حسين رشيد (أبوظبي)

اليوم ونحن نفخر باستضافة إكسبو 2020 على أرض الإمارات وفي مدينة دبي، تمر علينا الذكرى الــــ31 لوفاة المغفور له، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، بعد حياة حافلة بمسيرة الخير والتقدم والإنجازات الكبرى، جعلته أيقونة التصقت بدولة الإمارات العربية المتحدة، وبإمارة دبي تاريخياً وجغرافياً.. فالمغفور له تولى زمام حكم إمارة دبي في العام 1958 بعد وفاة والده المغفور له، الشيخ سعيد بن مكتوم، رحمه الله، والذي اشتهر بصفات عدة وخصال نبيلة، منها التقوى والورع والزهد والحكمة، ووالدته هي الشيخة حصة بنت المر، رحمها الله، صاحبة الشخصية المثالية والتي عرفت بلقب أم الخير لما لها من مناقب وخصال نبيلة في المجتمع آنذاك.. 

صفات نبيلة 
من هذه البيئة الصالحة اكتسب الشيخ راشد صفاته من والديه، رحمهما الله، ما كان له الأثر الكبير في تكوين شخصيته المميزة والفريدة، حيث بدأ الشيخ راشد في أول أيام حكمه بالتقرب من المواطنين والوقوف على مطالبهم، والعمل على توفير الحياة الكريمة لهم، وفي ذات الوقت وببُعد نظره للمستقبل، بدأ بالتخطيط والتنفيذ كي تكون دبي مدينة عالمية مرموقة للتجارة والسياحة، وبجهوده ومتابعته لكل كبيرة وصغيرة في ذلك الوقت، أصبحت دبي الآن من الوجهات الأولى العالمية في التجارة والسياحة، هذا إلى جانب بنية اقتصادية واجتماعية جعلت من مدينة دبي ملاذاً آمناً للمستثمرين من مختلف بقاع الأرض، وهذا ما كان يخطط لها مهندسها الأول باني نهضة دبي الحديثة الشيخ راشد بن سعيد، رحمه الله.

حكمة وبُعد نظر
ولو تأملنا حياة ومسيرة المغفور له، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه،  لوجدنا فيها قصصا فريدة وجريئة في ذات الوقت، تمثلت فيما اتخذ من قرارات وتوجهات منذ الخطوات الأولى لتوحيد المنطقة، ولعل أهم قرار مصيري اتخذه الشيخ راشد بن سعيد حين وضع يده بيد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ليتفقا ويعملا سوياً إلى جانب الآباء المؤسسين، من أجل توحيد المنطقة وقيام دولة الإمارات العربية المتحدة.
ومنذ أن تولى منصب نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء إلى جانب كونه حاكماً لدبي، أسهم بجهودٍ بنَّاءة وعظيمة في بناء النهضة الشاملة التي شهدتها الدولة منذ قيامها، نهضة يشهد لها القاصي والداني، كما قام ، رحمه الله، بدور ريادي كبير على الصعد العربية والعالمية من خلال زياراته ولقاءاته العديدة في المؤتمرات الإقليمية والدولية بصفته الرسمية أو نيابة عن الشيخ زايد، رحمه الله، هذا إلى جانب مسؤولياته العظيمة بصفته حاكم دبي، حيث بدأ الشيخ راشد في أول أيام حكمه بالتخطيط والتنفيذ كي تصبح دبي مدينة عالمية للتجارة والسياحة، وأن تتبوأ المدينة مكانة عالمية على خارطة العالم، فلا عجب أن تشهد أرض الإمارات العربية المتحدة المعرض الأكبر والأعرق (اكسبو 2020) الذي يعد الحدث الأهم في العالم، عبر تواجد 192 دولة بثقافاتها وتجاربها وتاريخها في مدينة دبي الساحرة.

