن رؤية خلاص للآخر، أو كذلك تناول المسألة ضمن منظور إسلامي وتحت مسمى عام ألا وهو «إيلاف الأديان»، وهو ما يجد أصوله في «حلف الفضول الجديد»، وفي «صحيفة المدينة»، وفي مقولة «الاختلاف المراد من الله»، وفي التجارب المنيرة لمؤسسة أهل الذمة، وفي «التراث الصوفي».
إذاً، الأديان مدعوة اليوم إلى بناء تحالف قِيَمي تتواضع بمقتضاه على مشترَكات جوهرية، تكون على صلة بالعيش الكريم.
 وأضاف عناية أن البابا فرنسيس عبّر سواء في الإرشاد الرسوليّ الأوّل «فرح الإنجيل» (Evangelii Gaudium) -2013- أو في الرسالة البابوية العامة «جميعنا إخوة» (Fratelli tutti) -2020- عن هذا التحفّز لملاقاة الآخر، على نحو ما فعله القديس فرنسيس الأسيزي بالتوجه إلى السّراسِنة (المسلمون)، وحرصه على مقابلة السلطان الملك الكامل في دمياط. مؤكداً أن «إعلان الأزهر للمواطنَة والعيش المشترك، القاهرة- 2017» و«إعلان مراكش لحقوق الأقليات الدينية، 2016»، و«ميثاق حلف الفضول العالمي الجديد، 2019» في أبوظبي، عبّر عن هذا المطلب الملحّ في عالم اليوم. فمنذ تأسيس منتدى تعزيز السلم (2014) حرص هذا التجمع على ترسيخ هذا البعد الكوني والتشاركي. 

أما الموضوع الثاني وهو بعنوان «المواطنة بين القانون والقيم - مفهوم الحق والخير»، وتحدث فيه كل من الدكتور محمد مالكي- أستاذ القانون الدستوري في قسم القانون العام في كلية الحقوق في جامعة السلطان قابوس، المغرب، والدكتور مارشال بريجر، أستاذ القانون في كلية الحقوق بالجامعة الكاثوليكية، الولايات المتحدة، والدكتور كريس سيبل، الرئيس الفخري لمعهد المشاركة العالمية، الولايات المتحدة، وفضيلة الدكتور حمزة يوسف، رئيس كلية الزيتونة، عضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم، الولايات المتحدة.
 أما الجلسة الثالثة، فكانت بعنوان: نحو مواطنة مستدامة على بساط السلم. وعقدت برئاسة الدكتور محمد عثمان الخشت- رئيس جامعة القاهرة، وتناولت موضوعي «التربية والتعليم ودورهما في ترسيخ قيم المواطنة»، و«الشروط العمرانية (التنموية) للمواطنة.
 وتحدث في الموضوع الأول كل من الدكتور سعيد بنبشير وزير الثقافة السابق- المغرب، والدكتور محمد السماك- عضو مجلس أمناء تعزيز السلم، والدكتور البكاي ولد عبد المالك، وزير التعليم السابق- موريتانيا، والأب كانون أنتوني بول، عميد كنيسة القديسة مارغريت، المملكة المتحدة.
 أما الموضع الثاني، فتحدث فيه كل من الدكتورة كاثرين مارشال- زميلة أولى في مركز بيركلي للدين والسلام والشؤون العالمية، الولايات المتحدة، والدكتور نصر عارف- أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة سابقاً وجامعة زايد، الإمارات.
 وقال الدكتور الخشت في تقديمه للمحور الأول إن المواطنة تعني الهُوية الوطنية بكل ما يعنيه المعني وفق المفاهيم المعاصرة. ما يعني أن المواطنة تتشخص في الأطر القانونية، وليست الدينية أو سواها. ولكنه لاحظ أن المواطنة حتى في الإطار القانوني، لا تتطبق كما يجب، بعيداً عن دور الآداب والفنون، أو بمعنى أدق لا يمكن تحقيقها على أكمل وجه من دون التعليم والثقافة بشكل عام.
