فهد بوهندي (الفجيرة)
يقضي سلطان علي الخزيمي، أصغر المزارعين في الدولة، جل وقته في مزرعته، متنقلاً بين ما تحتويه من أصناف متنوعة من الخضار والفواكه والأشجار، يرعى المزروعات ويحرث الأرض، ويسقي الزرع، ويعتني بالأغراس الجديدة، مهتماً بأدق التفاصيل، ليحصد في نهاية كل موسم نجاح ما غرسته يده. وسلطان ابن 16 عاماً، من إمارة الفجيرة، وجد في مزرعة والده وجده المكان المناسب لطموحه، بعد أن غرسا لديه حب الزراعة والعمل في الأرض، حيث نما لديه شغف الاكتشاف والبحث أكثر في علوم الزراعة وأسرارها، فبدأ أولى خطواته بالبحث والتعمق والإلمام أكثر بخفايا مهنة الأجداد، والاستفادة من خبرة والده وجده ودمجها بأساليب الزراعة الحديثة، ليكون النتاج حصاداً وفيراً من المنتجات الزراعية المتنوعة، وتحقيق الحلم بتوسيع مزرعته الخاصة لتضم إلى جانب الزراعة، تربية الحيوانات والدواجن والاستزراع السمكي، متبعاً أساليب حديثة تتماشى مع طقس دولة الإمارات.
«الاتحاد»، رافقت سلطان في زيارة إلى مشتله الخاص، وتعرفت على سر نجاح المزارع الصغير، وسبب تعلقه بهذه الهواية في سن مبكرة، وروى لنا بدايات مشروعه وكيف تحول الحلم إلى حقيقة، قائلاً: «البداية كانت بفضل الله أولاً ومن ثم والدي وجدي، حيث ورثت حب الزراعة عنهما، منذ الصغر بالذهاب المتكرر معهما إلى المزرعة، وتعلم زراعة التين والنخيل، مع بعض المحاصيل».
وتابع: «بعدها زاد شغفي بالزراعة أكثر، وتعمقت أكثر عندما منحني الوالد مساحة صغيرة داخل المنزل، حتى أمارس فيها هوايتي، وأقوم بزراعة محاصيل معينة، وأشرف عليها بنفسي، مع مواظبتي على تلقي المشورة منهما، والحديث المستمر معهما عن أسرار الزراعة، وأقوم بتطبيق كلامهما في رعاية لمشروعي الصغير، ويمكننا القول هنا: إنها البداية لحلم كبير».
وأضاف: «بدأت أشرف على مزرعتي بنفسي، من تجهيز الأرض ونثر البذور والسقاية، ونمو المشاتل، ثم الانتقال إلى مرحلة الغرس والمتابعة والتنظيف حتى تؤتي هذه المحاصيل نتائجها، حيث كنت أحرص على زراعة المحاصيل المتوافرة في الدولة مثل أشجار: (المانجو والتوت والليمون)، وبعد نجاح الخطوة الأولى، منحني والدي مساحة أرض زراعية إضافية، لتتسع معها رغبتي في ابتكار طرق وأساليب جديدة في الزراعة، فكان الطموح التنوع الأكبر، وعليه انصب تفكيري على إنتاج محاصيل جديدة، فبدأت أتعلم أشياء جديدة عن النبات، وتمكنت من معرفة الكثير عن اختلاف الاحتياجات الأساسية للنباتات من مياه وضوء وسماد، وتشكلت لديّ معرفة أكبر عن تقلب الأجواء وتأثر النبات في التداخل بين المواسم، وطرق التقليم في الأوقات الصحيحة، التي تساعد على النمو الصحيح للنبتة والإنتاجية الجيدة للثمر».
