حسام عبدالنبي (دبي)
أجمع خبراء اقتصاديون على توافر المقومات التي تمكن دولة الإمارات من استكمال بناء الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم، حيث اتخذت الدولة قبل سنوات خطوات فعالة تجعلها مهيأة ومستعدة للانطلاق لتحقيق هذا الهدف.
وقالوا إن الوصول إلى هدف بناء الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم هو أمر ممكن خلال الفترة المقبلة، محددين عدداً من الخطوات المطلوبة مثل توفير الدعم والمحفزات والتسهيلات كافة للقطاع الخاص باعتباره شريكاً في التنمية، وزيادة التركيز على الاستثمار في القطاعات الإنتاجية التي تمثل قيمة مضافة من دون النظر فقط إلى الاستثمار في القطاعات التي توفر ربحاً مادياً سريعاً، إضافة إلى زيادة الاهتمام بتطوير العنصر البشري وتأهيله وإكسابه الخبرات اللازمة، مع ملاحقة التطورات الخاصة بالثورة الرقمية مع زيادة تبني التقنيات المبتكرة في العملية الإنتاجية من أجل زيادة الكفاءة وتقليل التكلفة.
واتفق الخبراء على أهمية دور جميع مؤسسات الدولة في كافة تخصصاتها وعبر مستوياتها الاتحادية والمحلية لتحقيق حلم الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم، مطالبين بالتنسيق والتكامل فيما بينها لتحقيق هذا الهدف مع اعتبار ذلك الأمر ضرورة حتمية يجب تبنيها وإدراك أهميتها.
وأكد الخبراء أن قوة الاقتصاد هي الضمانة الحقيقية لمستقبل أي دولة، ولتحقيق ذلك ينبغي العمل وفق خطط قوية وطموحة وواعدة، مدعومة بالشغف والإنجاز، مشيرين إلى أن أهم الأولويات التي ينبغي تبنيها تكمن في العمل على ترسيخ بيئة اقتصادية تتسم بالعالمية وذلك بالاستفادة من السياسات والتشريعات في دولة الإمارات التي تراعي التنمية الاقتصادية.
وينص المبدأ الثاني من «مبادئ الخمسين» على التركيز بشكل كامل خلال الفترة المقبلة على بناء الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم، وأن التنمية الاقتصادية للدولة هي المصلحة الوطنية الأعلى، وجميع مؤسسات الدولة في كافة تخصصاتها وعبر مستوياتها الاتحادية والمحلية ستكون مسؤوليتها بناء أفضل بيئة اقتصادية عالمية والحفاظ على المكتسبات التي تم تحقيقها خلال الخمسين عاماً السابقة.
الاستعداد للانطلاق
وتفصيلاً قال الدكتور حبيب الملا، رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لشركة «بيكر مكنزي حبيب الملا» إنه بداية يجب أن ندرك أن دولة الإمارات عندما وضعت مبادئ وثيقة الخمسين لم تكن تبدأ من الصفر لتحقيق هذه الأهداف، ولكنها ستقوم باستكمال العمل الذي بدأته قبل سنوات طويلة مضت، مؤكداً أن الدولة وضعت الأسس والقواعد ووفرت البنية التحتية والتشريعية وكافة العوامل التي تجعلها مهيأة للانطلاق بعد الوصول إلى مرحلة النضج، ومن ثم تحقيق جميع أهداف وثيقة الخمسين بما في ذلك بناء الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم.
وأوضح الملا، أن الوصول إلى هدف الاقتصاد الأفضل عالمياً له عدة متطلبات ومن أهمها تشجيع القطاع الخاص الذي سيقود الطريق إلى تحقيق هذا الهدف عبر توفير كافة أوجه الدعم والتسهيلات كشريك في التنمية، داعياً إلى توفير المزيد من المحفزات للقطاع الخاص في الدولة مثل تحديث البنية التشريعية وسرعة الفصل في القضايا وتخفيف المنافسة الحكومية في بعض القطاعات إلى جانب ضرورة الاستماع وتلبية مقترحات الأعضاء في منظمات الأعمال مثل غرف التجارة ودوائر التنمية الاقتصادية وغيرها حتى يصل القطاع الخاص للقيام بعمله على الوجه الأمثل.
وأشار الملا، إلى أن تمكين الاقتصاد الوطني من المنافسة عالمياً، والوصول إلى هدف الاقتصاد الأفضل يستوجب كذلك تحديث البنية التشريعية، معرباً عن يقينه بأن دولة الإمارات ستطلق قريباً المزيد من الخطوات التي يتم بموجبها تحديث البنية التشريعية وتطوير التشريعات الاقتصادية والتجارية في إطار تحقيق أهداف وثيقة الخمسين.
