نوف الموسى (دبي)
التفكير بشكل استثنائي، بابتكار سياسات ثقافية، عبر فضاءات تنسجم مع روح العصر، لإثراء صناعة المحتوى النوعي لكيفية بناء أدوات عرض تقدم المنتج الثقافي، من خلال أن تكون قادرة على تحقيق الانسجام بين ما هو متأصل في الإرث الحضاري للمنطقة، وما هو حديث وفني ومتجدد، يُعد أحد أهم مرتكزات الفُرص في «إكسبو 2020»، الحدث العالمي الأبرز بعد جائحة «كوفيد ـ 19»، وهي افتتاحية مُبشرة تحدثت عنها معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار والمفوض العام لجناح البحرين في «إكسبو 2020»، في حوارها مع «الاتحاد»، موضحة أن «إكسبو» فرصة ذهبية، ليس لسكان منطقة الخليج فقط، بل للشرق الأوسط عامة، لتبادل الآراء واكتشاف الفرص الاستثمارية التي من شأنها أن تجعلنا نتكامل، فنحن نبحث في الخبرات الأخرى، عما يتناسب مع بيئتنا، وما تحتاج إليه أوطاننا، ونسعى إلى تطويره، بمستوى يتيح تشكيل فضاءات لانهائية من الابتكارات، التي من شأنها أن تؤسس لمستقبل منفتح بأبعاده التعددية في العملية الإبداعية، ومتفرد بهوية المجتمعات وثقافتها، وسحر لغتها، وموسيقاها، وأعمالها الحرفية، وكيف أنها جميعها تنسج في العمق اتصالاً إنسانياً مع العالم أجمع.
وأشارت معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة إلى محور «الكثافة»، باعتباره موضوعاً رئيسياً في جناح مملكة البحرين، مبينة أنه عند الحديث عن الإبداع الإنساني، تؤخذ بعين الاعتبار مسألة الكثافة السكانية مقارنة بالمساحة الجغرافية، ووفقاً لذلك تُعد مملكة البحرين السادسة عالمياً من حيث الكثافة السكانية، ما يعكس تنوعها سواء في مناظرها الطبيعية أو الحضرية، إلى جانب مواقعها التاريخية ومعالمها المعاصرة، وصولاً إلى عمق مزيج الأديان والأعراق، الناتج من تشكلات النسيج الطبيعي الذي نشأت منه البحرين، بدءاً من حضارة دلمون قبل 4000 عام، واستمرارية الوجود البشري فيها لأكثر من 5000 عام. وبالاطلاع على الحقب التاريخية، والشخصيات التي تعاقبت في بناء نهضتها الحضارية، نصبح أكثر قرباً لإدراك الكثافة البشرية، التي بطبيعتها أنتجت كثافة في الحرف والمنتجات الثقافية؛ ولذا فإن حرفة «الحياكة» من الموضوعات الفرعية المهمة، الحاضرة في جناح مملكة البحرين في «إكسبو 2020»، كونها تسرد للعالم، قصة غزلنا لعوالم تمددنا التاريخي، وصولاً إلى التاريخ الحديث.
«دائماً ما أردد، أن كل نظرية إذا لم يتم تطويرها ستموت، وهو ما ينطبق تماماً على الحرفة القديمة، التي كانت تمارس في السابق، فلابد من إحيائها وتقديمها بشكل يجاري روح العصر»، هنا تُسرد الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، أبعاد مزجهم لمادة الألمونيوم في صناعة الفخار، فالأخير يعود لآلاف السنين وفق المكتشفات الأثرية في مملكة البحرين، ولذا كان لزاماً تطوير صناعة الفخار، وفي المقابل فإن مصنع الألمونيوم في البحرين يُعد الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، والعملية تأتي استكمالاً للجزء الترويجي لهذه المكانة المهمة التي نحتلها في مجال الصناعات الحديثة، لافتةً كيف أننا فيما يتعلق بصناعة الفخار، تجاوزنا زمن الحصالات الفخارية، ولابد من إخراج رؤية جديدة.