مسيرة الإنجازات لا تتوقف
لقد استطاع المغفور له الشيخ راشد بن سعيد بفكره وصبره وحكمته، وملامسته لمشاعر الناس وأحاسيسهم واحتياجاتهم، وتفاعله مع طموحاتهم، أن يواجه التحديات والأزمات بكل ثقة وبعد نظر، حيث عمل على إقامة  المشاريع الكبيرة التي كانت فاتحة خير للناس، خاصة في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، وخلال فترة الستينيات تم تنفيذ  بعض المشاريع المهمة والحيوية في دبي، وما تلاها من مشاريع جبارة في السبعينيات والثمانينيات، ومن يتابع ما تحقق على أرض دبي خلال تلك الفترة من ازدهار وتنمية، يعلم دور الشيخ راشد بن سعيد فيها بإمكاناته الضئيلة وموارده اليسيرة، لكن بفكره وقدراته وطموحه الذي لم يكن ليقف به عند حدود حاضره، وإنما امتد به إلى مسافات بعيدة من رؤية المستقبل الذي كان يحلم به للوطن والمواطنين.

وبحكمته ونظرته الثاقبة حقق المغفور له رؤيته وطموحات وتطلعات شعبه، واليوم وبجهود صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، تستمر مسيرة الإنجازات، وأصبحت دبي المدينة التي لا تعرف المستحيل، وبسحرها العجيب وتراثها وحضارتها ومبانيها المتحضرة تبهر كل من يعيش على أرضها أو يزورها، مدينة تفرض نفسها بثقة عالية على خارطة العالم، لتكون أهم مدن العالم في مختلف المجالات الحيوية الهامة كالتجارة والمال والأعمال والفنّ والسياحة، والعلوم والتكنولوجيا والتعليم والترفيه، كما تحتضن أبرز مراكز المال والتجارة في العالم، لكثرة البنوك والشركات العالمية، فمركز دبي المالي العالمي اليوم مركزٌ رائد في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا، مما أهَّلَ دبي لأن تكون الوجهة المفضلة لروّاد الأعمال، ولأحدث الابتكارات التكنولوجية، إنها تتميز ببيئة عمل مثالية ووجهةٍ عالمية المستوى ومجتمع نابض بالحياة، كما تعتبر دبي من المدن الأسرع تطـوراً في العالم. ومن الشواهد على إنجازات الشيخ راشد الباقية في ذاكرة الزمان والمكان، مطار دبي الدولي وميناء جبل علي والمنطقة الحرة ومركز دبي التجاري وجسر آل مكتوم ودوار الساعة ونفق الشندغة وجسر القرهود، هذا إلى جانب العديد من المشاريع الكبرى في مختلف إمارات الدولة..

شخصية لا تعرف الكلل
وعن سيرة والده يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»: «الشيخ راشد أبي ومعلمي وقدوتي ومدرستي التي تعلمت فيها المبادئ والقيم والأخلاق والإدارة والقيادة، وأهم ما تعلمته منه حب الناس وحسن معاملتهم، وكان أحرص ما يكون على زرع هاتين الصفتين في نفسي.. كان، رحمه الله، أهم ما عنده معاملة الناس وعدم الإساءة إلى أي واحد منهم مهما بدر منه من خطأ، وكان يهمه أن يرضي الناس ولا يسيء إلى أحدهم بقول أو فعل، وكثيراً ما يكتم غيظه ولا يبدي شيئاً منه للآخرين. كان يهمه أن يذهب للنوم وهو مرتاح الضمير، لا يفكر في أنه جرح إنساناً ولو بكلمة».
 وحول شخصية والده يقول سموه: «من يعرف الشيخ راشد بن سعيد يدرك حقيقة هذا الرجل الذي أتحدث عنه، ولربما يقصر الحديث عن استجلاء ميزاته وسجاياه ليس لكونه والدي فقط، ولكن لذات هذه الشخصية النادرة ولمدى ما حققه في حياته وما قام به في مجتمعه من أعمال كبيرة في ظل ظروف صعبة ربما لا تمكن صاحبها من تحقيق رؤاه وطموحاته». اليوم في ذكرى رحيله، فإن الألسنة تلهج له بالدعاء، فهذه الذكرى ما زالت تلهم الأجيال القادمة بما تركه الراحل من أثر وعمل وإنجار وسيرة عطرة طيبة، وقدوة عظيمة يقتدى بها.