تجارب بريطانية ومصرية
 وتحدث القس أنتوني بول، فقال: «من المفيد أن نستعيد تجارب في المملكة المتحدة. ومنها سن قانون تعليم القيم البريطانية في المدارس. وهذا القانون أثار العديد من التساؤلات عن القيم التي يجب أن نعلمها. فالمعروف أن المجتمع البريطاني مجتمع مفتوح، ويجمع ثقافات متعددة. ومع ذلك أدرج منذ فترة طويلة نسبياً، قانون يتيح الاطلاع على الأديان الأخرى واحترامها في إنجلترا، وهي متمايزة بقوانينها عن بقية تكوينات المملكة. وهذا الأمر لعب دوراً كبيراً في ترسيخ ثقافة التسامح في الممارسة العملية المجتمعية، وربما أقوى أو أكبر من قانون تعليم القيم البريطانية. وهذا يعني أن التعليم يجب أن يتركز على الانفتاح على الأديان والثقافات الأخرى».
 وتحدث أنتوني عن بول عن إعجابه بتجربة مصرية، يقدمها «بيت العائلة المصرية» وهو جهد تتعاون به النخب الإسلامية والمسيحية المصرية، وترسي علاقة تشاركية رائعة. وهناك مشروع آخر «معاً نطور مصر»، وهو تعاون بين الكنيسة الأنجليكانية ونخبة إسلامية مصرية، برئاسة معالي علي جمعة، وهو مشروع عملي تطبيقي، يقوم بمشروعات مجتمعية مشتركة. ومع ذلك نعتقد مجدداً أن المواطنة لا تعني التعاون الديني فقط، وإنما تتخطى ذلك إلى ثقافة التسامح من خلال مؤسسات المجتمع التطوعية أو الأهلية.
 ضوابط التفاعل الإيجابي
 وتحدث معالي الوزير بنبشير، فتوجه بالتحية والشكر للقائمين بهذا الجهد المبارك، وعلى رأسهم معالي الشيخ عبدالله بن بيه. كما توجه بالشكر للدولة المضيفة التي ترسي قيادتها الرشيدة سلوكاً وممارسة سلمية جديدة في الانفتاح على الثقافات الإنسانية، منذ تأسيها بقيادة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
 وقال بنبشير إن موضوع العلاقة بين التربية والتعليم وقيم المواطنة، حيوي وأساسي في إرساء ثقافة تجمع على أساس التعاون الإيجابي، ولا تفرق على أساس الانتماءات. ولاحظ أن المدارس يجب أن تخضع لضوابط تحتضن التفاعل الإيجابي بين مكونات المجتمع على أسس أخلاقية، مستقاة من الثقافة الوطنية وقانون الدولة. وهي تمثل قاعدة صلبة للمنظومة القيمية، وترسم ممارسة مجتمعية في إطار المواطنة الحديثة.
 وأضاف أن التعليم يجب أن يتركز على المشتركات الثقافية فيما بين المجتمعات البشرية كافة، لتأسيس وعي المواطنة الكونية، لأننا ننتمي إلى أسرة إنسانية وتتشارك بحكم أمر الواقع منزلاً واحداً هو كوكب الأرض.
 وذكر بعض التحديات التي تواجه المجتمعات الإنسانية، ومنها تصاعد وتائر القطائع الثقافية بين الشعوب التي تصل إلى حد النزاعات بين الجماعات العرقية والأثنية. هذا إلى جانب تراجع حضور المنظومة القيمية في الوعي المجتمعي. وهذا لا يحله إلى التعليم في الإطار الذي أشرنا إليه.
الحوار ثم الحوار
 تحدث الدكتور محمد السماك، فتوجه بآيات الإعجاب لدولة الإمارات التي وصلت إلى المريخ بفضل قيادتها الرشيدة، وهي إلى جانب اهتمامها بالنهضة العلمية، تترك بصمتها في التسامح وإشاعة السلم على الثقافة العالمية. وعرض تجربته في الملتقيات الحوارية بين الأديان. ملاحظاً أن جميع الأديان، خاصة التوحيدية راحت تمضي في الآونة الأخيرة على طريق الحوار والاعتراف بالآخر.
 وقال إنه في محاولة لاحتواء ردّ الفعل المسيحي حول الملاحظات السلبية التي وردت في كتب التربية الإسلامية المعتمدة في بعض الدول العربية، وتسيء إلى عقيدة غير المسلم، خاصة إلى المسيحيين، رُفع إسلامياً شعار «التسامح في إطار المواطنة». وفي هذا السياق، حذّر بابا روما من أن التسامح قد يؤسس لمشكلة مستقبلية، لأن العلاقات بين أبناء الوطن الواحد يجب أن تقوم على المساواة في الحقوق والواجبات، وليس على التسامح.