4 معارض
وأشارت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة إلى أنهم صمموا برنامج «إكسبو 2020»، لدعم مفهوم الابتكارات الإبداعية في مجال الحرف التقليدية، حيث تتخذ مجموعة مختلفة من الأعمال التركيبية الدوريّة مكاناً لها في المساحة وتحولها على مدار 6 أشهر خلال فترة «إكسبو»، لتخلق سينوغرافيا مختلفة تغيّر من قراءة الزائر للمكان، وقد تم إنشاء كل عمل من هذه الأعمال التركيبية عبر عملية تعاونية، بصناعة يدوية في البحرين تستخدم مختلف حِرَف النسيج التقليدية والمعاصرة، وتستعرض عملية الحياكة باعتبارها استعارة للكثافة، وسيكون لكلّ سينوغرافيا موضوع عام، ينكشف في أربعة معارض مختلفة كما في العمل المسرحي، ليستعرض جانباً مهماً من ثقافة البحرين، وتلقي المعارض الضوء على موضوعات عامة: أولها «البحر»، «حياكة الابتكار»، «رواية التاريخ»، و«المدن المستدامة».
«الضوء» أحد العناصر المعمارية التي أشارت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، إلى أثرها في العمارة، أثناء حديثها عن تصميم الجناح الذي تم من قِبل كريستيان كيريز زيوريخ أيه جي، مبينة كيف أن الزائر يشعر بانفتاح المساحة في المكان، بسبب تلك الحيوية الخاصة بدخول شعاع الشمس، وتغير زوايا سقوط الأشعة خلال اليوم، على الرغم من تداخل 126 عموداً بسماكة 11 سنتيمتراً وبارتفاعٍ يبلغ 24 متراً، متصلة ببعضها بعضاً، إلى أن الإحساس بالاتصال حاضر ومتمكن في تجربة الحركة داخل الجناح، المُستلهم من الزخارف الجصيّة الهندسيّة التقليديّة للعمارة البحرينيّة التراثيّة.
الاحتفاء بالهوية
من بين القضايا الثقافية الجوهرية، التي طرحتها الشيخة مي آل خليفة، للمناقشة والتباحث في «إكسبو 2020»، كمنصة ابتكارية، مسألة اللغة العربية وتطوير استخداماتها اليومية، والاحتفاء بالهوية كجزء متفرد في الإنتاجات الإبداعية والحضارية لمختلف الأمم، قائلةً: يعز علينا أن العديد من البلدان العربية تنطق بغير لغتها الأم، ونذكر هنا تجربة الصين الكبيرة مترامية الأطراف، بأعدادها وتراثها وتنوعها، إلا أن أي مسؤول فيها يرفض التحدث بغير اللغة الصينية، وهناك دائماً ترجمة، وهذه رسالة أود أن تصل للأجيال الحالية من أبنائنا، من نسوا التخاطب باللغة العربية، لتستعيد لغتنا مكانتها، ونحتفظ بمفرداتنا ومضامين تعابيرها وجمالياتها وأثرها على إبداعنا الثقافي.
وفيما يتعلق بمسألة الهوية، أوضحت أننا نذهب من بلد إلى آخر، لنكتشف أكثر ما يميزه، حيث قد تتشابه البلدان في البناء الحديث وناطحات السحاب، ولكن ما يميزها دائماً هو الإرث، فعند زيارتنا لمصر، فإننا نود البحث عن الحقبة الفرعونية، والفترة المملوكية والخديوية، كونها تعكس جانباً مهماً من هوية البلد، ولكننا إذا تشابهنا نفقد تفرد هويتنا، وعلى مستواها الشخصي، وفي مشروعها الثقافي الأهلي، فهي تركز كثيراً على هذا الجانب الأساسي، الذي يسمح لنا، بحسب تعبيرها، بأن نكون جزءاً من العالم، دون أن نذوب فيه، من خلال وسائل عديدة وحديثة مختلفة، معتبرة أن منصة «إكسبو 2020» فرصة حقيقية لإعادة اكتشاف تلك الإمكانات التي تعزز جماليات الهوية عبر الابتكارات التقنية والثقافية.