منى الحمودي (أبوظبي) 

أكدت الدكتورة عائشة محمد، نائب الرئيس للبحث والتطوير في شركة «جي 42 للرعاية الصحية» و«مركز أوميكس للتميز» والبنك الحيوي، أن مشروع الجينوم الإماراتي يعد أحد أكثر برامج الجينوم شمولية حول العالم الهادفة لتغيير مفهوم الصحة باستخدام تقنيات الجينوم والذكاء الاصطناعي.
وأوضحت أن التوجه الحالي في علاج السرطان هو علاج جيني لأنواع معينة من السرطان، والذي يعد المسبب الأول للوفيات في الدولة. ويعد سرطان الرئة ثاني أكثر أنواع السرطان انتشاراً، والذي يبدأ عادة من الخلايا الموجودة داخل الرئة، وتنتشر على شكل أورام تنتقل لمناطق أخرى داخل الجسم وبالتالي يصعب علاجه. مشيرةً إلى أن عدد الناجين من سرطان الرئة حول العالم قليل ولا يتجاوز 5 %، وتم خلال عام 2020 تشخيص مليون حالة به.
وقالت: «تعد نسبة الإصابة بسرطان الرئة في دولة الإمارات أعلى من باقي أنواع السرطان خاصة عند فئة الذكور، وتعد سمة انتقاله للدماغ من أخطر السمات، لذلك نرى أن معدل الوفيات عالٍ لدى المصابين بسرطان الرئة».
وحول أسباب الإصابة بسرطان الرئة، أوضحت الدكتورة عائشة أن سرطان الرئة لا يعد مرضاً جينياً، وقد يصاب به الشخص بناءً على نمط الحياة المتبع والتدخين، حيث تلعب العوامل البيئية دور المحفز والمسرع للإصابة به. بينما تبلغ نسبة الإصابة به وراثياً 8%، حيث إن العوامل الوراثية تؤثر على الأشخاص الذين لديهم استعداد للإصابة.

دور الجينوم الإماراتي
أشارت الدكتورة عائشة محمد إلى أن برنامج الجينوم الإماراتي يعد مبادرة رائدة وواحدة من أكبر وأشمل برامج الجينوم السكاني على مستوى العالم، والذي يهدف لفهم الجينوم لمواطني الإمارات باعتباره مرجعاً لقاعدة البيانات الجينية، والتي سيتم دمج مخرجاتها مع إدارة الرعاية الصحية. كما يساهم برنامج الجينوم الإماراتي في ترسيخ مكانة دولة الإمارات كمركز لأبحاث وابتكارات علم الجينوم.
وذكرت أن برنامج «الجينوم الإماراتي» سيؤدي دوراً هاماً في فهم أنواع السرطان وأسبابه وآلياته الخاصة لدى المواطنين، وذلك عن طريق البيانات التي سينتجها البرنامج، والتي سوف توضح خريطة السرطان والتحورات الموجودة في السرطان بالدولة، وبالتالي يساعد ذلك في تحديد وقياس الطفرات في الأجيال.
وقالت: «توصلنا إلى أن هناك العديد من السرطانات لها توقعات وراثية وتحورات وراثة محدودة، حيث يوفر تسلسل الجينوم مرجعاً شاملاً لاختيار الأدوية الأكثر فعالية للمرضى بسبب أن التحورات الوراثية تعتبر مختلفة من شخص لآخر».
وأضافت: «يمثل برنامج الجينوم الإماراتي أول خطوة أساسية لتحديد الطب الشخصي في الإمارات، أي تصميم برنامج علاجي لكل مواطن بناءً على احتياجه، وذلك بتجربة الدواء على الجينوم بدلاً من المريض وبالتالي لا يتأثر المريض، بل يحصل على علاج فعال تمت تجربته».

المشاركة تطوعية
أوضحت الدكتورة عائشة محمد أن المشاركة في برنامج الجينوم مفتوحة لجميع الإماراتيين، ويتطلب المشاركة بعينة من الدم أو مسحة من باطن الخد للأطفال. مؤكدةً على أن المشاركة تطوعية، ويتم إخفاء الهويات، وجميع المعلومات تعتبر سرية ومحمية بقوانين الخصوصية الفردية المتبعة في دولة الإمارات، ويتم تشفيرها ولا يمكن مشاركة بيانات الشخص مع أي أحد.

