شعبان بلال وعبد الله أبو ضيف (القاهرة)
تميزت العلاقات الإماراتية البريطانية على مدى عقود طويلة بالخصوصية والمتانة، إذ ترتكز على إرادة مشتركة قوية، وتنطلق من قاعدة صلبة يحكمها الاحترام المتبادل، فنمت وتطورت على مدار عشرات السنين.
وشهدت العلاقات بين البلدين تطوراً متسارعاً في شتى المجالات الاقتصادية والتعليمية والسياحية والثقافية إلى جانب العلاقات السياسية المهمة، الهادفة إلى العمل قدماً نحو تعزيز السلم العالمي.
وجاءت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى بريطانيا، في إطار العمل المشترك لتعزيز التعاون مع المملكة المتحدة، وتوحيد الجهود المشتركة، وبحث الملفات الدولية، وتنسيق دورهما الرائد في القضايا الإقليمية.
لطالما نظرت بريطانيا إلى الإمارات باعتبارها قوة إقليمية مهمة ضمن إطارات تحركها المختلفة، ومن ثم تحرص على التحاور المستمر معها والاستماع إلى رأيها في القضايا الإقليمية والدولية المثارة، في ظل تقديرها الحكمة التي تميز توجهات القيادة الإماراتية في تعاطيها مع القضايا المختلفة، وهو ما يُعبّر عنه المسؤولون البريطانيون في شتى المناسبات.
ودائماً ما تحرص الوفود البريطانية الزائرة للدولة على إبداء إعجابها بمدى التقدم والتطور والإنجازات التنموية التي حققتها الإمارات في مختلف المجالات، حتى أضحت منارة للآخرين، يعيش الجميع على أرضها في تعايش وتسامح وأمان.
كما تحرص دولة الإمارات على تقوية روابطها مع القوى ذات التأثير في العالم على قاعدة الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، من أجل خدمة قضاياها الوطنية ومساندة القضايا العربية العادلة.
والإمارات حليف استراتيجي مهم لبريطانيا، وتتجسد هذه العلاقة في تعاونهما المشترك في العديد من القضايا، التي تدعم أسس الأمن والاستقرار والسلام الإقليمي والدولي، ولعبت الإمارات مؤخراً دوراً محورياً ومهماً في إجلاء الرعاية البريطانيين من أفغانستان، بالتزامن مع الانسحاب النهائي من القوات الدولية الشهر الماضي.
دور إيجابي
ويؤكد خبراء ومحللون سياسيون أهمية العلاقات المتجذرة بين البلدين، وتطورها المستمر، في لعب دور إيجابي لتحقيق استقرار المنطقة بأسرها.
وأوضح الدكتور أيمن سمير، أستاذ العلاقات الدولية، أن العلاقة بين الإمارات والمملكة المتحدة هي علاقة متجذرة وخاصة وقوية بدأت منذ عشرات السنين، موضحاً أن الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، هو أول من وضع إطاراً ساهم في تعزيز وتقوية العلاقات سواء الاقتصادية والسياسية بين الإمارات والمملكة المتحدة.
وشدد لـ «الاتحاد» على أن بريطانيا تسعى أن يكون لها علاقة خاصة ومتميزة مع دول مجلس التعاون الخليجي، مشيراً إلى أن العلاقة بين الإمارات وبريطانيا تأخذ منحى جديداً مختلفاً يقوم على تعزيز الشراكة الاستراتيجية الموجودة بالفعل في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية.
وأشار سمير إلى أن بريطانيا تسعى لشراكات جديدة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، مضيفاً أنها في الوقت ذاته تدرك الدور الرائد لدولة الإمارات وأهميتها الاستراتيجية باعتبارها قوة إقليمية رسخت مكانتها طوال الخمسين عاماً الماضية.
وأضاف خبير العلاقات الدولية إلى أن العلاقات البريطانية الإماراتية تشهد حالة من الاحترام المتبادل، وتطوراً كبيراً على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية، موضحاً أن الإمارات دولة نشطة دبلوماسياً، وتتميز بسياسة خارجية تدعم الاستقرار والسلام في المنطقة، وهو ما أكسبها مكانة عالمية ودوراً كبيراً في المنطقة.