 وأشار السماك إلى ما ورد في المادة 19 من وثيقة مراكش، التي دعت «جميع أهل الأديان إلى التعاون على كلمة سواء قائمة، لا على مجرد التسامح والاحترام، وإنما على الالتزام بالحقوق والحريات التي لا بد أن يكفلها القانون». وذكر أن جمعية المقاصد الإسلامية في بيروت قد نظّمت مؤتمراً إسلامياً في 22 يونيو 2015، صدر عنه «إعلان بيروت للحريّات الدينية». وجاء في المادة الأولى من هذا الإعلان:
«إن انتهاك حقوق الجماعات المسيحية في ممارسة حريّاتها الدينية وفي إعلاء شأن كنائسها وأديرتها ومؤسساتها التعليمية والاجتماعية، هو انتهاك لحقوق الإنسان، وانتهاك لحقوق المواطنة، وفوق ذلك هو انتهاك لتعاليم الإسلام الذي تُتركب هذه الانتهاكات باسمه». وهذا يتماهى مع وثيقة مراكش ووثيقة الأزهر حول المواطنة والعيش المشترك الذي جاء في بيانه: إن مصطلح «المواطنة» هو مصطلح أصيل في الإسلام، وقد شعّت أنواره الأولى من دستور المدينة وما تلاه من كتب وعهود لنبي الله محمد (ص) يحدّد فيها علاقة المسلمين بغير المسلمين.
 وأضاف السماك أنه على أساس قاعدة دستور المدينة، نصَّت المادة الخامسة من بيان الأزهر على: «إننا نتطلّع إلى إقامة المزيد من صلات التعاون بين سائر المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية في العالم العربي من أجل العمل معاً في مجالات الإرشاد والتربية الدينية والأخلاقية، والتنشئة على المواطنة، وتطوير علاقات التفاهم مع المؤسسات الدينية العربية والعالمية، ترسيخاً للحوار الإسلامي المسيحي وحوار الحضارات».
 وقال الدكتور السماك إن المسؤوليات الوطنية مسؤوليات مشتركة بين الجميع. وهذا ما أكدته وثيقة مكة المكرّمة التي نصَّت: التنوّع الديني والثقافي في المجتمعات الإنسانية لا يبرّر الصراع والصدام، بل يستدعي إقامة شراكة حضارية إيجابية، وتواصلاً فاعلاً يجعل من التنوّع جسراً للحوار والتفاهم والتعاون لمصلحة الجميع.
وهكذا تتلاقى وثائق مراكش – الأزهر – مكة المكرّمة – بيروت مع وثيقة الأخوة الإنسانية التي صدرت في أبوظبي عن بابا الفاتيكان فرنسيس وإمام الأزهر الشيخ أحمد الطيب.
من هنا تبرز أهمية مبادرة إعادة إحياء ثقافة «حلف الفضول» التي قام بها إمامنا الشيخ عبد الله بن بيّه، حفظه الله، بما يتجاوز الحدود الإسلامية – الإسلامية، والإسلامية مع أهل الكتاب، ليتناول العلاقات الإسلامية مع الناس جميعاً من كل الأديان والعقائد والعناصر على حدّ سواء.
المواطنة والتعددية
 وتحدث الدكتور البكاي ولد عبد المالك عن بعض التجارب في العمل المجتمعي في موريتانيا، وتناول موضوعات متعددة، ولكنهم اكتشفوا في الحوار والنقاش أن مجمل المشكلات التي طرحت مرتبطة بثقافة المواطنة.
وقال عبد المالك إن المواطنة تحيل عموماً إلى ثلاث أمور تأخذ بعداً قانونياً: قانون الدم، وقانون الأرض، وقانون الهجرة. ولاحظ عبدالمالك أن الحديث عن المواطنة التعددية يحيلنا إلى الديمقراطية، أو ما أنتجته الليبرالية في الفكر السياسي الذي يعود بنشأته الأولى إلى أثينا القديمة، وتطور في العصر الحديث حتى وصل إلى المستوى القانوني والحقوقي المعروف. أما المواطنة في التجربة الجمهورية، فتحيلنا استطراداً إلى التجارب العربية التي يتضح من تقارير الأمم المتحدة أنها تعاني إخلالاً كبيرة، سواء على مستوى التربية والتعليم أو على مستوى الفقر والحرمان وعدم تكافؤ الفرص. ما وضع التجارب الجمهورية في المواطنة تخفق بشكل كبير.

