نورا الأمير (دبي)

التفاؤل لم يكن مجرد كلمة تقال على لسانه، بل كان يقيناً مغروساً في قلبه وسلوكه، فقد كان فمه وعيناه يملؤهما المستقبل.. يحلم كثيراً ويعمل كثيراً لوضع أحلامه على مسار التحقق. وكان له ما أراد.. هو المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، باني دبي الحديثة، والذي كتب اسمه بأحرف من نور وبمداد الذهب.. بهذه الكلمات، افتتح سلطان أحمد بن سليم رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لمجموعة موانئ دبي العالمية، رئيس مؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة، حديث الذكريات عن رحلة حياته التي بدأت مبكراً مع المغفور له الشيخ راشد، وأولى الخطوات في عمله الدؤوب لصنع مستقبل دبي التي أصبحت ملء الأعين والأفئدة والمثال الأبرز على قدرة الإنسان على صنع الحضارة إذا ما توفرت العزيمة والإرادة.
ويسرد بن سليم: «بداية تعرفي واقترابي من هذه القامة الكبيرة عندما كنت أذهب خلال إجازتي المدرسية بصحبة والدي الذي كان يعمل لديه.. مجلسه كان مفتوحاً يؤمه الجميع لمقابلته، وأتذكر اللقاء الأول، حيث تزامن وصولنا مع موعد وجبة العشاء فذهبنا لغسل أيدينا، وعادة، ما يكون هناك إبريق لغسل اليدين، ولكن في ذلك المكان لم يكن هناك إبريق ورأيت صنابير ماء في الحائط، وكنت صغيراً، ربما كان عمري سبع سنوات، وأتذكر جيداً، وبدهشة بالغة رأيت الناس يفتحونها ويحصلون على الماء.
لذلك، غسلت يدي وكنت أتساءل من أين أتت المياه، فنحن نشتري المياه التي يتم توفيرها، ويتم نقلها حيث يشتري الناس حاجتهم منها، لذلك تجولت خلف الجدار لأرى من أين تأتي المياه، وجاء والدي وقال، «إلى أين أنت ذاهب»؟، قلت: سأجد من أين تأتي المياه. فانفجر ضاحكاً وأخبر الشيخ راشد بالأمر الذي بادر إلى القول: تعرف يا أحمد، كل منزل في دبي سيحظى بالماء القادم من الصنبور، وهذا ما حدث في دبي وأكثر».

تطوير دبي
ويضيف: «دخلت الكهرباء لأول مرة إلى دبي عن طريق أحد التجار الذي قام بشراء المولدات التي تُنتج الكهرباء، فما كان من الشيخ راشد إلا إصدار توجيهاته بأن تقوم دبي بإنتاج الكهرباء».
ويتابع بن سليم: «أتذكر هذه القصص عنه، رحمه الله، فقد كان متحمساً جداً لتطوير دبي، فالشيخ راشد قدم نموذجاً مختلفاً لشخصية القائد المندمج والمنسجم مع هموم الناس، ومشاكلهم وقضاياهم، فقد كان يعمل وفق جدول يومي يبدأ مع ساعات الفجر الأولى، حيث يبدأ يومه بمقابلة الناس والتجار ثم يتوجه إلى مكتبه بعد أن يقوم بجولة في دبي، وأحياناً كانت هذه الجولة برفقة والدي حيث يطلع، رحمه الله، على المشاريع التي كانوا يعملون عليها».

مستمع جيد
ويشير بن سليم إلى أنه، رحمه الله، كان باب مجلسه في المساء مفتوحاً يستمع لأفكار التجار والتحديات التي تواجههم للعمل على حلها، فقد كان مستمعاً جيداً، والمجلس يضج بالحياة، وكل ما أستطيع قوله إن الشيخ راشد كان شغفه الأول تطوير دبي، وتوفير كل ما يمكن أن يحتاج إليه أهلها، وكان ينظر إلى دبي كمدينة تجارية، ولا أزال أتذكر في إحدى هذه الجلسات عندما قرر بناء ميناء راشد والتخطيط لهذا المشروع الضخم.

مرافقة
ويتابع: «قد شاءت المصادفة أن أكون رفقة والدي الذي كان يحرص على اصطحابي إلى مجلس الشيخ راشد، وكانت الأحاديث تدور دوماً حول التطوير الذي يريده وتشييد الميناء وحاجة التجار إليه والعوائد التي ستجنيها دبي من ورائه، وفي أكتوبر 1972 تم افتتاح ميناء راشد البحري الذي شكل داعماً اقتصادياً لدبي، وباتت مركزاً تجارياً».
ويلفت إلى أنه كانت تراود المغفور له فكرة تشييد الموانئ، ففي أوائل الستينيات كان يفكر في تشييد ميناء ومركز مالي، واطلع لتنفيذ ذلك على تجارب عالمية وأرسل من يعود إليه بأفكار وتجارب، وبالفعل تم إنجاز مشروع خور دبي، وميناء جبل علي، لم يتوقع أحد أن تصل دبي إلى ما هي عليه، كان البعض ينظر إلى جبل علي كمشروع لكن لم يعرف أحد الحجم الذي سيكون عليه كما هو الآن، ويتابع: «أتذكر أنه لم يكن يريد فقط بناء ميناء بل أراد أن يكون مدينة دولية متكاملة تستقطب المستثمرين، تعامل مع الأمر بحكمة وبنظرة استشرافية أوصلت دبي إلى العالمية».

حيوية
ويعود بن سليم بالذاكرة ويقول: «أتذكر أمي عندما قالت إن أحد التجار، وكان صديقاً عزيزاً لوالدي، قال: أتعلم عندما أكون بحضرة الشيخ راشد أشعر بالحيوية لفعل المزيد.. إنه يؤمن بدبي»، وأضاف: «الشيخ راشد عمل بجد للقيام بذلك، وعمل لساعات طويلة، كان يذهب ليرى كل مشروع بنفسه، ويتابع جميع المسؤولين عن هذه المشاريع».
ويؤكد بن سليم أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، يتبنى السياسة والنهج ذاته، مضيفاً: «اليوم ومع كل ما أراه من تطور تجاري، وخدمات لوجستية، وشركات الطيران، والإنترنت، والاتصالات عن بُعد، والتكنولوجيا والتي كانت بذرتها الأولى عندما بدأ الشيخ راشد في التطوير، أرى أنها كلها منظومة مستمرة ورؤية واحدة».