إيهاب الرفاعي (منطقة الظفرة)
إعلان صغير منشور على بعض المواقع الإلكترونية يطلب موظفات من دون دوام للعمل من المنزل دون الحاجة إلى مؤهلات أو خبرات.. فقط وجود هاتف و«إنترنت» مع التمكن من إدارة حوارات نقاشية، وجدت هدى في هذا الإعلان ضالتها، فهي أرملة تعيش في إحدى الدول العربية، توفي زوجها وترك لها 3 فتيات، إحداهن من ذوي الاحتياجات الخاصة ولا يوجد لها مورد رزق، فهي لم تكمل تعليمها من أجل الزواج ومصاريف بناتها كثيرة، كما أنها تحتاج إلى تكاليف أكبر لعلاج طفلتها الصغيرة من أصحاب الهمم.
ولم تنتظر هدى لتضيع منها الفرصة، وسارعت إلى التواصل عبر القنوات التي حددها الإعلان لمعرفة التفاصيل التي كانت بسيطة وسهلة جداً، وأخبرها المسؤول عن العمل بأنهم يطلبون مذيعات للعمل من المنزل للعمل في برامج ترفيهية على «الإنترنت»، ويمكن من خلال ذلك أن تجني أموالاً كبيرة من خلال الهدايا والرواتب التي تحصل عليها.
لم تصدق هدى نفسها وتخيلت أن أبواب السماء تفتحت لها، ولا تدري أنها بداية الهاوية، حيث بدأت بالفعل العمل في أحد برامج المحادثة، وتقربت إليها بعض الفتيات العاملات في الموقع، وأصبحن صديقات مقربات إليها، تحكي لهن أدق تفاصيل حياتها ومعاناتها، واقترحت الفتيات عليها الدخول معها في حوارات خاصة في غرف الدردشة حتى تجني أموالاً من الداعمين «وهم من يغدقون بالأموال والهدايا على العاملين في غرف الدردشة»، واستجابت لهن هدى ودخلت معهن في حوارات، على اعتبار أن الموضوع لن يتخطى مجرد كلام، وشيئاً فشيئاً انخرطت في حوارات عاطفية، وعندما شعرت بأنها تخسر نفسها قررت الخروج من البرنامج لتتصل عليها إحدى الفتيات وتبلغها بأن محادثتها مسجلة وعليها العودة وإلا سيتم نشر تلك المحادثات الخاصة بها وصورها على «الإنترنت»، وخافت هدى من الفضيحة وتوسلت إليها حتى لا تدمر بناتها، ولكن دون رحمة، واستجابت لها تحت الضغط، واضطرت أن تقابل شخصاً ساومها على نفسها مقابل أن يقوم بمسح تلك المحادثات، ولم تجد من تلجأ إليه فرضخت لطلبه لتجد نفسها تنتقل من جريمة إلى جريمة أكبر، حتى وصل بها الحال أن أصبحت مطالبة باستقطاب فتيات أخريات من معارفها إلى البرنامج الذي كان ستاراً يتم من خلاله تكوين شبكات منافية للآداب، ولم تجد هدى وسيلة للتكفير عما وصلت إليه والهروب مما آل إليه حالها رغم محاولاتها الخروج من هذه الورطة، ولاتزال تعاني المشكلة حتى الآن.
تشويه أفكار
وقضية هدى مثلها مثل آلاف القصص التي يتداولها رواد غرف الدردشة عبر تطبيقات الدردشة أو المحادثات الصوتية المختلفة، التي أصبحت وكراً للباحثين عن صيد سهل لتجنيد آخرين للعمل في مجال الجريمة ما بين شبكات منافية للآداب أو ترويج مخدرات أو ابتزاز وسرقة بيانات وحسابات وغيرها من الجرائم الأخرى، بخلاف استقطاب وغسل أدمغة وتشويه أفكار لضعاف النفوس من الشباب الصغير للانضمام إلى الأنظمة والجماعات المشبوهة، مستغلين الفقر والحاجة إلى المال لهؤلاء الشباب، مع تهديدهم وابتزازهم لتنفيذ خططهم المشبوهة.
