شروق عوض (دبي)
جاء فوز دولة الإمارات في استضافة الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28)، المنتظر عقده عام 2023، نتيجة التزامها كدولة متقدمة تحتضن الجميع وتتعامل بمنتهى الجدية مع مسؤولياتها العالمية تجاه التصدي لقضايا التغير المناخي، بحسب خبراء التغير المناخي والاستدامة والبيئة.
عائشة العبدولي: الشراكات سر نجاح الإمارات
قالت عائشة العبدولي، الوكيل المساعد لقطاع التغير المناخي والبيئة والتنمية الخضراء في وزارة التغير المناخي والبيئة: «إنّ فوز الإمارات في استضافة (COP28) المنتظر عقده على أرض إمارة أبوظبي عام 2023، جاء نتيجة سبقها في تنفيذ العديد من المبادرات المتعلقة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة والحد من آثار تغير المناخ، كالاحتباس الحراري، وإيجاد الحلول الناجعة للجم هذه الآثار وتوظيفها على أرض الواقع وتحويلها إلى فرص ومبادرات على مدار السنوات الماضية، بالإضافة إلى تتويجها بأحدث المبادرات المتمثلة في الاستراتيجية الوطنية للوصول إلى الحياد المناخي بحلول 2050، وثمة مبادرات أخرى أطلقتها على هامش مشاركتها في محادثات قمة «جلاسكو» كمبادرة الابتكار الزراعي للمناخ والانضمام إلى التعهد العالمي للميثان، مستفيدة من مكانتها كواحدة من أقل الدول في العالم من حيث انبعاثات الميثان وغيرها الكثير».
وأكدت العبدولي، أنّ التزام الدولة التام باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، يعكس رؤيتها بأن الشراكة سر النجاح والتقدم والركيزة الأساسية في إيجاد حلول عملية فعّالة للتحديات العالمية في هذا المجال، من خلال تعزيز الشراكة مع جميع الدول لتحقيق الفوائد الاقتصادية الناتجة عن مواجهة التغير المناخي وإيجاد حلول ناجعة لحماية الكوكب والبشرية من تداعياته.
وأشارت إلى أنّ الفوز بالاستضافة، لم يأت من فراغ وإنما جاء نتيجة حتمية لاعتمادها بفضل رؤى وتوجيهات القيادة الرشيدة واستشرافها للمستقبل، نموذجاً رائداً على المستويين الإقليمي والعالمي في مواجهة التحدي الأكثر خطورة وتهديداً للحياة على كوكب الأرض، ويعتمد على ضمان تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة والحفاظ على مواردها وتنوعها البيولوجي بشكل يساهم في خفض مسببات التغير المناخي ويعزز قدرات التكيف مع تداعياته.
قيس السويدي: مسيرة الإمارات المناخية جادة
قال قيس السويدي، مدير إدارة التغير المناخي في الوزارة، إنّ هذا الفوز يعد إنجازاً إضافياً لرصيد سجل الدولة الجاد والحافل بالعديد من المنجزات الخاصة بالمناخ، حيث بذلت الدولة خلال 3 عقود ماضية جهوداً عدة، وسجلت العديد من الإنجازات في مسيرة العمل من أجل المناخ، منذ انضمامها لاتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون وبروتوكول مونتريال، مروراً بالتصديق على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ، ثم انضمامها إلى بروتوكول كيوتو واتفاق باريس، ووصولاً إلى استضافة (COP28) في إمارة أبوظبي عام 2023.
وأكد أنّ دولة الإمارات واكبت انطلاقة مسيرة العمل العالمي من أجل المناخ ببذل العديد من الجهود محلياً وإقليمياً وعالمياً، لضمان تعزيز قدرات مواجهة هذا التحدي الذي يهدد استدامة أشكال الحياة بشكل عام، وحقق النموذج الذي تبنته نجاحاً واضحاً، حيث اعتمدت استراتيجيات وسياسات داعمة للعمل المناخي مثل الخطة الوطنية لتغير المناخ (2017 - 2050)، والانتهاء من المسودة الأولى للقانون الاتحادي للتغير المناخي، والذي سيكون القانون الوطني الأول من نوعه على مستوى المنطقة، نظراً لأهميته في تعزيز مكانة الدولة بمؤشرات التنافسية العالمية ودعم جهود التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر، وسيسهم القانون في دعم الابتكار والبحث والتطوير في مجال التهديد المناخي.
وأشار إلى أنه وضمن مستوى التنفيذ الفعلي لتوجهات واستراتيجيات خفض مسببات التغير المناخي والتكيف مع تداعياته، فإن الدولة تمكنت غبر توجهاتها من تعزيز نشر واستخدام حلول الطاقة المتجددة خلال الفترة من 2009 وحتى 2020 ورفع قدراتها في إنتاج الطاقة الشمسية من 10 ميجاوات إلى 2400 ميجا وات، ويجري العمل حالياً للوصول إلى أكثر من 8000 ميجا وات بحلول 2030.