تأثير مشروع الجينوم
من جهته، أوضح الدكتور أنور سلام، المدير التنفيذي للشؤون الطبية في مجموعة «صحة»، أن تقارير وزارة الصحة ووقاية المجتمع تشير إلى أن سرطان الرئة تسبب بنسبة 8.7% من الوفيات في أبوظبي في عام 2017.
وقال: أعتقد أننا قطعنا خطوات كبيرة منذ ذلك الحين، من خلال الموافقات الأخيرة الصادرة على استخدام أدوية علاج سرطان الرئة. وفي الواقع، تعتبر الإمارات العربية المتحدة ثاني دولة في العالم تعتمد دواء «لوماكراس» Lumakras الجديد لعلاج سرطان الرئة، والذي يوصف للمرضى البالغين المصابين بسرطان الرئة المتقدم.
وأضاف: «قطعت دولة الإمارات والجهات المعنية بقطاع الرعاية الصحية خطوات ملحوظة في مجال الصحة الوقائية، إلى جانب ما توفره من خدمات الرعاية الصحية الممتازة ذات المستوى العالمي، وعززت جهودها في التوعية الهادفة إلى تثقيف المجتمع حول أهمية تبني أنماط الحياة الصحية، وتشجيعهم على ترك العادات السيئة التي تتسبب بظهور حالات مرضية صعبة، مثل سرطان الرئة، بما في ذلك الإقلاع عن التدخين».

وتابع: «أثبتت برامج الإقلاع عن التدخين نجاحها في البلاد. وعلى سبيل المثال، قدم برنامج الإقلاع عن التدخين التابع لشركة «صحة» مساعدته لأكثر من 4300 شخص خلال سعيهم للإقلاع عن التدخين منذ بداية عام 2019 وحتى يونيو 2020، وتراوحت معدلات نجاح «صحة» بين المسجلين في البرنامج في الآونة الأخيرة بين 55 و60 في المائة، أي ضعف المعدل العالمي البالغ 30%». وحول دور صحة في مشروع الجينوم الإماراتي في إدارة سرطان الرئة وعلاجه، ذكر الدكتور أنور سلام، أن شركة «صحة» تشارك مع دائرة الصحة في أبوظبي، وشركة «جي 42 للرعاية الصحية» في رؤيتها نحو نظام رعاية صحية شامل وأكثر تخصيصاً في دولة الإمارات، بما سيحسن إلى حدّ كبير من قدرات الوقاية من الأمراض في الظروف الفريدة التي يواجهها مجتمعنا اليوم، ويشمل ذلك سرطان الرئة الذي يُصنف ضمن أكثر 5 أنواع من السرطان يتم تشخيصها بشكل متكرر في المنطقة.
ولفت إلى أن مبادرة الجينوم الإماراتي تهدف إلى تسريع التشخيص والعلاج. وتساهم «صحة» عبر إدخال منصّات جمع العينات في منشآتها، لتشجيع جميع المرضى والزائرين على المشاركة في المبادرة التي شهدت بالفعل مستوى كبيراً من الإقبال لدى الموظفين المواطنين في شبكة «صحة».
وأكد تطلع «صحة» إلى مواصلة العمل مع دائرة الصحة و«جي 42 للرعاية الصحية» سعياً للارتقاء نحو آفاق جديدة في تطبيقات علوم الجينوم الوراثي، والمساهمة في تشكيل مستقبل الرعاية الصحية وتحوّل أساليب توفير الرعاية الصحية وتطويرها لخدمة الأجيال القادمة في دولة الإمارات.
 
أنواع البحوث 
سيتم استخدام عينة الدم الخاصة بالمتطوع في برنامج الجينوم الإماراتي لوضع خارطة الجينوم المرجعي لمواطني دولة الإمارات، وسيقوم البرنامج بدراسة جينات المواطنين في جميع أنحاء الإمارات عبر استخدام أحدث تقنيات تسلسل الحمض النووي، والاستفادة أيضاً من القوة التحليلية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ليتم الاستفادة من النتائج في تطوير علاجات وفحوص جديدة لمواطني دولة الإمارات.