تنمية المشتركات
 وتحدثت كاثرين مارشال، فاستهلت ورقتها بالتحية إلى القائمين على منتدى تعزيز السلم الذي أخذ يقوم بدور حيوي في تنمية المشتركات الإنسانية، خاصة في ظل جائحة كورونا التي هددت البشرية المعاصرة، بشكل غير مسبوق، وهو ما طرح مجدداً أهمية تنمية الوعي بالتعاون والتكامل أو التكافل بين المجتمعات والثقافات. ولاحظت أن هناك تفاوتاً كبيراً بتلقي اللقاحات بين بلدان العالم. ما يضعنا مرة أخرى أمام التعاون الديني، لأن ما عجز به السياسي، يعتقد أن الديني سينجح به، فالتعاون بين الأديان ضرورة واقعية في إطار المواطنة العالمية أو الكونية، لأن «كوفيد-19» أوضح للجميع أننا شركاء على كوكب الأرض، ولا مناص لإنقاذ جماعة منفصلة أو بعيدة عن الآخرين، مهما كانت ثرية أو قوية، فالنجاة معاً في كثير من المشكلات الكبيرة التي تواجهنا كمجتمع بشري.
 وختمت أن الجائحة تفرض علينا إعادة التفكير في التعليم والتربية على المشتركات والتعاون مع مختلف الثقافات في إطار المواطنة الكونية الشاملة.
المواطنة بين القانون والقيم

قدم الشيخ حمزة يوسف ورقة بعنوان «المواطنة بين القانون والقيم» (مفهوم الحق والخير) عرّف فيها المواطنة من حيث هي كلمة مصدرها «الوطن» وهو محل الاستيطان أو الإقامة. وأشار إلى أنّ هناك كلمة مشهورة تُنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنها من التراث العربي وهي: «حب الوطن من الإيمان».
 كما أشار يوسف إلى ما ورد عن «أرسطوطاليس»، في كتابه «السياسة» الذي تحدث فيه عن ثلاثة أنواع من الحكومات وانحرافاتها: 
النوع الأول هو الحكومة الملكية التي من الممكن أن تنحرف إلى الاستبدادية. والنوع الثاني هو الأرستقراطية أو حكم النبلاء الذي يمكن أن ينحرف إلى حكم الأنانيين أوالسّراق. أما النوع الثالث فهو الحكومة التي يحكمها الناس، والتي يمكن أن تنحرف إلى الديمقراطية. والمواطنون في كل هذه الحكومات على اختلافها لهم حقوق وعليهم واجبات. 
وأضاف يوسف أن الدول الغربية في طريقة تعاملها مع الأبناء تقوّي فيهم النمط التشاركي في السلطة، حيث يُستشار أو يُستأنس برأيهم من سن مبكرة، إضافة إلى ثقافة الحوار بين الطلبة في الفصل الدراسي الواحد، وهذا يخالف بشكل كبير التسلسل الهرمي من الأعلى إلى الأسفل الذي يوجد في أكثر البلاد المحكومة بالحكومات الاستبدادية. كما أكّد في كلمته أنّ المعلّم في مجال التربية والتعليم هو عالِمٌ ولا يخُالَف ولا يُتحدى.
وقال يوسف «إنْ أردنا أن نُأصّل المواطنة لأي شعب من الشعوب، فلابد من حق الانتخاب والمشاركة في العملية السياسية، وليس شرطاً أن يزال الحكم الملكي لأن الكثير من الحكومات الملكية تسمح بالمشاركة في العملية السياسية، فلا بد من المشاركة من قبل المواطنين وإلا سيشعرون بالازدراء». 
وجاء في كلمته أنّ أرسطوطاليس يعتبر أن عدم التجانس أو اختلاف الأجناس أو العرقيات هو أحد الأسباب الأحد عشر للصراع المدني الذي يؤدي إلى الحرب الأهلية. 
