طه حسيب (أبوظبي) 

 نظّم مركز «تريندز للبحوث والاستشارات» بالتعاون مع «مركز موشيه ديان للدراسات الشرق أوسطية والأفريقية» في جامعة تل أبيب، ندوة تحت عنوان «الاتفاق الإبراهيمي: فرص تعزيز التعاون والتسامح والتنمية في المنطقة». الندوة انعقدت بالشراكة مع صحيفة «الاتحاد» ودارت سجالاتها داخل قاعة «رايا وجوزيف جاجلوم» حول 3 محاور رئيسة: دور الثقافة في تعزيز قيم التسامح والحوار، ودور الإعلام في دعم السلام والأخوّة الإنسانية، وأفق التعاون في المجالات التنموية والتقنية. وتأتي الندوة بعد مرور أكثر من عام على توقيع الاتفاق الإبراهيمي كخطوة تتطلع للتعايش والتسامح ومد جسور التواصل بين شعوب المنطقة. 
ووجه الدكتور محمد عبدالله العلي الرئيس التنفيذي لـ «مركز تريندز للبحوث والاستشارات» كلمة في افتتاح الندوة، رحب في مستهلها بسعادة السفير محمد محمود آل خاجة سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى دولة إسرائيل، والأستاذة الدكتورة ميليت شامير، نائب رئيس جامعة تل أبيب، والبروفيسور أوزي رابي، مدير مركز موشيه ديان التابع لجامعة تل أبيب. 

آفاق تعاون جديدة
وأضاف العلي: الاتفاق فتح بعد عام من توقيعه آفاقاً جديدة من التعاون في المجالات التنموية والتكنولوجية والثقافية، فحجم التبادلات التجارية شهد ارتفاعاً ملحوظاً، فيما شهد التعاون في مجالات حيوية مثل الصحة والتعليم والتكنولوجيا تطورات مهمة كانت لها انعكاسات إيجابية على مختلف الأطراف، ولاسيما في مواجهة جائحة «كوفيد - 19». وستمثل هذه المكاسب بلا شك حافزاً لمزيد من التعاون والحوار في المستقبل القريب. 

مصالح مشتركة 
وحسب العلي، فإن مصالح اقتصادية مشتركة تتحقق من خلال توسيع الروابط التجارية والاستثمارية والشراكات الاقتصادية الفاعلة في المجالات التنموية المختلفة، ولاسيما قطاعات الاقتصاد الجديدة والتكنولوجيا المتقدمة والثروة المعرفية، وكل هذا يمثل الأساس الأهم الذي سيستند إليه السلام المستدام.

«يوم عظيم»
وانتقلت الكلمة إلى أوزي رابي مدير مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط، واصفاً انعقاد الندوة بـ«يوم عظيم»، ينعقد فيه أول مؤتمر بطريقة طبيعية في تل أبيب بمشاركة متحدثين من أبوظبي داخل جامعة تل أبيب. وأشاد «رابي» بتعزيز العلاقات بين «مركز موشيه» ومركز «تريندز»، ضمن تعاون يؤكد دور مراكز البحوث في بناء جسر نحو المستقبل لصالح الأجيال المقبلة ولمصلحة كل المنطقة. ونوّه «رابي» إلى أهمية العامل التربوس في دعم السلام، وضرورة ما يصفه بـ«تغيير فكري» من خلال الثقافة وباحترام الآخرين، من أجل تحقيق التغيير. وأكد «رابي» قناعته بأن العلاقات بين العرب وإسرائيل في القرن الحادي والعشرين ستكون مختلفة تماماً عن الفترات السابقة. 