مكافحة الإرهاب
من جانبها، شددت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتورة نهى أبو بكر، على أهمية الشراكة الاستراتيجية بين دولة الإمارات والمملكة المتحدة، عبر تنسيق الرؤى وتوحيد الجهود في مجال مكافحة الإرهاب ودعم القضايا الدولية المشتركة، لافتة إلى أن دولة الإمارات ضمن التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب وحققت نجاحات كبيرة في هذا الإطار.
وأوضحت لـ«الاتحاد» أن العلاقات بين البلدين قوية وهناك العديد من الملفات المشتركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، مضيفة أن بريطانيا عضو دائم في مجلس الأمن والتواصل معها بصورة مستمرة له أهمية كبيرة.
وأشارت أستاذ العلوم السياسية أيضاً إلى الملفات الاقتصادية المشتركة وسعي الدولتين لدعم التعاون في هذا المجال، إضافة إلى التعاون المشترك في التكنولوجيا وعلوم الفضاء، وهو ما يحتاج إلى تبادل خبراء البحث العلمي بينهما.
مصالح جيوسياسية
وفي هذه الأثناء، استعرض القائد السابق للقوات البريطانية في أفغانستان الكولونيل المتقاعد، ريتشارد كيمب، في مقال نشره الموقع الإلكتروني لمعهد «جيتستون» للأبحاث والدراسات، جانباً من المصالح الاقتصادية المشتركة التي تجمع الجانبين الإماراتي والبريطاني، قائلاً: إن الإمارات هي الشريك التجاري الأكبر للمملكة المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، بينما تشكل بريطانيا ثالث أكبر شريك للإمارات في مجال التجارة غير النفطية.
وتمثل المملكة المتحدة إحدى كبريات الجهات المُستثمرة في دولة الإمارات، التي تمتلك بدورها العديد من الاستثمارات الكبرى في بريطانيا.
واختار كيمب لمقاله عنوان: «العلاقة الخاصة الأخرى: بريطانيا ودولة الإمارات العربية المتحدة». وشدد كيمب على أهمية المصالح الجيوسياسية التي تجمع بين الإمارات وبريطانيا منذ عقود، مؤكداً أن التبعات التي تشهدها الساحة الدولية لما يجري في أفغانستان، تجعل التحالف بين الإمارات وبريطانيا ذا أهمية متزايدة.
وأشاد بدور الإمارات في مكافحة تمويل الإرهاب وحملات الدعاية المتطرفة، بما في ذلك تلك التي يُستخدم فيها الإنترنت، مؤكداً الريادة العالمية للدولة على هذا الصعيد.
تفرّد
يشير الدكتور سعيد أبو عمود أستاذ العلوم السياسية إلى أن الإمارات متفردة في علاقاتها الثنائية مع الدول الغربية، وفي مقدمتها بريطانيا كواحدة من أكبر الدول تأثيراً على مستوى العالم في القرارات التي تتعلق بالمنطقة بشكل عام، موضحاً أن البلدين تجمعها علاقات وطيدة منذ بداية الألفية الثالثة.
وأضاف أبو عمود لـ«الاتحاد» أن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى بريطانيا تتناول بشكل رئيس تنسيق المواقف بين الطرفين، خصوصاً بعد الأحداث الأخيرة في أفغانستان، مشيراً إلى أن الإمارات تنجح دائماً في استخدام أدواتها الدبلوماسية.
ويقيم أكثر من 200.000 مواطن بريطاني في دولة الإمارات، ويزور حوالي 50 ألف مواطن إماراتي المملكة المتحدة كل عام. وتسير الخطوط الجوية البريطانية، وطيران الاتحاد، وطيران الإمارات ما يقرب من 170 رحلة أسبوعياً بين البلدين، فيما يزور أكثر من مليون بريطاني الإمارات سنوياً.
كما أن بريطانيا ممثلة تمثيلاً جيداً في قطاع الخدمات، ولا سيما في قطاع الخدمات المالية والقانونية وغيرها من الخدمات المهنية، إذ تشكل مئات الشركات البريطانية حضوراً في دولة الإمارات، وتعتبر الإمارات مستثمراً كبيراً في الاقتصاد البريطاني، وهو ما يساعد في خلق وظائف، ويساهم في تحقيق النمو على المدى الطويل.