إذاً لابد من أن نبحث عن العناصر والقواسم المشتركة التي تخفف هذا الإحساس بالغربة وتقوي الإحساس بالأخوة، فهذا ضروري لأي حكومة أو مجتمع متعدد العرقيات أو متعدد الديانات، خاصة في عصرنا، حيث كثرت الهجرات وكثر تنقل الناس من مكان إلى آخر بسبب وسائل النقل الحديثة.

المجتمع المدني
 عقدت الجلسة الرابعة برئاسة الدكتور محمد نوح علي القضاة- عضو هيئة التدريس بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، وتناولت موضوعي «المجتمع المدني ودوره في تعزيز قيم المواطنة الشاملة»، و«دور الشباب في تعزيز المواطنة الشاملة». وتحدث في الموضوع الأول كل من فضيلة الشيخ أحمد نور محمد الحلو، مفتي جمهورية تشاد، وفضيلة الدكتور أحمد عبد العزيز الحداد، مدير إدارة الإفتاء في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي، والدكتور عبدالله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج - المغرب، والدكتور نوكس تايمز، كبير الخبراء الزائرين، USIP، زميل أول، معهد المشاركة العالمية، والأستاذة نينا فرناندو- منظمة «SHOULDER TO SHOULDER». وتحدث في الموضوع الثاني كل من الأستاذة إسمه بارتريدج، مستشارة، مؤسسة «FAITH PARTNERSHIP»- المملكة المتحدة، والدكتور يوسف حميتو- مدير برنامج إعداد العلماء الإماراتيين بمركز الموطأ، الإمارات، والدكتورة آمنة حتى، كاتبة وأكاديمية متخصصة في فلسفة الدين- باكستان.
 تحدث المفتي أحمد نور محمد الحل، فتوجه بالتحية إلى الدولة المضيفة المشهود لها بالحضور والممارسة في الخير والعطاء والتآخي الإنساني، كما توجد بالشكر إلى العالم الجليل معالي الشيخ عبدالله بن بيه، صاحب المبادرات الإنسانية، كما هو شأن ما نلتقي حوله اليوم، وهو موضوعة المواطنة الذي يعتبر هو المقدمة الأساس للسلم المجتمعي، انطلاقاً من الإرث الإسلامي، سواء في التعارف القرآني أو سيرة الأوائل التي لخصها علي بن أبي طالب، حيث قال: «الناس صنفان، إما أخ لك بالإسلام أو نظير لك بالخلق». ما يعني أن الإسلام هو دين السلام بين الناس جميعاً، وليس المسلمين فحسب.
 وتحدث فضيلة الدكتور أحمد عبد العزيز الحداد، فرحب بالحضور في دولة المواطنة.. دولة الائتلاف الشامل.. دولة الإمارات التي قامت على الأخوة الإنسانية منذ تأسيسها بقيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ويمضي بهديه الخلف الرشيد، بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. 
 وقال الدكتور الحداد إن مفهوم المواطنة، يعني الشراكة، وهي حاجة إنسانية لا يمكن تغييبها، لأن النكبات عندما تحصل لا تستثني أحداً، فرداً أو جماعة أو ديناً، وكما حصل في الغزو المغولي، حيث قتلوا الناس جميعاً، من دون تفريق بين مسيحيي أو مسلم. والأمر عينه يتكرر في الكوارث البيئة، ولعل آخرها كارثة كورونا، ما يقتضي الشراكة والتعاون في المواجهة بكل المعاني الشرعية الدينية والأخلاقية. كذلك من مفاهيم المواطنة، بناء الدولة حتى تقوم بواجباتها، ولا تكتمل المواطنة بمعانيها القانونية والحقوقية إلا من خلال وجود الدولة القوية.
 وتحدث الدكتور نوكس تايمز، فلاحظ أنه بالتجربة عايش مسلمين من مختلف بلدان العام في فرنسا، وأن جميعهم يريدون أن يكونوا مواطنين جيدين كمسلمين، ولكن ما حصل من قضايا الحجاب وغيرها، ترك جروحاً في النفوس. ومع ذلك انقسم المسيحيون الفرنسيون حول هذا الموضوع، فمنهم أصر على مراجعة القوانين العلمانية، وقابلهم البعض برفض فرض الهويات الدينية في المؤسسات العامة، وهذا النوع من النقاش المسؤول قد يجد الحلول الناجعة لمثل هذه المشكلات، فهذا هو فحوى المواطنة. وها نحن اليوم اليوم نرى ونشارك معالي الشيخ عبدالله بن بيّه، همه الإنساني ونتحاور لنخرج بميثاق جامع للمواطنة يجمع كل القيم الإنسانية الدينية والأخلاقية والقانونية والفلسفية، حتى نصل إلى مواطنة كونية شاملة.