متابعة
عن نشاطه اليومي وحرصه على متابعة المشاريع، يخبرنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في كتاب «قصتي.. 50 قصة في خمسين عاماً»: «كان والدي، رحمه الله، يستيقظ قبل الفجر ليؤدي الصلاة، ثم يبدأ جولته الميدانية لتفقد المشاريع قبل أن يعود لتناول الفطور الذي تعده أمي.. قبل الإفطار كان يجلس أمام القصر لاستقبال المسؤولين ثم ينتقل إلى مكتبه في الخور لمقابلة المشرفين على المشاريع». ويضيف سموه: «ثلاث فوائد كان أبي يجنيها من جولاته على المشاريع بعد الفجر، الأولى أن المشرفين عندما كانوا يعرفون اهتمام الحاكم المباشر بأدق تفاصيل المشروع، فإنه لا يمكن أن يكون هناك أي تقصير. والثانية كانت تصبح لديهم طاقة كبيرة للعمل لأنهم كانوا يلتقونه يومياً، ويشعرون بفخر كبير عندما كان يتحدث معهم. أما الفائدة الثالثة فهي تحقيق كفاءة مالية كبيرة جداً، فلم يكن يتجرأ أي مقاول أو موظف حكومي على ارتكاب ممارسات فساد مالي، لأن الشيخ راشد كان أحرص الناس على سمعة دبي».

بصمة الرياضة في البدايات
رضا سليم (دبي)

رغم السنوات الطويلة على رحيله، إلا أن بصمة المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم (طيب الله ثراه) ستظل في ذاكرة الأجيال لسنوت طويلة، بما قدمه في مختلف المجالات ومنها الرياضة التي نهلت من دعمه واهتمامه بشكل كبير، حيث كانت البدايات في تأسيس الأندية والفرق الوطنية، خاصة أن كرة القدم كانت في البدايات، وما نراه اليوم على أرض الواقع، ما هو إلا نتاج الفكر السديد للمغفور له، الذي وضع اللبنة الأولى لتطوير الرياضة في دبي، وتحول ما قدمه إلى دروس وعبر لكل الأجيال. ويأتي اهتمام المغفور له الشيخ راشد بن سعيد بالرياضة، كونه كان مهتماً كثيراً بعدد من الهوايات منها الصيد بالصقور وركوب الهجن والخيل والرماية، إلا أن رياضة الصيد بالصقور كانت المفضلة لديه، وكان يتميز بمهارة القنص التي تتطلب التركيز والصبر، وعرف عنه درايته الواسعة وخبرته الكبيرة بكل أنواع الصقور وطبائعها، وبقدرته على اختيار الأماكن والأوقات والطرق الأنسب لمزاولة هذه الرياضة.
كان، رحمه الله، حريصاً على حضور معظم المباريات الرياضية، سواء في كرة القدم، أو سواها، ومتابعاً شغوفاً لكل سباقات الخيل والهجن في دبي، وفي غيرها من إمارات الدولة.

ووضع المغفور له اللبنة الأولى في البنية التحتية والمنشآت الرياضية بدعمه اللامحدود في مجال تطوير الرياضة في البلاد، والاهتمام بها، حيث أحدث ذلك انطلاقة حقيقية وثورة في عالم الرياضة الإماراتية، والتي أحدثت قفزة غير عادية على صعيد الانطلاقة المحلية وانعكس ذلك على المشاركات الخارجية.
لعب المغفور له دوراً مؤثراً على الساحة الرياضية عبر مكرمته السخية بإقامة 4 ملاعب نموذجية لأندية دبي في النصر والأهلي والوصل والشباب وذلك عام 1974، وقُدّرت تكلفة منشآت النادي الواحد آنذاك بـ 28 مليون درهم، كما خصص مبلغ 100 مليون درهم لإنشاء مدرجاتٍ ومبانٍ لهذه الأندية وتبعها بناء 4 صالات رياضية في دبي، تبلغ تكاليفها نحو 108 ملايين درهم، كما خصص 320 مليون درهم لإنشاء مدينة رياضية في دبي، وظلت مكارم سموه منتشرة ولم تقتصر فقط على أندية دبي، وإنما شملت بقية الإمارات الشمالية الأخرى.
ولم يُكتف بهذا الاهتمام من قبل الراحل، طيب الله ثراه، بل كان أيضاً يستقبل المنتخبات والوفود الرياضية العربية التي كانت تأتي لتزور دبي في تلك الفترات، فقد لعب دوراً واضحاً وملموساً في الارتقاء في الحركة الرياضية في دولة الإمارات، بسبب العقلية الفذة التي كان يتمتع بها ورؤيته الثاقبة للمستقبل والاهتمام بشباب الوطن عبر نافذة الرياضة.