  • حمد الكعبي أثناء الجلسة الثانية بمشاركة نطع ليفنة ونير بومس وليورا هندلمان (الصور من المصدر)

تحويل الأحلام إلى حقيقة
وشارك سعادة السفير محمد محمود آل خاجة سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى دولة إسرائيل، بكلمة وجهها للحضور وأيضاً الطلاب ممن يتابعون الفعالية، قال فيها: «يسعدني أن ألتقي بكم جميعاً اليوم في ندوة تحتفل بقدرتنا على تبادل الأفكار وإيصال ما نتخيله لمستقبل مجتمعاتنا». وأضاف: «من خلال الدبلوماسية والحوار المفتوح  تمت الإشارة إلى الاتفاقيات الإبراهيمية لأول مرة من خلال العمل وتمكنا من الالتقاء واستكشاف كيفية تعزيز تعاوننا. وأشار الخاجة إلى أن هناك المئات من الفرص التي تمخضت عنها الاتفاقات. لكننا نملك الأدوات التي تحول الأحلام إلى حقيقة. إن مسؤوليتنا الجماعية هي تفعيل الوسائل اللازمة لتعزيز آفاق التعاون وتعزيز مبادرات التسامح والتنمية والسلام. لقد احتفلنا في سبتمبر بالذكرى السنوية الأولى لتوقيع هذه الاتفاقات. وفي غضون عام واحد فقط، تمكنا من تحقيق نتائج عظيمة في علاقاتنا الثنائية. من خلال أكثر من 60 اتفاقية ومذكرة تفاهم موقعة بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، نحن في الطليعة لتبادل الخبرات في مجالات الثقافة والصحة والفضاء والعلوم والازدهار الاقتصادي والأمن وتغير المناخ والطاقة المتجددة والتعليم.
وأشار آل  الخاجة إلى أنه على الرغم من القيود الناجمة عن فيروس كورونا، سعدنا باستقبال أكثر من200 ألف إسرائيلي يزورون الإمارات. وأضاف: سارع شعبنا إلى الانخراط بروح الانفتاح والتأثير الإيجابي. ومع اتفاقية الممر الأخضر التي تم توقيعها يوم الأحد الماضي فقط، يسعدنا أن يتمكن الإماراتيون من اختيار واحدة من أول سبع رحلات أسبوعياً إلى إسرائيل، ويحتاجون فقط إلى ساعتين ونصف الساعة للوصول إلى ساحل تل أبيب الجميل. ومع بلوغ التجارة الثنائية أكثر من 2.16 مليار شيكل إسرائيلي حتى الآن، نعتقد أنه إذا تعاونا معاً بذكاء، فإن هذا الرقم يمكن أن ينمو عشرة أضعاف في السنوات القادمة.  وواصل الخاجة كلمته: لطالما كان التعليم أحد أولويات دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو كذلك بالنسبة لنا. ومهمتنا هي إعطاء زخم إيجابي لاتفاقات إبراهام في الواقع لشباب المنطقة الذين لديهم شهية لمستقبل متفائل مليء بالفرص التعليمية والاقتصادية والوظيفية. إنه جيل ارتقى إلى مستوى التحديات بعزيمة واستطاع أن يتجاوز حدود العلم والابتكار لخلق مناخ أكثر أماناً ونظافة وأفضل لأطفالنا وأحفادنا، إن شاء الله.

التعليم وتنويع الاقتصاد
وقال آل الخاجة: مع الوقوف هنا في جامعة تل أبيب، مركز التعلم وخلق رأس المال البشري، أؤكد أن التعليم هو الذي سيساعد على تنويع اقتصاداتنا والمنافسة في السوق العالمية. إننا قادرون على التركيز على الاستعداد بشكل أفضل من أجل المستقبل. نشجع الإبداع والتعاون في التعليم في ضوء أوجه الشبه بين إسرائيل والإمارات. وأضاف: مع انصهار الثقافتين، أطلب منكم أن تكونوا طلاباً ديناميكيين يتبنون المعرفة ويدافعون عن الأفكار التي ستؤثر بشكل إيجابي على مجتمعاتنا. عليكم باستغلال اتفاقات  الإبراهيمية  كمنصة لتغذية دوافعكم للتعامل مع التحديات النبيلة. 