أصحاب الفكر الظلامي
يؤكد محمد الفقي خبير التسويق الإلكتروني والمحاضر بكلية الدار الجامعية، أن غرف الدردشة تمثل بيئة خصبة للمجرمين والمحتالين لاصطياد ضحاياهم منها، موضحاً أن المنصات الإلكترونية تنقسم إلى منصات كتابة وهي الأقل خطراً، أما المنصات الأخرى، وهي الصوتية والمرئية وهي الأكثر خطورة كونها تجذب شريحة كبيرة، خاصة من صغار السن والمراهقين، من باب حب الاستطلاع والمعرفة والتجربة، ثم يجد الشخص نفسه متورطاً في مشاكل لا حصر لها.
وأوضح الفقي أن منصات غرف المحادثة الصوتية والمرئية تتكلف مبالغ باهظة وتحتاج لإمكانيات هائلة، وهذه التكاليف تعكس نوايا أصحاب هذه المنصات التي غالباً ليست بريئة، حيث يتم الإعلان عن أنها برامج ترفيهية، بينما هي واجهة لأهداف أخرى خبيثة يمكن من خلالها تجنيد الشباب صغار السن عن طريق غسل الأدمغة وزرع أفكار هدامة، وكذلك توريط هؤلاء الشباب في جرائم مختلفة بسبب الخوف وعدم الوعي وقلة الخبرة، وبالتالي تحويلهم إلى عناصر إجرامية ضد المجتمع، وهي ما يجد فيه أصحاب الفكر الظلامي بغيتهم وهدفهم فيه.
وأضاف الفقي: إن هناك شبكات على هذه الغرف تستهدف الفتيات صغيرات السن عن طريق فتيات أخريات للتعرف عليهن وجمع معلومات كاملة عنهن ومعرفة مشاكلهن وخصوصياتهن لتكون باباً يمكن الدخول إليهن منه، وشيئاً فشيئاً تجد الفتيات متورطات مع هذه الشبكة التي تبدأ بتهديدهن وابتزازهن في أمور بسيطة يمكن القيام بها وبالتدريج تجد الفتيات أنفسهن متورطات بالكامل في جرائم هذه الشبكة.
وأشار إلى أن هذه المنصات الإلكترونية تمثل خطراً كبيراً على الشباب والفتيات، خاصة قليلي الخبرة منهم، وكذلك كبار السن، حيث ينتشر خلالها القراصنة والمجرمون لاصطياد ضحاياهم، وذلك من خلال إرسال «لينكات» أو صور خادعة يقوم الشخص من خلالها بالضغط عليها لينتشر الفيروس ويصبح الهاتف المستخدم تحت تصرف المجرم يتلاعب فيه كيفما يشاء، سواء من خلال سرقة بياناته البنكية أو معلوماته الخاصة، وغيرها من البيانات التي يستخدمها بعد ذلك في تهديد الضحية والاستيلاء على أمواله وابتزازه.
ونصح الفقي بعدم استخدام هذه المواقع كونها لا تفيد، مشيراً إلى أنها أفخاخ تضر بالشخص والمجتمع وإذا اضطر الشخص للدخول عليها فيجب اتخاذ كافة الاحتياطات التي تضمن عدم وقوعه تحت تصرف هؤلاء المجرمين، وإذا حدث ووقع أحد الأشخاص ضحية لهم فعليه إبلاغ الجهات المسؤولة فوراً حتى لا تتفاقم المشكلة ويتورط في مشاكل لا يمكن حلها بسهولة.
حماية الأشخاص والممتلكات
تؤكد هدية حماد المحامية أن المشرع الإماراتي انتبه مبكراً للجرائم الإلكترونية، وكان حريصاً على وضع القوانين التي تضمن حماية الأشخاص والممتلكات خلال استخدام الشبكة العنكبوتية وما يصاحبها من مشاكل وقضايا واستغلال وابتزاز وسرقة معلومات ومحتويات، وذلك من خلال إصدار مرسوم بقانون اتحادي رقم 5 لسنة 2012 والذي تضمّن كافة الأمور المتعلقة بشأن جرائم تقنية المعلومات.