 وقال نوكس تايمز، إن ما يقوم به الشيخ بن بيّه على قدر عال من الهمية، عندما يجمع النخب من كل الأديان والمذاهب الدينية والفكرية، هو على قادر عال من الأهمية. ونريد بحق أن يصل صوت أمثال الشيخ بن بيّه من المسلمين إلى جميع المسلمين، وأن يعرفوا أن حقوق الأقليات سواء من المذاهب الإسلامية أو من المسيحيين مصونة، وحريتهم مكفولة ومحمية.. فهذا الأمر هو في صلب المواطنة.
 وتحدثت إسمه كاترين، فلاحظت أن فكر الشيخ بن بيّه يشكل نهضة حقيقية إنْ لم نقل ثورة، في مجال التسامح وتعزيز السلم، فالواجب أن نسجي له الشكر والتقدير، وأن نقتدي خطاه في هذا الخطاب الإنساني الشامل. وقالت إنها ستتحدث عن دور الشباب في بناء المواطنة الشاملة، مؤكدة أن ما يحصل في تطور التقنيات وتطوير الخوارزميات، يلعب دوراً بديعاً لممارسة المواطنة المتنوعة الهويات الثقافية. وأشارت إلى تجربة رقمية قام بعض الشباب من الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث تواصلوا من خلال تطبيق على الموبايل، وبدأوا يتحاورون ويتناقشون ويتبادلون الآراء حول ما يريدون في حياتهم المستقبلية، فاكتشفوا أن أحلامهم وتطلعاتهم متشابهة، ما جعلهم يتواصلون في الواقع. وبالتأكيد قد لا نستطيع التنبؤ بما سيصلون إليه، ولكن المؤكد تراجع منسوب الكراهية والحقد الذي كان يؤسس للعنف بكل أشكاله الإجرامية. والمؤكد أكثر أن هذا التواصل لو اتسع لوجد الفلسطينيون والإسرائيليون وسيلة للتعايش أفضل بكثير مما يعانون منه على تفاوت حجم المعاناة بين الطرفين. كما تحدث إسمه كاثرين عن تأثير الرقميات على مستوى شباب العالم، متمنية التعامل بجدية مع الرقمية من أجل بناء ثقافة المواطنة الكونية الشاملة.

 أما نينا فرناندو، فتوجهت إلى الشيخ بن بيّه بالشكر الخالص على دعوتها إلى هذا الملتقى الذي يشكل حلقة مهمة على طريق الأنسنة. وتحدثت عن دور منظمة «كتف بكتف» التي ترأسها في الولايات المتحدة، وتعمل منذ تأسيسها على المساواة، وأنها تعاملت مع نحو 36 مؤسسة حول العالم، ومع أكثر من ستين مؤسسة اجتماعية في داخل أميركا. وقالت إن المؤسسة من جملة ما تقوم به، تنظم حفلات إفطار رمضاني سنوياً، مفتوحة لكل الناس، ليتعارفوا ويتقاربوا لتأسيس المواطنة التي تقدم لهم ضمانة العيش الكريم. 

 أما الدكتور يوسف حميتو، فلاحظ أن موضوع المواطنة هو من المواضيع التي يمكن وصفها بأنها استباقية، لأنها تساعد على وضع الحلول الناجعة للكثير من المشكلات التي تواجه المجتمعات البشرية المعاصرة. وتوقف عند مسألتين من معوقات المواطنة:
الأولى هي الصراعات التاريخية وأثرها على دور الشباب في تعزيز المواطنة، لأن أكثر منغصات العيش في العالم تقوم عليها، ذلك لأن التاريخ أخطر نتاج نتج عن كيمياء الذكاء منذ الأزل، إنه يتسبب بالأحلام ويجعل الأمم تسكر بالنشوة، وتثقل كاهلها بالذكريات الزائفة، ويُبقي جراحها زائفة كما يقول بول فاليري. فهذا مؤكد لأنها على أقل تقدير تستثير بواعث الكراهية. ولذلك يجب الالتفات إلى هذه القضية، حتى لا يدفع الشباب مزيداً من الأثمان لها. 