سرية المعلومات
من أولويات برنامج الجينوم الإماراتي الحفاظ على خصوصية مشاركتك ومعلوماتك في هذا البرنامج، حيث ستتم إزالة جميع البيانات الشخصية الخاصة بالمتطوع في البرنامج (الاسم، تاريخ الميلاد، الصور الشخصية، رقم الهوية أو أي بيانات يمكنها أن تحدد هوية الشخص المشارك في هذا البرنامج)، ولن ُيسمح باستخدام بيانات المتطوع لأغراض التسويق أو التأمين. وسيتم تخزين البيانات التي سيتم الحصول عليها من عينة المتطوع في شركة جي 42 للرعاية الصحية بما يتماشى مع قوانين الخصوصية والأمان الصارمة للبيانات الخاصة بك، وستكون محمية من قبل قوانين الحماية الشخصية المتبعة في الدولة، ولن يتم تقديم معلومات تحدد هوية المتطوع لأي شخص بدون إذنه، باستثناء ما يقتضيه القانون، كما سيتم إزالة اسم المتطوع وأي معلومات أخرى يمكن أن تحدد هويته مباشرة من نموذج البيانات والنماذج الأخرى.
وسيحتفظ مركز أبحاث الجينوم في شركة جي 42 بالمتبقي من مستخلص الحمض النووي في مجمدات مغلقة ومبان آمنة، وسيتم استخدام إجراءات أمان البيانات المتطورة لحماية جميع المعلومات الصحية والبيانات البحثية. كما لن يتمكن الباحثون في هذا البرنامج من الحصول على بيانات شخصية خاصة بالمتطوع، حيث سيتم فقط إعطاؤهم رقم الرمز الخاص بالبرنامج وليس إي معلومات تحدد هوية المتطوع المباشرة.

عائشة محمد.. سجل حافل
تهتم الدكتورة عائشة محمد نائب الرئيس للبحث والتطوير في شركة «جي 42 للرعاية الصحية»، ومركز أوميكس للتميز والبنك الحيوي بإيجاد الآلية الفعالة لربط المعلومات الجينية بتسلسل الجينوم المرجعي للمواطنين الإماراتيين، كما تعمل على مناقشة الاتفاقيات مع القطاعات المعنية والجهات الحكومية والمؤسسات الأكاديمية لإقامة علاقات الشراكة والتعاون في الميادين البحثية. وإضافة لذلك، تتضمن مسؤولياتها إدارة سياسات البحوث والتطوير والأهداف والمبادرات في الشركة، علاوةً على توظيف أعضاء فريق تطوير وبحوث الجينوم وتحديد مسؤولياتهم.
قبل انضمامها لشركة «جي 42 للرعاية الصحية»، شغلت الدكتورة عائشة منصب الأستاذ المساعد في قسم الهندسة الطبية الحيوية وقسم الهندسة الكيميائية في جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، حيث كانت الباحثة الرئيسية في مختبر الجينوم التطبيقي، وساهمت في تطوير مختبر الأبحاث الجينية المتقدم، وشاركت بكفاءة عالية ضمن فرق البحث والتطوير، حيث تم رصد وبحث مجالات التطوير الممكنة، لا سيما ضمن خدمات الدعم الدراسي.
تحمل الدكتورة عائشة شهادة الدكتوراه في البيولوجيا الجزيئية والمعلوماتية الحيوية من جامعة كامبريدج. وتتمتع بسجل حافل بالإنجازات، بما يشمل فوزها بجائزة الإمارات للريادة (2018)، وجائزة راشد للتفوق العلمي (2016).

رعاية صحية متميزة 
يهدف مشروع الجينوم الاماراتي لوضع خارطة جينية للأفراد ودمجها مع البيانات الصحية بهدف تقديم رعاية صحية متميزة للمواطنين اعتماداً على نتائج فحص التسلسل الجيني لمواطني دولة الإمارات.
ويعتبر المشروع الأحدث من نوعه في المنطقة، حيث سيتم استعمال أحدث التقنيات في مجال دراسة وتحليل الجينوم البشري وبدقة وجودة عالية، وذلك بالتعاون مع شركات عالمية رائدة في مجال دراسة وتحليل الجينوم في العالم، كما سيتم توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي للاستفادة من نتائج هذا البرنامج لتقديم رعاية صحية متميزة واستشراف المستقبل الصحي لمواطني دولة الإمارات.
ومن المتوقع أن يقوم البرنامج بإثراء البيانات الحالية من خلال إنتاج الجينات المرجعية المحددة للمواطنين ودفع الاكتشافات العلمية على نطاق واسع. كما يهدف برنامج الجينوم لتطوير الإدارة الصحية، ورقم إرساء مكانة أبوظبي كمركز للبحوث والابتكار في مجال الجينوم.
يعتمد البرنامج على نقاط القوة والمبادرات الاستراتيجية الفريدة من نوعها في دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك من منطلق حرص قيادتنا الرشيدة على الارتقاء بالرعاية الصحية المقدمة للمواطنين. ومن المتوقع أن يحقق البرنامج انجازات مهمة وجديدة في قطاع الرعاية الصحية.

