أبوظبي (الاتحاد)
أكد الدكتور محمد عبد الله العلي الرئيس التنفيذي لـ «مركز تريندز للبحوث والاستشارات» أن العمل على الحفاظ على السلام أكثر أهمية وأعظم مسؤولية من صنعه، لأنه عندما يُصنع السلام تتوسع دائرة مسؤوليات الدول الموقعة علية لترسيخ ثوابته وتجذير مفاهيمه في كل أنحاء التفاعلات اليومية.
وقال إن استدامة السلام ليس بالمهمة السهلة أو التلقائية، بل تحتاج إلى شجاعة وإرادة سياسية وتوافر عوامل أخرى مهمة داعمة لتحقيقه، مشيراً إلى من أهم هذه العوامل هو عدم اعتبار السلام مثالياً دون القيام بالجهود والأعمال والممارسات العملية التي تجذر مبادئه، أي النظر في العوامل، أو الأسس العملية والتطبيقية التي تحافظ على هذا السلام وترسخه بما في ذلك عدم حصر السلام في الأطراف الموقعة عليه واستثناء أطراف أخرى، وعدم فرض السلام بالقوة لأن ذلك سيكون مؤقتاً في الغالب.
وأشار العلي بمناسبة الندوة رفيعة المستوى التي سينظمها المركز21 سبتمبر الجاري، بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لتوقيع اتفاق السلام الإبراهيمي، ومع اليوم الدولي للسلام، إلى أن الظروف التي عقدت في ظلها الاتفاقات الإبراهيمية، وجدت ترحيباً عالمياً واسعاً مرده أن العالم يسعى إلى التعايش السلمي العالمي أكثر من أي فترة مضت، وذلك لأن العالم خاض تجارب الحروب، ولم تثمر عن نتائج إيجابية لأي طرف. لذلك نمى في الفكر العالمي ما يمكن أن نسميه بالقابلية للسلام والرغبة في تحقيقه.
وشدد على أن هناك درجات متغايرة من السلام: فهناك السلام السلبي ووظيفته الأساسية هي منع العنف وإبقاء الوضع العام في حالة سكون بما يحول دون تصعيد التوترات والصراعات، وهناك السلام الإيجابي الذي يمنع العنف من جهة، ويعزز وسائل التفاهم والتعاون من جهة أخرى بما يؤدي إلى تحييد العوامل التي يمكن أن تقود للعنف والصراع مجدداً، ويحقق الاستدامة المنشودة للسلام.
وأوضح أن هناك نوعاً آخر، وهو ما يسمى بالسلام الشامل أو المتكامل، والذي من أهم سماته أن القائمين عليه لا يستثنوا أياً من القوى السياسية أو العرقية أو الدينية المعنية من فرص الانضمام إلى السلام وإشراك كافة الأطراف المعنية به على أساس قاعدة «الكل رابح».
وأضاف الرئيس التنفيذي لمركز تريندز، أن فهم السلام وأهمية تحقيقه يُمَثِل أهم العوامل في استدامته، أما عوامل قابلية تطبيق السلام بشكل عام فتتمثل في فهم خطورة دور الحرب في تدمير المجتمعات، وفهم دور القيادة الحكيمة في عدم إقحام شعوبها في نيران الحرب، مشيراً إلى أنه يأتي بعد ذلك عامل أكثر أهمية، وهو كيفية الحفاظ على السلام إذا تحقق وضمان استدامته.
وشدد الدكتور محمد عبد الله العلي على أن أهم عناصر الحفاظ على السلام هو أن لا يكون معنياً فقط بالدول الموقعة عليه، بل أيضاً أن تكون في مخرجاته فائدة شاملة لكل الأطراف، سواء مشتركة في صنعه أم لا.
وحدد العلي عوامل الحفاظ على السلام وهي وقوع مسؤولية إضافية على الدول الصانعة للسلام بإضافة أرضية شاملة لكل مؤسساتها من أجل تجذير مفهوم السلام، مبينا أن صنع السلام عادة ما يتبع فترات من الصراع أو أجواء مشبعة بالعدوانية، وهو ما يتطلب العمل على تغيير الثقافة القائمة، وإيجاد القواسم المشتركة التي تستبدل هذه الأجواء بأجواء يسودها روح التسامح والتعاون.
وتطرق إلى تجربة الاتحاد الأوروبي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية موضحاً أن من أهم عوامل الحفاظ على السلام هو تطويره كمفهوم فكري اقتصادي إنساني وسياسي. وقال إنه إذا ما أبقت الدول الصانعة للسلام التفاهم والتعاون فيما بينها ضمن أطر مؤسساتية محدودة دون وضع قاعدة صلبة من المصالح المشتركة المستندة إلى روابط اقتصادية وثقافية، فإن السلام سيبقى في هذا الإطار المحدود ولن يتجاوزه.
وتوقف الدكتور محمد عبد الله العلي عند منطقة الشرق الأوسط، وقال إن دولة الإمارات العربية المتحدة، وتلتها مملكة البحرين بادرت بتدشين علاقات سلمية مع إسرائيل، وبدء مسار جديد لتحقيق السلام مبني على الحوار المباشر والبناء.
وأضاف أن قراءة بنود اتفاقية السلام الموقعة بين دولة الإمارات وإسرائيل تكشف عن الكثير من الحيثيات والأفكار التي تؤكد أهمية السعي إلى تكريس السلام في هذه المنطقة من العالم، وذكر المقال أن الاتفاقية تنص على «اجتثاث الفكر المتطرف وإنهاء النزاعات، من أجل منح كل الأطفال مستقبلاً أفضل».