تحديات البحث العلمي
وانتقلت الكلمة إلى ميليت شامير نائب رئيس جامعة تل أبيب للشؤون الأكاديمية الدولية، حيث أشارت إلى أن جامعة تل أبيب لديها سمات مشتركة مع مركز «تريندز» فكلاهما يواجه تحديات في مجال البحوث، وأشارت إلى أن لدى جامعة تل أبيب شركاء استراتيجيين في الولايات المتحدة والصين والهند، الآن وبعد الاتفاق الإبراهيمي أصبحت لدينا فرص للشراكة والتعاون مع الإمارات في مجالات البحث العلمي.   وأشارت إلى أن مجالات مهمة للتعاون العلمي مثل المياه والذكاء الاصطناعي والأمن الغذائي والأمن السيبراني. ولدى الإمارات وإسرائيل تعاون في مجال بحوث المياه وكبار السن ومدى إمكانية تطويع التكنولوجيا لخدمة المسنين.

  • محمد العلي أثناء الكلمة الافتتاحية

ثمار الاتفاق الإبراهيمي
أكد «العلي» أن مشاركة «تريندز» في رحاب جامعة تل أبيب تجسيد واضح لثمار الاتفاق الإبراهيمي الذي رسم ملامح جديدة لمستقبل شرق أوسط أكثر رغبة في تحقيق السلام والاستقرار عبر التعاون والحوار البناء. وأشار العلي إلى أن من نتائج شراكة «تريندز» المهمة مع مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة تل أبيب، تنظيم هذه الندوة المهمة التي نشارك فيها اليوم تحت عنوان: «الاتفاق الإبراهيمي: فرص تعزيز التعاون والتسامح والتنمية في المنطقة»، والتي يأتي انعقادها بعد مرور عام كامل على توقيع هذا الاتفاق المهم، شهدنا خلاله بعضاً من الجوانب الإيجابية التي يمكن أن يجنيها الطرفان من خلال تعزيز فرص السلام والحوار البناء.
وأعرب العلي عن سعادته بالمشاركة الفاعلة من قبل شريكنا الإعلامي الاستراتيجي، صحيفة «الاتحاد»، فرئيس تحريرها حمد الكعبي حرص على المشاركة في رحلة تهدف لتأكيد حرصنا وسعينا إلى بناء سلام مستدام قائم على أسس قوية من التفاهم والتعايش المشترك وضمان الحقوق المشروعة لكل الأطراف. 
وأكد العلي أن الاتفاق الإبراهيمي، الذي بدأ بتوقيع معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل في سبتمبر 2020 قبل أن يلتحق بها كل من البحرين والسودان والمغرب، واحداً من أهم التحولات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط منذ عقود، ليس فقط لأنه يمثل اختراقاً في جدار جمود مسار التسوية السلمية بين الجانبين العربي والإسرائيلي، وإنما أيضاً لأنه يؤسس لعهد جديد من التعاون البناء الذي يستجيب لتطلعات جميع شعوب المنطقة في الأمن والتنمية والازدهار.

تجربة «الاتحاد»
كان الإعلام ولا يزال سنداً وداعماً لخطوات كبرى اتخذتها الإمارات تجاه العالم، خاصة في عام التسامح 2019، وتحديداً في وثيقة «الأخوة الإنسانية»، وفي «مبادرة البيت الإبراهيمي»، وعبر مبادرات أخرى بتدشين مؤسسات رائدة كـ«المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة» و«منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» و«مجلس حكماء المسلمين». وعلى صعيد تجرية «الاتحاد»، فإنها اتخذت خطوات عملية نحو تعزيز التسامح، حيث رافقت الصحيفة في فبراير عام 2019 رحلة قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية لدى عودته من الإمارات إلى حاضرة الفاتيكان، بعد توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية. وكانت «الاتحاد» حاضرة أثناء توقيع اتفاق السلام الإبراهيمي في العاصمة الأميركية واشنطن. ونشرت الصحيفة في عددها يوم 15 سبتمبر 2020 مقالاً لرئيس تحرير«يديعوت أحرونوت» عن السلام، في بادرة هي الأولى من نوعها في صحافة الإمارات، وبالتزامن مع الحدث التاريخي نشرت «يديعوت أحرونوت» مقالاً لرئيس تحرير «الاتحاد» في اليوم نفسه عن السلام أيضاً. وشاركت «الاتحاد» قبل عام من الآن في ندوة عن السلام بالتعاون مع «يديعوت أحرونوت»، وتبادلت «الاتحاد» النشر مع صحيفة «إسرائيل هيوم».

