شروق عوض (دبي)

تعزز الإمارات مسيرة عملها المناخي بـ 11 مبادرة عمليّة جديدة موزعة ما بين مشاريع وطنية وتعهدات ومذكرات تفاهم دولية، لتضاف إلى سجل مسيرتها الحافل بالمنجزات الممتدة على مدار 30 سنة ماضية، وذلك لتحقيق عدة أهداف، أهمها مواجهة تحدي التغير المناخي، والالتزام بكافة الاتفاقيات الدولية التي وقعتها بدءاً من الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن المناخ على الصعيد العالمي، وتحقيق متطلبات التنمية الاقتصادية المستدامة، وضمان مستقبل أفضل للأجيال الحالية والمقبلة على الصعيد المحلي. وتأتي المبادرات الجديدة استمراراً لجهود حماية البيئة وضمان استدامتها بوصفها نهجاً رئيسياً لها منذ تأسيسها على يد الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه - وقد بذلت الإمارات، خلال العقود الخمسة الماضية، العديد من الجهود للحفاظ على النظم البيئية والمواد الطبيعية والتنوع البيولوجي، بدايةً من إرسال وفد رسمي للمشاركة في الاجتماع الأول للأمم المتحدة بشأن البيئة بعد ستة أشهر فقط من تأسيسها، وصولاً إلى إطلاق مبادرتها الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، وتبنيها نموذجاً جديداً للنمو الاقتصادي المستدام.

محادثات غلاسكو
 كشفت الإمارات عن تلك المبادرات الجديدة خلال مشاركة وفدها في محادثات المناخ العالمية التي تستضيفها المملكة المتحدة في مدينة غلاسكو، لمدة أسبوعين من 31 أكتوبر الماضي وحتى 12 نوفمبر الجاري، حيث إنها تلعب دوراً محورياً في التواصل مع قادة العالم والوفود المشاركة بشأن التعامل مع تداعيات تغير المناخ والحد منها، ومناقشة ووضع الأطر الرسمية لخطط تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050.

إجراءات مساهمة
توزعت هذه المبادرات الجديدة باعتبارها إجراءات مساهمة للحد من آثار تغير المناخ، على عدة قطاعات كالبيئة والزراعة والصحة والطاقة والبنية التحتية، بالإضافة إلى القطاع الخاص، وتهدف في مجملها إلى تحقيق مجموعة من الأهداف التي تدفع إلى المضي قدماً في مسيرتها الطموحة لبناء اقتصاد منخفض الكربون يسهم في حماية البيئة وتقليص الانبعاثات وتوفير الفرص الاقتصادية المستدامة، وتنفيذ مبادرتها الاستراتيجية غير المسبوقة على المستويين الإقليمي والعالمي لتحقيق الحياد المناخي 2050 نظراً لالتزامها الراسخ بالحد من الانبعاثات الكربونية.

مسؤولية إماراتية
تأتي المبادرات الإماراتية الجديدة والساعية للأهداف المشار إليها أعلاه، بالإضافة إلى إيجاد حلول مناخية عملية شاملة من شأنها تحقيق نمو اقتصادي مستدام، ودعم جهود العالم في رفع طموح العمل للحد من آثار تغير المناخ، مواكبة لتسارع وتيرة المخاطر المناخية التي تهدد جميع دول العالم، حيث إنها تتعامل مع هذه المسؤولية الكبيرة بكل تواضعٍ وتصميمٍ، دعماً للمجتمع الدولي عبر وضع أجندة طموحة للعمل المناخي، ترتكز بالدرجة الأولى على خطوات عمليّة فعّالة وفق الفرص المتاحة لإحداث التغيير المنشود.

تعزيز التعاون البيئي
أولى تلك المبادرات تستند على تعزيز التعاون مع المجتمع الدولي في مجالات البيئة، بما يتوافق مع القوانين الوطنية والتغير المناخي والطاقة المتجددة والزراعة الذكية مناخياً وإدارة الجفاف والتثقيف البيئي وتعزيز القدرات المؤسسية، وقد وقعت الدولة مذكرة تفاهم مع جمهورية باكستان في هذا الجانب.
وتتعاون الدولتان بموجب الاتفاقية على تطوير وتوسيع المبادرات الحالية لاستعادة النظام البيئي وتعزيز أهداف «عَقْد الأمم المتحدة لاستعادة النظام الإيكولوجي»، وتطوير السياحة البيئية والصحراوية، وتنفيذ برامج تدريبية مشتركة لتأهيل المتخصصين في مجالات البيئة والتغير المناخي، وإطلاق مبادرات للحفاظ على النظام البيئي البحري ومبادرات الكربون الأزرق، وتبادل المعرفة والخبرات بين المؤسسات التعليمية وتنفيذ الأفكار والمشاريع المبتكرة للأوساط الأكاديمية والتعاون في إجراء البحوث البيئية.