عماد سعد: الفوز مؤشر على الأداء التنموي
قال عماد سعد، مستشار وخبير البيئة والتنمية المستدامة: «إن فوز الدولة باستضافة الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر تغير المناخ (COP28) في أبوظبي عام 2023، هو مؤشر أداء على النمط التنموي السائد فيها منذ البداية على يد الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، الذي حرص على حماية البيئة وتنميتها وسار على دربه الأبناء والأحفاد، فالإمارات تدخل التاريخ البيئي من أوسع أبوابه في حرصها على حماية كوكب الأرض، وهي تتمتع بخبرة طويلة في إدارة الملفات الدولية المعقدة في هذا المجال، وخير دليل على ذلك إطلاقها لـ«مبادرة أبوظبي الدولية للبيانات البيئية» في قمة الأرض للبيئة (جوهانسبورغ أغسطس 2002 بجنوب أفريقيا) بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة».
وأشار إلى أن إطلاق هذه المبادرة جاء لمد يد العون لدول العالم دون مقابل، عبر تحويل التحدي إلى فرصة للنجاح الجماعي، باعتبارها رداً على التدهور والتباين الواضح في آلية بناء قواعد البيانات البيئية في أغلب دول العالم، حيث ظهرت المشكلة بوضوح عندما صدر مؤشر الاستدامة البيئية (ESI) لأول مرة في العالم عن جامعة (Yale) الأميركية خلال انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي (Davos) في شهر فبراير 2002، حيث صَنَّفَ المؤشر دول العالم بحسب التقدم العام نحو الاستدامة البيئية، وتبين أن الافتقار إلى نُظم بيانات بيئية عالية الجودة وقابلة للقياس عائق رئيسي أمام تحقيق التنمية المستدامة على مستوى العالم، وأن نُظم بناء المعلومات البيئية غير صحيحة، كما تم الاعتراف بأنّ تطبيق المقاييس غير الإقليمية والمؤشرات المرتبطة بها قدمت نتائج منحرفة، والخلاصة هي أن جميع صانعي السياسات في أنحاء العالم، يواجهون تحديات لاتخاذ قرارات حيوية من دون البيانات اللازمة. ونوّه بأنّ الإمارات عوَّدتنا دائماً على جاهزيتها واستعدادها لمواجهة كل التحديات، بسبب وضوح الرؤية والمسار، فهي تملك تصوراً واضحاً لحجم التحدي المناخي للعالم والإجراءات المطلوبة، وخطة العمل وآلية التمويل وفق جدول زمني معلوم، واستراتيجية الإمارات للطاقة 2050 تتسم بأربع مؤشرات هي: مزيج طاقي صديق للبيئة وخالٍ تماماً من الوقود الأحفوري، وخفض بصمتها الكربونية وترشيد استهلاك الطاقة على المستوى الفردي والمؤسسي، ورفع مستوى الوعي والمعرفة المجتمعية.
رياض الدباغ: الطاقة المتجددة ركيزة أساسية
بدوره، أوضح رياض الدباغ، خبير بيئي، أنّ فوز الإمارات بالاستضافة ناجم عن عدة عوامل، منها اهتمامها الكبير لأكثر من ثلاثة عقود، بموضوع التغير المناخي، والتزامها الثابت بالمشاريع الاستثمارية التي تهدف إلى الحد من تداعياته وإيجاد حلول لها، جنباً إلى جنب مع خلق تأثير اقتصادي إيجابي للمجتمع الإماراتي، وخير دليل على ذلك مبادرتها الاستراتيجية الطموحة لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، التي تؤكد دورها المحوري في المنطقة في اتخاذ خطوات أكثر جدية بهذا الشأن، علاوة إلى حرصها على دعم المجتمع الدولي وإيجاد طرق عملية لتعزيز الحراك المناخي، إضافة إلى تبنيها مفهوم «العمل الاستباقي» بما يتوافق مع تحقيق الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة، للجم المخاطر المستقبلية المرتبطة بتغير المناخ.
وأشار إلى أنّ الدولة أولت عناية خاصة باستخدام الطاقة المتجددة، حيث جعلت منها ركيزة أساسية في استراتيجيتها لتقليل الانبعاثات الكربونية ودرء أسوأ تداعيات الاحتباس الحراري، وتشمل هذه المبادرات مشاريع الطاقة الشمسية، والتقاط الكربون واستخدامه وتخزينه، واستخدام الهيدروجين كوقود نظيف، حيث باتت تحتضن اليوم 3 من أكبر محطات الطاقة الشمسية وأكثرها كفاءة من حيث التكلفة في العالم، ومحطة لتشغيل الطاقة النووية السلمية.
وأكد أنّ فوز الإمارات ناجم أيضاً عن جهودها الواضحة خلال العامين الماضي والحالي، فيما يخص مخرجات أو تنفيذ أو تطبيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ، التي تنص على خفض معدل الاحترار العالمي وتقليل الانبعاثات الضارة، ويكسب استضافة الدولة لهذه الدورة تحديداً أهمية كبيرة في تحقيق مستهدفات اتفاقية باريس للمناخ، إذ إنه سيشهد أول تقييم عالمي للمساهمات المحددة وطنياً وتحديد ملامح الجولة التالية من هذه المساهمات.