  • إليازية الحوسني وكيسينيا سفيتلوفا وبول ريفلين خلال الجلسة الثالثة

الثقافة وتعزيز التسامح 
أكد محمد خلفان الصوافي، في مداخلته بالجلسة الأولى، أن المنطقة شهدت بقيادة دولة الإمارات العديد من التطورات الثقافية التي أدت إلى طرح رؤية جديدة في فهم الآخر، وبالتالي التخفيف من التوترات الدينية والطائفية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مثل اتفاقيتي: الأخوة الإنسانية التي عقدت في 2019، والاتفاقية الإبراهيمية مع دولة إسرائيل في عام 2020.  وأضاف الصوافي: في حين قادت الاتفاقية الإبراهيمية الإماراتية- الإسرائيلية إلى عددٍ من اتفاقيات مع دول عربية أخرى، فإنها سجلت مرحلة جديدة في منهج تفكير صناع القرار السياسي في المنطقة في كيفية معالجة الخلافات والأزمات بين دول المنطقة، وذلك من خلال الاستناد المقاربة الثقافية.
وأشار الصوافي إلى أنه رغم اختلاف الثقافات، فإن هذا يشكل حضارة إنسانية مشتركة من خلال تغيير التصورات الذهنية التي تحتفظ بها الذاكرة التاريخية لكل طرف عن الآخر وأدت إلى زيادة الفجوة بين الطرفين وعمقت الاختلاف. تعد التحركات الإنسانية الإماراتية الخارجية التي تتناسب مع مبدأها الأساسي منذ تأسيسها قبل خمسين عاماً، مفتاحاً دبلوماسياً ناجحاً لخلق حوار بين السياسيين، وبالتالي تحسين التفاهم بين الشعوب، من أجل تطوير خطط التنمية وتنويع الاقتصاديات للوصول إلى الهدف النهائي، وهو: معالجة أزمات المنطقة وتحقيق العيش المشترك. 

التوعية بالسلام
حول «دور الإعلام في تعزيز السلام والأخوّة الإنسانية»، ركزت الجلسة الثانية على  أهمية صناعة الوعي، وتكلم حمد الكعبي
رئيس تحرير «الاتحاد»، مؤكداً أن الاتفاقات الإبراهيمية نقلة نوعية في طبيعة العلاقات بين دول منطقة الشرق الأوسط، وخطوة تاريخية أقدمت عليها الإمارات بوعي كبير ورؤية تتطلع لمستقبل أفضل يسوده الحوار والتعايش والتعاون.
وقال الكعبي:  رصدنا التسامح نهجاً وسلوكاً، وأيضاً محوراً أصيلاً في سياسة الإمارات، حيث استطاعت تفعيله على أرض الواقع، في قوانينها ورؤيتها تجاه شعبها ومنطقتها والعالم كله، وأضاف: إن رؤية الإمارات للسلام والتسامح تتأكد بمبادرات خلاقة، تتوالى منذ تأسيس الدولة، وتترسخ جيلاً بعد جيلاً..
الإعلام- حسب الكعبي-  يتفاعل دوماً مع محيطه وبيئته، فهو مرآة لمجتمعه، ومن هنا تأتي أهميته، في احتضان كل ما هو إيجابي، وتبصير الرأي العام بتفاصيل الواقع بكل أبعاده، والمساهمة في تنشئة أجيال تتجه نحو المستقبل بروح التعاون الإنساني وطي الصراعات وبناء توافقات من أجل مواجهة التحديات المشتركة.
 السلام قيمة كبرى دعت إليها الديانات الإبراهيمية الثلاث، من أجل التعاون وعمارة الأرض وصلاح الكون، وهذه القيمة تحتاج إلى خطاب إعلامي يروّج لها ويدشن جيلاً مؤمناً بالسلام والتعايش، وذلك انطلاقاً من رسالة الإعلام ودوره في بناء الجسور والتلاقي بين البشر، وبث الأمل بين الشعوب وتغليب المصالح المشتركة على النعرات الدينية والمذهبية والعرقية. وأكد الكعبي: لدينا إدراك ووعي بأهمية الترويج لثقافة السلام، انطلاقاً من إيماننا بمحورية دور الإعلام في التصدي أولاً لخطاب الكراهية، والتركيز على بناء أجواء الثقة والحوار والتواصل مع الآخر، بمنظور إنساني، يرتكز على التعاون والتلاقي لا الصراع والتناحر. 