وأشارت إلى أن مواقع الدردشة الصوتية والمرئية، وكذلك المواقع الإلكترونية المشبوهة تشكل خطراً على الأمن وتهديد لأفراد المجتمع؛ لذلك وضعت الدولة القوانين المنظمة لاستخدام التكنولوجيا بشكل صحيح دون ضرر لأحد، خاصة أن غالبية مستخدمي هذه المواقع يستخدمون أسماء وبيانات مزيفة وغير حقيقية؛ لذلك جرم القانون في مادته 16 هؤلاء الأشخاص، حيث يعاقب بالسجن المؤقت والغرامة التي لا تقل عن خمسمائة ألف درهم ولا تجاوز مليوني درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من تحايل على العنوان البروتوكولي للشبكة المعلوماتية باستخدام عنوان وهمي أو عنوان عائد للغير أو بأي وسيلة أخرى، وذلك بقصد ارتكاب جريمة أو الحيلولة دون اكتشافها.
سلامة الجميع
من جانبه، قال علي الحمادي المحامي: إن القانون الإماراتي حازم في هذه الأمور التي يمكن أن تشكل خطراً على المجتمع، من خلال وضع القوانين المشددة فيها لضمان أمن وسلامة الجميع؛ لذلك يجب على الأشخاص اتباع خطوات عدة لتجنب الوقوع ضحية للمبتزين، تشمل عدم الوثوق بالأشخاص المجهولين، وعدم إعطاء أي بيانات شخصية لهم، وتجنب الوجود في محادثات عبر الفيديو مع أشخاص مجهولين، وتجنب دخول مواقع إباحية أو مواقع مشبوهة كمواقع التعارف والدردشة، وعدم إعطاء الأجهزة الذكية للصيانة إلا لوكيل معتمد أو محال موثوقة، إضافة إلى عدم مشاركة البيانات والمعلومات الشخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتعزيز دور الأسرة في إرشاد أبنائها إلى الاستخدام الصحيح للبرامج والتطبيقات الإلكترونية، وليس الحرمان الكامل من استخدام تلك المواقع. ولفت الحمادي إلى أن القانون نص على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين والغرامة التي لا تقل عن مائتين وخمسين ألف درهم ولا تجاوز خمسمائة ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ابتز أو هدّد شخصاً آخر لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه وذلك باستخدام شبكة معلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات. وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات لكل شخص قام بالتهديد أو ارتكب أموراً خادشة للحياء العام وللشرف واعتبار الشخص وتُعد هذه العقوبة من وصف المشرع الإماراتي بالجنحة، وشدد العقوبة إلى الجناية في حال ارتكاب جريمة خادشة للشرف.
أكد العميد جمال الجلاف مدير الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية في شرطة دبي، أن غرف الدردشة المنتشرة على الشبكة العنكبوتية يمكن أن تكون أفخاخاً لاستقطاب الكثير من الشباب والتغرير بهم، كما أنها تعتبر ملاذاً لأصحاب النفوس الضعيفة لجذب مزيد من الضحايا وإحكام السيطرة عليهم وابتزازهم بوسائل مختلفة، وهنا يجب على جميع المستخدمين لهذه المواقع الانتباه، وأخذ الحيطة والحذر لضمان امنهم وسلامتهم والإبلاغ فوراً عن أي محاولات مشبوهة تحدث معهم حتى تتمكن الجهات المختصة من تتبع تلك العصابات والإيقاع بها حتى ولو كانت خارج الدولة، موضحاً أن هناك تواصلاً مع الإنتربول فيما يخص الجرائم التي تحدث خارج الدولة. وشدد الجلاف على ضرورة قيام الأفراد الذين يتعرضون لأي جريمة إلكترونية بالإبلاغ لدى الجهات المختصة، حيث يتم التعامل مع هذه البلاغات بسرية تامة لبيانات المبلغ، وحفاظاً على خصوصيته كما تؤخذ هذه البلاغات على محمل الجد والاهتمام للتأكد من ضبط المجرمين ومنع تكرار تلك الجرائم مرة أخرى مع أشخاص آخرين، مشيراً إلى أنه تم إغلاق نحو 100 موقع مشبوه بعد التأكد من وجود مخالفات به ومخاطر أمنية تنتج عنها.
وأضاف أن استخدامات التكنولوجيا الحديثة أصبحت أمراً حتمياً ولا غنى عنه، وظهر ذلك واضحاً خلال جائحة «كورونا» حيث أفادت التكنولوجيا الحديثة في تيسير العديد من الأمور الحياتية بشكل سهل وسلس، وذلك بفضل البنية التحتية التكنولوجية التي تتمتع بها الدولة، وهو يعني مزيداً من الحيطة والحذر عند استخدام تلك التكنولوجيا لضمان أمن وسلامة المستخدمين.