مشاركة الخبرات بـ «الميثان»
 تمثلت المبادرة الثانية في مواصلة الدعم الدائم لجهود العمل المناخي عالمياً، حيث انضمت الإمارات خلال «COP26» إلى مبادرة التعهد العالمي للميثان بقيادة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، مستفيدةً من مكانتها كواحدة من أقل دول العالم من حيث انبعاثات غاز الميثان، مع إعادة التأكيد على الالتزام بخفض انبعاثاته من خلال إيجاد حزمة سياسات محلية داعمة وتبني تطوير الحلول الابتكارية.
وتسعى الدولة من خلال الانضمام إلى هذا التعهد العالمي لمشاركة خبراتها في مجال إدارة انبعاث الميثان، كما تعمل كذلك على تحويل انبعاثاته إلى فرصة مجدية تجارياً عبر خطط طموحة لتحويل النفايات إلى طاقة، مما يجعلها تتصدّر الجهود العالمية في إدارة هذه الانبعاثات، باعتبار استراتيجيته الوطنية للحد من انبعاثات الميثان جزءاً من نهجها الشامل في العمل المناخي.

تقليص الانبعاثات من الزراعة
أما المبادرة الثالثة، فلقد ارتكزت على تقليص الانبعاثات الصادرة عن قطاع الزراعة، باعتباره محوراً رئيسياً في منهجيتها الشاملة للعمل المناخي، وإدراكها أنّ هذا القطاع يقف وراء 25% تقريباً من الانبعاثات الضارة بالبيئة عالمياً، وخير دليل على ذلك إطلاق الإمارات والولايات المتحدة الأميركية رسمياً لـ «مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ» الرامية إلى تكثيف وتسريع الجهود العالمية للابتكار والاستثمار في البحث والتطوير، ضمن جميع جوانب التقنيات الزراعية الذكية.
وتهدف هذه المبادرة العمليّة الجديدة، والتي تصل قيمة التزاماتها الأولية إلى 4 مليارات دولار، إلى تسريع العمل على تطوير أنظمة غذائية وزراعية ذكية مناخياً تدعم العمل المناخي على مدى الأعوام الخمس المقبلة، وتعزيز المساهمة الاقتصادية للقطاع الزراعي وتوفير فرص عمل أكبر في هذا القطاع الحيوي الذي يوفر اليوم أكثر من 2 مليار فرصة عمل ويوفر الغذاء لكافة سكان الكوكب، كما تعهدت الإمارات باستثمار إضافي قيمته مليار دولار كجزء من هذه المبادرة.

حماية الغابات والأراضي
 ارتكزت المبادرة الرابعة على رفع مستوى الطموح بشأن الغابات، واستخدام الأراضي بطريقه تواكب توجهات العمل المناخي والحفاظ على التنوع البيولوجي وصحة البشر وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، حيث صادقت الإمارات، لإدراكها مسألة مواجهة المجتمع الدولي لتحدي فقدان الغابات وتدهور الأراضي، على إعلان قادة غلاسكو بهذا الشأن، إذ يهدد تفاقمه بفقدان الخدمات التي تقدمها النظم البيئية الحيوية مثل توفير موائل طبيعية للتنوع البيولوجي وأحواض طبيعية لتخزين الكربون لدعم العمل المناخي.
وستعمل الإمارات بالتعاون مع باقي الدول المؤيدة للإعلان، على الحد من هذا الفقد وتعزيز جهود الحفاظ على الغابات والاستخدام المستدام للأراضي، لإيمانها العميق بأن تعزيز التعاون والتنسيق الدولي من شأنه أن يرفع قدراتها على مواجهة كافة التحديات.