وأضاف: «مع ازدياد وتنوع المحاصيل الزراعية لديّ، بدأت أبحث عن مصادر خارجية للبذور وأقوم باستيراد المناسب منها وأقوم بتجارب زراعية عليها، لأتحقق من إنتاجيتها ومدى ملاءمتها للنمو في الطبيعة المناخية لدولة الإمارات، وبالتالي دراسة توافقها مع التربة، مع الأخذ بعين الاعتبار البحث عن الطرق الحديثة لإنجاح زراعة هذه المحاصيل، والحمد لله نجحت عندي زراعة أكثر من نبتة وشجرة جئت ببذورها من الخارج، ونمت البذور بشكل طبيعي».
وقال: «لم أتخصص في زراعة نوع معين من الخضراوات أو الفواكه، كما يفعل بعض المزارعين، بل عملت وما زلت أعمل على زراعة أي محاصيل أو أشجار أجدها تناسب مناخ الدولة، ومتى ما وجدت مساحة مناسبة لذلك تجدني أزرع الورقيات والفواكه والأشجار المثمرة، بالإضافة إلى أشجار الظل والزينة؛ لأن التخصص في زراعة نوع واحد من النباتات أو الأشجار يجعل الزراعة موسمية ومحددة، على خلاف التعدد والتنوع في زراعة المحاصيل الذي يجعل السوق عامراً بالمنتجات الزراعية المتنوعة، أضف إلى ذلك فإن الدورة الزراعية والمحافظة على المساحات الخضراء مع تكرار الزراعات المتنوعة، كل ذلك يحدّ من التصحر ويلطف الأجواء ويحافظ على الحياة البرية، حيث تتخذ الكثير من الطيور النادرة في المنطقة هذه الأشجار مكاناً لتكاثرها».
وتابع: «لم أقف عند الزراعة فقط، بل أدخلت تربية الدواجن لما في ذلك من منافع متبادلة بينهما، فالدواجن تأكل النمل والحشرات التي قد تتلف المحصول وتضره وبجانب إنتاجها من اللحوم والبيض، تقدم السماد العضوي للنباتات؛ لذلك اتبعت هذا الأسلوب الحديث في الزراعة، وبالتالي كلما كانت المساحة كبيرة أصبح بإمكان المزارع أن يتوسع بالأفكار والابتكار ويزيد من مدخلات الإنتاج مثل تربية الأغنام».
أمنية
وعن أمنياته، قال: «أطمح في امتلاك مساحة كبيرة من الأرض الزراعية، تتناسب ومشروعي الذي أخطط له وأثق في نجاحه لأن كل المقومات التي تقود إلى ذلك الطريق متوافرة، فأنا أخطط إلى زراعة كل الخضراوات والأشجار المثمرة والظليلة التي تلائم مناخ الدولة، بالإضافة إلى إدخال النظم الحديثة في الري ودمج الزراعة بتربية الدواجن والثروة الحيوانية، إلى جانب الاستزراع السمكي لأن الزراعة الحديثة لم تعد تقف في محطة التخصص والاكتفاء بالزراعة وحسب، بل يجب أن يكون الإنتاج القادم من هذه المزرعة متنوعاً وشاملاً لكل ما يحتاج إليه الإنسان في حياته من خضراوات وثمار ولحوم وبيض وحليب، فضلاً عن الفوائد الأخرى، مثل الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية».
توعية
قال سلطان علي الخزيمي: «لابد من تعزيز التوعية الزراعية بين الصغار، لما لها من دور كبير في دعم الاقتصاد الوطني، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية، واستغلال المساحات الموجودة في المنازل، ومن خلال هذا الوعي بأهمية الزراعة سنرى إقبالاً واسعاً ينعكس تأثيره على زيادة مساحات الرقعة الخضراء وملء فراغ الشباب وخفض الوقت المهدر؛ وأنصح كل مَن في عمري بضرورة ممارسة الزراعة حتى وإن كان في مساحة صغيرة جداً؛ لأنه بذلك يضع قدمه على أولى عتبات النجاح، وقد تتطور الهواية لتبقى مهنة يبني من خلالها مستقبله في المجال الزراعي أو مجالات البحوث الزراعية أو الهندسة أو المعامل الزراعية».