آليات محددة
ذكر النقيب عبدالله الشحي نائب مدير إدارة المباحث الإلكترونية بالإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية في شرطة دبي، أن هناك آليات محددة يجب أن يتبعها الشخص الذي يتعرض لأي عملية ابتزاز إلكتروني أو جريمة على شبكة الإنترنت، أولها الإبلاغ فوراً عنها للجهات المختصة عبر المنصات المخصصة لذلك، وهذه البلاغات يتم التعامل معها بسرية تضمن خصوصية الشخص المبلغ، وبناءً عليها يتم الترتيب مع الضحية حول الخطوات الواجب اتباعها مع الجاني حتى يتم الإيقاع به، وهذه الخطوات تختلف من شخص لآخر ومن جريمة لأخرى، مشيراً إلى ضرورة الاحتفاظ بأي محادثات أو بيانات مشتركة ومقاطع تمت بين الجاني والضحية حتى تتم الاستفادة منها، خاصة أن أي معلومة ولو كانت تافهة بالنسبة للشخص قد تكون ذات أهمية كبرى لنا في الوصول للجهات المشبوهة، وأكبر دليل على ذلك وصول معلومة بسيطة لدى شرطة دبي العام الماضي وكانت ذات أهمية كبرى لنا، وساهمت في نجاح عملية «صيد الثعالب» والتي تم خلالها إلقاء القبض على عصابة مكونة من تسعة أفراد، يحملون جنسية أفريقية تخصصت بالنصب والاحتيال الإلكتروني على مستوى عالمي، وتدير أعمالها عبر 81 شركة وهمية في 18 دولة حول العالم، إذ عمدت إلى سرقة الضحايا بإيهامهم بالحصول على وظائف وهمية، وانتحال صفة الغير، وأجرت العصابة تحويلات مالية بقيمة 32 مليون درهم في أكثر من حساب بنكي لذلك يجب عدم التهاون في الإبلاغ عن أي معلومة لدى الجهات الأمنية.
مخاطر أمنية
حذرت «شرطة أبوظبي» من المواقع المشبوهة، ومنها غرف الدردشة التي تستقطب الشباب والكبار نظراً لما تتضمنه من مخاطر أمنية كبيرة على الأفراد والمجتمع، مؤكدة أنها تقف بالمرصاد لكل من تسول له نفسه العبث بأمن وسلامة المجتمع.
وطالبت الجمهور بعدم الوثوق بأشخاص مجهولين عبر وسائل «التواصل الاجتماعي» وتزويدهم ببيانات أو معلومات أو صور شخصية قد تستغل في عمليات الابتزاز الإلكتروني وتجنب الدخول إلى مواقع مشبوهة والحيطة والحذر عند التعامل مع أشخاص غرباء أو مجهولي الهوية، وعدم قبول التواصل معهم والوثوق بهم أو إرسال صور أو بيانات خاصة وحساسة.
وشددت على عدم نشر الصور ومقاطع الفيديو الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي حتى لا تتعرض للاختراق والقرصنة الإلكترونية والاستيلاء عليها واستخدامها من قبل ضعاف النفوس لابتزاز أصحابها.
وحثت في حالة التعرض لحالات الابتزاز الإلكتروني، على ضرورة عدم الخضوع للمبتزين، وعدم الاستجابة لطلباتهم، أو إرسال أي مبالغ مالية تحت ضغط التهديد، والتواصل مع خدمة «أمان» على مدار الساعة وبسرية تامة، على الرقم المجاني 8002626 (AMAN2626)، أو الرسائل النصية (2828)، أو البريد الإلكتروني (aman@adpolice.gov.ae)، أو من التطبيق الذكي لشرطة أبوظبي.
وأوضحت أن الابتزاز الإلكتروني يقوم على تهديد الضحية بنشر صور أو مواد فيلمية أو تسريب معلومات سرية، مقابل مبالغ مالية، أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لمصلحة المبتزين، كما يتم تنفيذ هذه الجرائم بطرق عدة، من أبرزها استدراج الأشخاص عن طريق إنشاء حسابات نسائية وهمية على منصات التواصل الاجتماعي، هدفها في الظاهر التعارف وفي الباطن الابتزاز، وعند التعارف يتم فتح بث مباشر بالكاميرا وتصوير الضحية في وضع مخل بالآداب.