ورداً على سؤال عن دور مؤسسات الدولة المختلفة في بناء أفضل بيئة اقتصادية عالمية، أفاد الملا، بأن جميع المؤسسات في كافة تخصصاتها وعبر مستوياتها الاتحادية والمحلية مطالبة بالتنسيق والتكامل فيما بينها لتحقيق هذا الهدف مع اعتبار ذلك الأمر ضرورة حتمية يجب تبنيها وإدراك أهميتها.
متطلبات
وقال الدكتور أحمد بن حسن الشيخ، رئيس مجلس إدارة مركز دبي للتحكيم الدولي، وعضو مجلس إدارة سلطة مركز دبي المالي العالمي، إن بناء الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم هو أمر ممكن خلال الفترة المقبلة، ولكن هناك عدداً من المتطلبات لتحقيق ذلك، أولها تغيير نمط الفكر الاستثماري بمعني عدم التركيز فقط على الاستثمار في القطاعات التي تولد أرباح نقدية سريعة خلال فترة تراوح بين 12 إلى 18 شهراً مثل البناء والتشييد وغير ذلك، مطالباً بزيادة الاهتمام بالاستثمار في قطاع الصناعة واتخاذ الأساليب الصحيحة لدعم وإدارة هذا القطاع، وعدم النظر له على أنه من القطاعات التي تتطلب استثمارات طويلة الأجل من دون النظر إلى القيمة المضافة الناتجة عنه والتي تتضمن جلب عملات صعبة تفيد اقتصاد الدولة عند التصدير إلى الخارج وتشغيل أيدي عاملة ومن ثم إنتاج كوادر وطنية مؤهلة.
وأضاف الشيخ، أنه من المهم أيضاً مواكبة المتغيرات التي يشهدها الاقتصاد العالمي من حيث الثورة الرقمية التي تقود القطاعات الإنتاجية كافة، مشدداً على ضرورة أن تواكب طريقة الإنتاج التطورات الرقمية في العملية الإنتاجية بحيث تزداد كفاءة العملية الإنتاجية ويقل الاعتماد على توظيف العمالة الزائدة.
وأشار الشيخ، إلى أن الوصول إلى هدف الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم، يتطلب أيضاً النظر إلى نوعية المشاريع الاستثمارية التي تحقق مردوداً عالياً من حيث القيمة المضافة إذ أن هناك استثمارات في قطاعات يكون لها مردود عال جداً، في حين أن بعض القطاعات قد تنتج سلعاً منخفضة المردود.
وخلال حديثه لـ«الاتحاد» ذكر الشيخ، أن مؤسسات الدولة في كافة تخصصاتها وعبر مستوياتها الاتحادية والمحلية يمكنها اتخاذ دور القيادة لبناء أفضل بيئة اقتصادية عالمية وذلك بما يتوافر لديها من معلومات وبيانات.
وشرح ذلك بالقول إن مؤسسات الدولة يمكنها توفير دراسات جدوى للمستثمرين الجدد سواء من داخل أو خارج الدولة عن القطاعات الاستثمارية ونوعية المشاريع المطلوبة التي تحقق قيمة مضافة لاقتصاد الإمارات، منوهاً بضرورة توجيه المستثمرين الجدد ومطالبتهم بالابتعاد عن المشاريع والاستثمارات المتكررة التي تعاني من المنافسة الشديدة.
تضافر الجهود
وقال عبدالله بالهول، الرئيس التنفيذي للشؤون التجارية في «دبي القابضة لإدارة الأصول»، إن الخطط الاستراتيجية لحكومة دولة الإمارات (والتي تم وضعها قبل سنوات) أرست أساساً متيناً لبناء اقتصاد متنوع ومستدام، يستوعب بكل مرونة القطاعات الحيوية والتكنولوجية المتقدمة والتي من شأنها أن تشكل نواة لمستقبل اقتصادي أكثر ازدهاراً، مؤكداً أن الاهتمام ببناء العنصر البشري يفتح المجال أمام عقول مبتكرة ومبدعة تواكب المتغيرات العالمية المتسارعة على مستوى الفكر والإنجاز، ويمكنها خلق حلول تستبق التحديات المستقبلية وقادرة على ترجمة مستهدفات وثيقة مبادئ الخمسين واقعاً ملموساً.