تطوير النظام الصحي
أما الخطوة الخامسة، فقد ارتكزت على تعزيز جودة النظام الصحي وتهيئته لمواجهة أي تأثيرات مناخية على المديين الطويل والقصير، ومن خلال تبني دولة الإمارات لنهج عمل شامل يهدف إلى بناء نظام اقتصادي فعال، فإنها لم تغفل القطاعات الرئيسية الأخرى وفي مقدمتها القطاع الصحي نظراً لتأثير المناخ المباشر على صحة الإنسان، وبهذه الخطوة تجدد الدولة التزامها  من خلال وزارة الصحة ووقاية المجتمع، بتطوير نظام صحي فعاّل يتسم بالديناميكية والمرونة في مواجهة تحديات المناخ، والقيام بدراسات تأثير المناخ على الصحة وكيفية التكيف مع التغيرات الناجمة بشكل دوري لضمان استخدام النتائج المستحدثة في تطوير السياسات والبرامج الصحية لمواجهة الآثار المحتملة وغيرها.
كما تسعى الدولة جاهدة إلى تقليل الانبعاثات من المؤسسات والمرافق الصحية، وتتطلع إلى إجراء تقييم شامل لوضع خطة عمل تسهم في تطوير نظام صحي منخفض الكربون، بما يتماشى مع الأهداف الوطنية للتخفيف من آثار المناخ وأهداف اتفاقية باريس بشأنه.

حماية مكونات القطاع البيئي
وعلى صعيد المبادرة السادسة، فلقد ارتكزت على القطاع البيئي ومكوناته وحمايتها من تداعيات تغير المناخ، حيث تعكف الدولة عبر هيئة البيئة بأبوظبي على تنفيذ سلسلة من المشاريع التي تضيف إنجازات جديدة على مسيرة العمل المناخي مثل «مركز أبوظبي للمصادر الوراثية النباتية» الذي سينطلق العام المقبل ويهدف إلى المحافظة على التنوع البيولوجي، عبر توثيق المصادر الوراثية للنباتات المحلية وتنوعها ودراسة الأنواع النباتية المهمة وحفظها.
إضافة إلى مشروع بناء وتطوير سفينة أبحاث، وهي سفينة متعددة الأغراض ستستخدم لريادة الأبحاث التي تقوم بها الهيئة في علوم المحيطات ومصايد الأسماك في المياه العميقة، وتتميز بكونها تستخدم تقنيات تحافظ على استدامة البيئة، وستستخدم لإجراء أبحاث متخصصة في الخليج العربي أكثر البحار سخونة في العالم ومختبراً طبيعياً لتغير المناخ- كجزء من مبادرات دولة الإمارات العلمية والمبتكرة، كما ستتمكن الهيئة من خلال السفينة من استكمال دراساتها للبيئة البحرية والثروة السمكية في المياه التي تم دراستها مسبقاً والتي يبلغ عمقها 10 أمتار.


حلول مزدوجة 
ارتكزت المبادرة الحادية عشرة على زيادة حشد الجهود لإيجاد حلول مزدوجة تحافظ على البيئة وتعزز من العمل المناخي في آنٍ واحد، وتعد السبيل الوحيد لمواجهة فقد التنوع البيولوجي والحد من تداعيات التغير المناخي واتخاذ خطوات جماعية فاعلة تهدف إلى حماية الكوكب وضمان مستقبل أفضل لأجيالنا الحالية والمقبلة، ويظهر ذلك جلياً من خلال تأييد دولة الإمارات لـ «تعهد القادة تجاه الطبيعة» في قمة غلاسكو، والذي يلزم المجتمع الدولي باتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة ووضع الطبيعة والتنوع البيولوجي على طريق التعافي بحلول 2030، كجزء من جهود العمل للعقد المقبل للأمم المتحدة.
ويبعث تأييد الإمارات للتعهد أيضاً رسالة قوية مفادها أن لا تناقض بين الحفاظ على الطبيعة وتحقيق التنمية الاقتصادية، حيث يتماشى هذا التأييد مع نهجها الراسخ في العمل من أجل البيئة وتحقيق استدامتها والحفاظ عليها للأجيال القادمة، الذي أسّسه الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيب الله ثراه.