 الثانية: الإيدولوجيا ونسق الولاء الزائف، والمقصود بذلك تنميط اعتقاد أو سلوك يستحيل إلى براديغم، يفرض نفسه على الناس ليكون أسلوب تفكير وممارسة وتدبير للحياة، يعتمد فرض الوصاية على تدين الناس وعلى اختياراته الأخلاقية والمجتمعية.
 وأخيراً تحدثت الدكتورة شما يوسف الظاهري، عضو مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، فاستهلت كلمتها بالحديث عن فلسفة تمكين الشباب التي اعتمدتها دولة الإمارات منذ تأسيسها، وتواصل ذلك حتى صارت الآن الفرصة متاحة أمام الشباب على كل المستويات التعليمية والتأهيلية والوظيفية والرفاهية والسعادة. ولاحظت أن دولة الإمارات صارت تشكل بيئة آمنة للتسامح والتعايش، وتتوافر فيها كل الفرص والإمكانيات للعمل والتطور والعيش الكريم والاستقرار، وهذا ما جعلها قبلة الشباب العربي.
 وقالت الدكتورة شما، إن دولة الإمارات حققت ما حققته لأنها تتمتع بقيادة استثنائية منذ قيامها، حيث رسم المؤسسون خطة تطور المجتمع، وفي الأساس منه الشباب، وتواصل نهج المؤسسين حتى اليوم، حيث بدأنا نرى حضور الشباب بقوة في كل مفاصل الدولة. كما لاحظت أن دولة الإمارات تولي منظومات القيم والأخلاق أولوية في ممارسة الدولة والمؤسسات الرسمية، سواء على مستوى التربية أو على مستوى القوانين الناظمة للعمل المجتمعي، وأن دستور الدولة يكفل هذا التوازن وتفعيله بحق.
الجلسة الختامية 
 أما الجلسة الختامية، فعقدت برئاسة الدكتور قطب سانو- الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، وتناولت موضوع «المواطنة الشاملة على بساط السلم: بين إطلاقية المبدأ ونسبية التنزيل»، وتحدث فيها كل من الدكتور عبد الحميد عشاق- المنسق العام لموسوعة السلم في الإسلام – المغرب، والدكتور عبدالله حميد بن علي، عضو هيئة التدريس بكلية الزيتونة- الولايات المتحدة، ونيافة المطران أنجيلوس- رئيس أساقفة الكنيسة القبطية بلندن - المملكة المتحدة، والحاخام ديفيد روزين، مدير العلاقات الدولية بين الأديان، عضو مجلس إدارة مركز الملك عبدالله الدولي للحوار – إسرائيل، والبروفيسور بيسا إسماعيلي، برلمانية سابقة في جمهورية كوسوفو.

المواطنة والسلم
 قدم الدكتور عبد الحميد عشاق ورقة بعنوان «العلاقة بين المواطنة والسلم»، فقال متسائلاً: «ما العلاقة بين المواطنة والسلم؟ وما التصوّر الكلّي والمرجع القيمي الذي نضبط به هذه العلاقة، بحيث تفضي إلى ممارسات وتطبيقات سليمة، مع صعوبة الجمع بين كونية المبادئ ونسبية التنزيل؟ ملاحظاً أن الجواب عن هذين السؤالين يرتكز على النظر في تاريخ المفهوم وتطوره أولاً، وما يثيره من إشكالات وتحدّيات على صعيدي النظر والتطبيق ثانياً».
 وأضاف أن جوهر المواطنة يتجلّى في تجاوزها التاريخي والجدلي لمختلف الانتماءات الأولية العصبوية الطائفية والمذهبية التي كانت سببَ الاحتراب الطويل الذي شهدته أوروبا ما قبل اتفاقية وستفاليا. كما أن المفُهوم والرهانات التاريخية الضيقة لمختلف الطوائف المسيحية، في سعي كل منها لتأسيس مشروعية السلطة بناء على مذهبها الخاص، جعل الصراع على السلطة يحتدم باسم الدين، الأمر الذي جرَّد المسيحية من مرجعيتها الأصلية الجامعة، واقتضى البحثَ عن مرجعية بديلة تمثلت في نظام المواطنة القائم على تحييد الانتماءات الدينية، والنظر إلى الدين باعتباره شأناً خاصاً مقابل السياسة المدنية التي تمثل شأناً عاماً.