السلام الدائم والمستدام يمر من خلال التعاون وبناء الشراكات 
تحت عنوان «دور الثقافة في تعزيز قيم التسامح والحوار»، سلطت مداخلات الجلسة الثانية على دور البعد الثقافي في بناء السلام، وأدار الجلسة أوزي رابي مدير مركز موشيه ديان للدراسات الشرق أوسطية والأفريقية، وأشار إلى أصداء الاتفاق الإبراهيمي، خاصة أنه عزز حضور مصطلحات جديدة مثل التعايش السلمي والتغيير الفكري. 
وانتقلت الكلمة إلى الدكتورة ليورا هندلمان بافو، مدير مركز«التحالف للدراسات الإيرانية» بجامعة تل أبيب، واستنتجت أن العلاقات بين إيران وإسرائيل ترتبط بأحداث رئيسة في التاريخ الإيراني اليهودي والتي لها آثار ذات صلة بالحاضر والمجتمع اليهودي الذي يقيم في إسرائيل حتى يومنا هذا. يمكن لهذه الروابط التاريخية والثقافية أن تكون بمثابة لبنات بناء في التغلب على الانقسامات المعاصرة بين شعبي هاتين الدولتين العريقتين، عاجلاً وليس آجلاً بمساعدة أصدقائنا في الإمارات العربية المتحدة.

صناعة السلام 
وأشار حمد الكعبي رئيس تحرير «الاتحاد»، إلى أنه في 13 أغسطس عام 2020، حيث تم الإعلان عن اتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل، وما تلاه من التوقيع على معاهدة السلام بين البلدين في واشنطن يوم 15 سبتمبر 2020، واكبت صحيفة «الاتحاد» الخطوة التاريخية لدولة الإمارات، التي رسخّت من خلالها مكانتها في الإقليم كصانعة سلام، بروح إيجابية، تؤسس لواقع جديد، عنوانه التعاون لمواجهة تحديات تنموية مشتركة في الزراعة والمياه والعلوم المتقدمة والطاقة والمناخ.

مكاسب السلام 
ويناشد  الكعبي وسائل الإعلام في البلدين أن ترصد مكاسب السلام وما تحقق من خطوات عملية، فبعد مرور ما يزيد على عام من توقيع اتفاق السلام الإبراهيمي أبرمت الإمارات 60 اتفاقاً مع دولة إسرائيل للتعاون في مجالات حيوية، تشمل التبادل التجاري وقطاعات واعدة كالذكاء الاصطناعي والسياحة والقطاع اللوجستي والنقل والرعاية الصحية والطاقة والبيئة والبحث، والتطوير والزراعة الحديثة والري. 
واختتم الكعبي مداخلته، قائلاً: اتفاق السلام الإبراهيمي دشّن مرحلة جديدة من التعايش في المنطقة، ضمن خطوة تلتها خطوات إيجابية من البحرين والسودان والمملكة المغربية، عنوانها التطلع إلى المستقبل بروح جدية ملؤها التسامح والسلام.