حميد الشامسي: علاجات جديدة عبر الهندسة الوراثية
أكد البروفيسور حميد الشامسي رئيس جمعية الإمارات للأورام، أن مشاريع الجينوم البشري بشكل عام لها فوائد طبية كثيرة يمكن تلخيصها في مجالات عدة، منها تطوير الأدوية وصنعها وابتكار علاجات جديدة، عن طريق الهندسة الوراثية. ويعتبر مشروع الجينوم الإماراتي بداية لحقبة جديدة من الطب الشخصي، حيث يميل الأفراد للاستجابة بصورة مختلفة تماماً للأدوية التي يصفها لهم الأطباء، وأن 50% من الأشخاص الذين يتناولون دواءً معيناً سيجدون إما أنه غير مؤثر، أو أنهم سيتعرضون لتأثيرات جانبية غير مرغوبة، وهنا ستساهم المعلومات التي يقدمها الجينوم في تلافي كل هذه الجوانب بل وابتكار أنواع جديدة من الأدوية تقاوم الأمراض.
وأوضح أن المعلومات التي يقدمها الجينوم، تستخدم في مجال الطب الجزيئي الذي يهدف إلي تحسين تشخيص الأمراض، والاكتشاف المبكر لقابلية لإصابة بالأمراض الوراثية، وتصميم الأدوية بصورة أكثر ملاءمة، والمعالجة بالجينات وأنظمة التحكم عبر الأدوية، وابتكار أدوية موجهه تستهدف أمراضاً وراثية بعينها، حيث يساهم الجينوم في اكتشاف أماكن الجينات المسببة للأمراض الوراثية، مما يساهم في حل المشكلات الصحية الناجمة عن حدوث الطفرات في التركيبة الوراثية للشخص، كما يمكن للجينوم معرفة الخلل الموجود في الجينات وتصحيحه واستخدام جينات صحيحة بدلاً منها، عن طريق تحليل الجينوم البشري يعلم الشخص إذا كان هناك احتمالية لإصابته بمرض في المستقبل، ويعمل على تفادي الإصابة بما يعكس أهمية تطور منظومة الطب الوقائي في القطاع الصحي.
وقال: «نفتخر فيما حققته دولتنا من إنجازات ونجاحات في مختلف القطاعات، وعلى رأسها القطاع الصحي الذي يشهد نقلة عالمية، حيث يعكس برنامج الجينوم الإماراتي الذي تم إتاحة فحوصاته منذ بداية العالم الحالي في المنشآت الصحية بالدولة، بهدف توفير المزيد من نظم الرعاية الصحية المصممة خصيصاً لمواكبة الاحتياجات الصحية للمواطنين الإماراتيين، وتحسين سبل الوقاية من الأمراض وتشخيصها وعلاجها.
وأكد أن مشروع الجينوم الإماراتي هو بوابة لفهم أعمق للسرطان ومسبباته، بالإضافة للطب الشخصي للسرطان بما فيها اكتشاف أدوية حديثة للسرطان. مشيراً إلى أن تحليل الجينات الوراثية على مجموعات كبيرة من مواطنين الدولة يتيح التعرف على الجينات المتوارثة التي هي مسبب لحوالي 10-15% من حالات السرطان، وبالتعرف على هذه الجينات فإن هناك طرقاً علمية لتفادي توارث هذه الجينات عن طريق اختيار الأجنة الذين لا يحملون هذه الجينات المتسببة بالسرطان، بالإضافة إلى الطرق الجديدة لتعديل الجينات أو ما يسمى بتقنية «الكريسبر» التي تفيد بتجنب توارث الجينات الحاملة لعديد من الأمراض بما فيها أمراض السرطان.