 وأكد عشاق أن جوهر المواطنة يتجلّى في تجاوزها التاريخي والجدلي لمختلف الانتماءات العصبوية الطائفية والمذهبية. ولكن التجربة السياسية الغربية شهدت نتيجة الهجرة تكوُّن أقليات تطالب بحقوق لا تنسجم مع النظام الدستوري، وهو ما حال دون بناء مواطنة واحدة، وإنما «مواطنات» عديدة تمنح من خلفيات فلسفية وتاريخية وقانونية مختلفة.
 وأوضح عشاق أن كلمة «مواطن» في الفكر السياسي الغربي تعني الصفة القانونية المتصلة بالإنسان أينما حلّ وارتحل، وهو أمر لم يعد مقبولاً بالنسبة للكثيرين. هناك إشكالات تتعلق بتطور المفهوم، لأن المواطنة لم تعد مرتبطة بالدولة الوطنية وإنما بالمجموعات الإنسانية. وقد تنبه كانط إلى أن إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر عن الثورة الفرنسية، يتجاوز حدود الدولة الوطنية. وهذا يعني أن المواطن بمعنى الفلسفة السياسية غاية في التجريد، ما يجعله قابلاً للتشخُّص في أنظمة مختلفة.
 وقال عشاق إن المواطنة دينامية اجتماعية، والحقوق الاجتماعية من مقومات المواطنة ومقتضياتها. ولذلك يتشكل المفهوم الجديد للمواطنة من خلال الاعتراف بوجود ثقافات وديانات مختلفة. والمؤكد أن المواطنة الإيجابية لا تؤتي ثمارها إلا بضبط مفهومها ضبطاً محكماً، يراعي النِّسَب والفروق والسياقات ومنهجية التنزيل. ولا يكون التنزيل صحيحاً لمختلف صيغ المواطنة، إلا بربطها في إطارها الناظم المتمثِّل في مقصِد السّلم.
 وأضاف عشاق أن العلامة المجدد عبدالله بن بيّه يقترح مقاربةً متكاملة انطلاقاً من مبدأ «الوساطة بين الثنائيات المتقابلة» أو التوسط بين «الواجبات المتوازنة». موضحاً أن منهج الشيخ المجدد يقوم على التحالف بين القيم والتوازن بين الكليات والتعايش بين الأفكار. وهذا يعني أن العلامة الفقيه بن بيّه يرسي التعايش على أسس مفهومية متعدّدة ومؤثّرة في بناء المواطنة كالهوية والتاريخ والثقافة والدولة والدين.
 وقال عشاق إن المواطنة لا تتحقق بصفتها رابطة تعاقدية اختيارية حاضنة للتنوّع إلا من خلال استراتيجية السّلم، وأن الحرية المطلقة تهدد نفسها، وضبطها بالنظام العام هو السبيل لتحقيق الحرية العامة. مؤكداً أن من أهم ضمانات المواطنة الراشدة أن تقوم على حماية الحريات الأساسية وحقوق الأقليات في الدساتير، وتضمن الموازنة بين حرية الاعتقاد وتنزيلها في المجتمع، باستحضار ثقافته وخصائصه كي لا يرتدَّ إلى نتائج عكسية، والموازنة بين حرية التعبير وبين اقتحام حرية الآخر ومقدساته، لأن خطاب الكراهية ذريعة للعنف والعنف المضاد. معتبراً أن طريق المواطنة هي قَبولُ التنوع وتفعيل المشترك، وأن أي إجراء غير ممكن إذا لم تنظم الدولة قوانينها على هذا المستوى.
 وختم عشاق أنه لابد من تقدير الوازع الديني ودوره كمنظومة قيمية في إعادة ترتيب بيت المواطنة. وأن الانفتاح وتداخل الثقافات، يستدعي الاهتمام بتدبير الاختلاف بين الثقافات والسياسات في البيئات المحلية. ولذلك يستحسن القيام بعملية نقدية متكاملة للسياسات الشمولية والقوميات العنصرية إزاء الأقليات.