طاقة صديقة للبيئة
تسعى المبادرة السابعة إلى دعم جهود الدولة في مسيرتها المناخية بما يخص الوفاء بتعهداتها الخاصة بزيادة الاعتماد على الطاقة الصديقة للبيئة، عبر استخدام تكنولوجيا الطاقة النووية في إنتاج كهرباء الحمل الأساسي لدعم مصادر الطاقة المتجددة والمتقطعة، وتسريع خفض البصمة الكربونية لقطاع الطاقة وخفض الانبعاثات الكربونية وزيادة إنتاج الطاقة لمواكبة زيادة الطلب على الكهرباء. وتم الإعلان في هذا الجانب عن اكتمال الأعمال الإنشائية لثالث محطات براكة للطاقة النووية السلمية في منطقة الظفرة بإمارة أبوظبي، كأول مشروع للطاقة النووية متعدد المحطات في مرحلة التشغيل في العالم العربي، وذلك في إطار مساهمتها المتواصلة لتحقيق رؤيتها للطاقة الصديقة للبيئة، ومساهمتها الحالية في إيجاد الحلول المناخية من خلال تسريع خفض البصمة الكربونية لقطاع الطاقة.

إشراك القطاع الخاص
ارتكزت المبادرة العاشرة على زيادة مشاركة القطاع الخاص في جهود وتوجهات الدولة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، وتعزيز قدرات التكيف مع تداعيات التغير المناخي، وتحفيز الابتكار من أجل المناخ، وتبني ممارسات الاستدامة، حيث أطلقت عبر وزارة التغير المناخي والبيئة مبادرتين جديدتين لتواصل تعزيز ريادتها في مجال المناخ، المبادرة الأولى بالتعاون مع «ماجد الفطيم» وتحمل عنوان «بوستيريتي 20»، وهي المبادرة الإقليمية الأولى التي تستهدف تحديد وإبراز أفضل 20 قائداً من قادة الرأي والفكر في مجال الاستدامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والاحتفاء بهم، سعياً لإنشاء مجتمع من المفكرين الفعالين الإقليميين في مجال الاستدامة القادرين على تحفيز المجتمع ورفع الوعي العام لديه لتبني ممارسات الاستدامة والمساهمة في تحقيقها. أما المبادرة الثانية، فهي لتشجيع إطلاق حاضنات الأعمال في مجال التغير المناخي، وهي أول صندوق لرأس المال يستهدف التأثير الإيجابي في المنطقة عبر نموذج استثمار مشترك مع كبريات الشركات الإقليمية لدعم وتوسيع نطاق ريادة الأعمال والشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا النظيفة في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب شرق آسيا، ويهدف الصندوق لتوفير فرص الاستثمار للقطاع الخاص على المستويين الإقليمي والدولي المهتمين بالمشاريع الخضراء والمستدامة.

ريادة الهيدروجين
المبادرة الثامنة، ارتكزت على قطاع البنية التحتية ودوره في الحد من تداعيات تغير المناخ، حيث أعلنت الدولة عبر وزارة الطاقة والبنية التحتية، عن خريطة طريق لتحقيق الريادة في مجال الهيدروجين، وهي خطة وطنية شاملة تهدف إلى دعم الصناعات المحلية منخفضة الكربون والمساهمة في تحقيق الحياد المناخي وتعزيز مكانة الدولة كمصدر للهيدروجين، وذلك في إطار ترسيخ توجهات قيادتها الرشيدة لتعزيز الحلول المستقبلية لتحديات المناخ العالمية، والتي كان آخرها الإعلان عن مبادرة الإمارات الاستراتيجية للحياد المناخي 2050.
كما يعمل المعنيون في القطاعات الرئيسة حالياً على تنفيذ أكثر من سبعة مشروعات طموحة تستهدف من خلالها 25% من الحصة في أسواق التصدير الرئيسة، وبناء منشآت إنتاج الهيدروجين والأمونيا على نطاق واسع.

زيادة الطاقة النظيفة
ارتكزت المبادرة التاسعة على زيادة التحول إلى الطاقة المتجددة والنظيفة، بما ينسجم مع استراتيجيات الدولة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام على مدى السنوات الخمسين القادمة، وبما يضاف إلى سجلها الحافل بالابتكار في العمل المناخي، حيث كشفت عبر دائرة الطاقة في أبوظبي عن 9 مشاريع قائمة وقيد التخطيط، لدعم مبادرتها لتحقيق الحياد المناخي والمساهمة في تسريع النمو الاقتصادي المستدام، الأمر الذي يعزز مسيرتها المبهرة.