«المسودة الأولى للتاريخ»
وشارك «نطع ليفنة» رئيس تحرير صحيفة «يديعوت أحرونوت» بمداخلة بالجلسة الثانية، استهلها بالقول: صديقي العزيز حمد الكعبي، رئيس تحرير جريدة الاتحاد، أعزائي الحضور: إنه لشرف عظيم لي، أن أتحدث إليكم هنا اليوم في هذه الندوة الفريدة، التي بات انعقادها الآن ممكناً من خلال اتفاقية السلام الموقعة بين الإمارات وإسرائيل قبل عام. وأكد «ليفنة» أن وسائل الإعلام لعبت دوراً رئيسياً في تسهيل اتفاق السلام بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل. وأضاف: الصحافة هي التي تربط بين بلدينا. والصحافة مكنتني، بصفتي رئيس تحرير إحدى الصحف الإسرائيلية الرائدة، من كتابة مقال موجه للجمهور في الإمارات وأن أنخرط معهم بشكل مباشر. والصحافة هي التي مكنت حمد الكعبي من كتابة مقال نُشر في الوقت نفسه في «يديعوت أحرونوت» والتواصل مع الجمهور الإسرائيلي.
وقبل عام، كان التفكير في وجود إسرائيلي يحتسي فنجاناً من القهوة في دبي ويقرأ صحيفة «الاتحاد»، أو وجود إماراتي جالساً في تل أبيب ويقرأ صحيفة «يديعوت أحرونوت» تبدو وكأنها حلم بعيد المنال. وها هي الأحلام قد تحققت.

  • أوزي رابي أثناء الجلسة الثانية ومحمد الصوافي وليورا هاندلمان

ثورة «وسائل التواصل» 
وانتقلت الكلمة إلى «نير بومز» زميل باحث بمركز موشيه ديان للدراسات الشرق أوسطية والأفريقية»، مشيراً إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي بدأت تصعد بقوة منذ عام 2009، وآنذاك كانت المنصات محدودة، وأبرزها خاصة فيسبوك، التي أصبحت مصدراً للأخبار. نشهد الآن ما يمكن تسميته - حسب بومز- ثورة في وسائل التواصل الاجتماعي وليس ثورة وسائل الإعلام. ولفت الانتباه إلى ظاهرة «داعش» التي تحركت في الفضاء الإلكتروني، ودعا إلى إعادة وضع إطار جديد للإعلام ليكون أكثر قدرة على لعب دور في مواجهة التحديات، هناك التغير المناخي - الراديكالية أزمة المياه، الأزمة الاقتصادية ومشكلات بيئية واجتماعية مثل البطالة.

التعاون التنموي 
وفي الجلسة الثالثة المعنونة بـ«آفاق التعاون في التنمية والتكنولوجيا»، أكدت اليازية الحوسني رئيسة قسم الإعلام في «تريندر» أن  دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أكثر الدول سلماً وتطوراً وتنوعاً في المنطقة. ولدى اليازية قناعة بأن توقيع اتفاق السلام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل لأي مراقب جاد لسياسات الإمارات لن يكون مفاجأة. الاتفاقية هي نتيجة طبيعية لنهج دولة الإمارات في التسامح والاعتدال وقبول الآخر بغض النظر عن الدين أو العرق أو الأيديولوجية.
ونوّهت «الحوسني» إلى أنه لإضفاء الطابع المؤسسي على شراكتهما التنموية، أبرمت الحكومتان الإماراتية والإسرائيلية العديد من الاتفاقيات التجارية الرائدة وصفقات التعاون الاقتصادي. على سبيل المثال، وقع الطرفان اتفاقية شاملة بشأن التعاون الاقتصادي والتجاري، في يونيو 2021، تشمل التدفق الحر للسلع والخدمات، وكذلك التعاون فيما يتعلق بالمعارض التجارية، وتبادل الخبراء والمعرفة، وتشجيع تعاون القطاع الخاص، وتشجيع البحث والتطوير، والتقنيات الزراعية وغيرها.

التعاون العلمي
وانتقلت الكلمة إلى كسينيا سفيتلوفا، عضو سابق في الكنيست، مديرة قسم العلاقات بين إسرائيل ودول الشرق الأوسط في المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية، حيث أكدت أن الاتفاق الإبراهيمي خطوة تاريخية لم تأخذ ما يكفي من الاهتمام. 
وأكدت سفيتلوفا أهمية التعاون في مجال البحث العلمي بين الإمارات وإسرائيل، ودعت للاهتمام بالتعاون البحثي والحرص على النشر في الدوريات الصادرة من جامعات عالمية مرموقة، فالتعاون العلمي يعود بالفائدة في الشرق الأوسط. ولدى «سفيتلوفا» قناعة بأهمية التعاون التكنولوجي والعلمي والأكاديمي بين الإمارات وإسرائيل، فالبلدان يسعيان إلى التفوق وترك بصمة مميزة، سواء من خلال وضع إجراءات طبية تنقذ أرواح البشر أو إرسال بعثة إلى المريخ. وأشارت «سفيتلوفا» إلى أن العوامل المشتركة تشكل أرضية للتعاون العلمي والأكاديمي بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة ما يضفي أهمية استراتيجية كبيرة للتعاون بين البلدين.

تفوق في الابتكار
وعن آفاق التعاون والتنمية في أعقاب توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية، جاءت مداخلة «بول ريفلين»، الباحث بمركز موشيه ديان للدراسات الشرق أوسطية والأفريقية بجامعة تل أبيب، ليوضح خلالها أن مؤشر الابتكار العالمي يخبرنا بأن الإمارات تتبوأ باستمرار مكانة أعلى من إسرائيل من حيث مؤسساتها وبيئتها السياسية والتنظيمية وبناها التحتية. وتبلي إسرائيل بلاء حسناً على صعيد الابتكار والبحوث والتنمية وريادة الأعمال والإنتاج القائم على التكنولوجيا المتطورة. وتتطلع الإمارات مساهمة أكبر على صعيد النواتج المعرفية والتكنولوجية. ويعني ذلك وجود أوجه تكامل بين هذين الاقتصادين يمكن أن تشكل أساساً للتجارة والاستثمار.

خلاصات الختام 
وخلصت المداخلات إلى استنتاجات من أهمها: بناء أسس السلام الدائم والمستدام يمر بالتأكيد من خلال تعزيز علاقات التعاون المشترك وبناء الشراكات القوية التي تستند إلى قيم التسامح والحوار والتعايش البناء، وتحفظ في الوقت نفسه حقوق جميع الأطراف. ومن هنا كان التركيز على طرح الأفكار والتصورات التي تستهدف تعزيز دور الثقافة والحوار الثقافي كمدخل لفهم كل طرف للآخر.
محورية دور الإعلام في التصدي لخطاب الكراهية، والتركيز على بناء أجواء الثقة والحوار والتواصل  بمنظور إنساني، وتعرفنا إلى كيفية بناء زخم إعلامي إيجابي عبر المنصات المختلفة بما يخدم مشروع بناء السلام في الشرق الأوسط، والمساهمة في تنشئة أجيال تتجه نحو المستقبل بروح التعاون الإنساني.  التعاون في التنمية والتكنولوجيا يعزز التكامل الاقتصادي، ويشكل أساساً صلباً للعمل المشترك. وضرورة التعاون التكنولوجي والعلمي والأكاديمي.

التكنولوجيا النظيفة
أشارت اليازية الحوسني إلى أن مشاركة إسرائيل في «إكسبو 2020 دبي» مهمة للغاية، فرصة فريدة لتعميق وتطوير التعاون التجاري والدبلوماسي والسياحي والثقافي بين إسرائيل والإمارات.
البلدان - حسب «الحوسني» رائدان في مجال التكنولوجيا النظيفة الناشئة، حيث تحتل إسرائيل المرتبة الثانية في أحدث مؤشر عالمي للابتكار في مجال التكنولوجيا النظيفة، وتتصدر الإمارات المرتبة الأولى عالمياً في مجال الطاقة المتجددة. وتتفاءل الحوسني بأن الشراكة الإماراتية الإسرائيلية لديها القدرة على بناء شرق أوسط أكثر خضرة، عبر شراكة تستند إلى القدرات التكنولوجية لإسرائيل والتقدم الإماراتي الرائد عالمياً في الحياة الحضرية المستدامة.
واختتمت اليازية الحوسني مداخلتها بتأكيد أن الاتفاق الإبراهيمي يعزز التعاون التكنولوجي بين الإمارات وإسرائيل والتنمية الاقتصادية في البلدين. والأهم من ذلك، يمكن للشراكة الإماراتية الإسرائيلية أن تلعب دوراً رئيسياً في دفع عجلة التنمية التكنولوجية والمستدامة في عموم الشرق الأوسط.