وأضاف أن مبادئ وثيقة الخمسين بشكل عام ترسم خريطة الطريق لمستقبل الدولة بعد 50 عاماً، ومن هذا المنطلق، فإن المرحلة المقبلة تتطلب تضافر جهود الدولة ومؤسساتها للعمل على تحقيق الخطوط العريضة للأهداف الاستراتيجية ودعم طموحات الدولة في المضي قدماً نحو المستقبل بخطى ثابتة وواثقة وتأكيد ريادتها العالمية، مطالباً بزيادة التركيز على تبني أدوات متطورة لمواكبة متطلبات المستقبل، وتوجيه الخطط نحو مسارات تمكن من ترسيخ ثقافة الابتكار والإبداع في العمل وخلق البيئة التي تسهم في تعزيز إنتاجية كوادرها، وتنمية وتطوير مواردها.
ضمانة حقيقية
وأكد بالهول أن قوة الاقتصاد هي الضمانة الحقيقية لمستقبل أي دولة، ولتحقيق ذلك ينبغي العمل وفق خطط قوية وطموحة وواعدة، مدعومة بالشغف والإنجاز. وأشار إلى أن أهم الأولويات التي ينبغي علينا تبنيها تكمن في العمل على ترسيخ بيئة اقتصادية تتسم بالعالمية، وذلك بالاستفادة من السياسات والتشريعات في دولة الإمارات التي تراعي التنمية الاقتصادية باعتبارها حجر الزاوية لضمان رفاه المجتمع الإماراتي وتطوره، داعياً إلى تعزيز التحول الرقمي وتبني التقنيات المبتكرة والاهتمام بتطوير العنصر البشري وتنمية مهاراته وقدراته بشكل يواكب المتغيرات التي يشهدها العالم، والحفاظ على المكتسبات والبناء عليها لترسيخ دولة الإمارات وجهة مفضلة للعيش والعمل للملايين من دول العالم كافة.
الشراكة مع المستثمرين
وقال حسين القمزي، الخبير المالي والاقتصادي، إن الاقتصاد مهم للعديد من المجالات التي تهم المجتمع وهو الذي يساعد في تحسين مستويات المعيشة وجعل الدولة مكانًا أفضل للحياة، وهنا تبرز أهمية المبدأ الثاني من مشاريع الخمسين والذي يعكس وضوح الرؤية السياسية للقيادة الإماراتية.
وأضاف أن النمو الاقتصادي يُقاس من خلال زيادة الناتج المحلي الإجمالي، والذي يُعرَّف بأنه القيمة المُجمَّعة لجميع السلع والخدمات المُنتَجة داخل بلد ما في السنة، وتساهم العديد من القوى في هذا النمو الاقتصادي وأهم دوافع هذا النمو وجود الشراكة والتعاون بين الحكومة والمستثمرين ورؤية الحكومة لدورها في تعزيز أهداف الناتج الإجمالي للدولة، مؤكداً أن الوصول إلى الاقتصاد الأفضل والأنشط عالمياً وتحقيق النمو المثالي للاقتصاد يعتمد على خلق البيئة السليمة أولاً وهي البنية القانونية العادلة ذات الشفافية ثم تبسيط وتسهيل الإجراءات للمستثمرين وكذلك توحيد هذه الإجراءات قدر الإمكان على مستوى الدولة بحيث يمكن أداء الأعمال والصفقات بكل سهولة وسلاسة من أي مكان في الإمارات.
أمثلة
أشار القمزي إلى أن هناك الكثير من الأمثلة حول العالم نستطيع أن نقتدي بها لبناء أفضل بيئة اقتصادية عالمية، ولكن يجب أن نبدأ ببناء دور مهم للأبحاث والدراسات المحلية لبيئتنا الاقتصادية بمعنى توفير المعلومة والإحصاءات والاستفادة منها وتحويلها إلى قرارات تقود المستقبل، منبهاً أن إطلاق مؤسسات بحثية ومؤشرات اقتصادية وأرقام دورية تعكس بصدق الأداء السوقي هي إحدى ركائز البنية التحتية للاقتصاد الناجح.
وتابع القمزي: «ومن المهم أيضاً العودة إلى تقوية منظومة التعليم وإعادة تركيزها لإعداد جيل تنافسي قوي في مجالات الاقتصاد الحديثة حيث إن وجود تخصصات في الرقمية وسلاسل التوريد اللوجستية والأمن السيبراني للأعمال هي بعض الأمثلة على ذلك، مختتماً بالتأكيد على أهمية تقوية ثقافة وصحافة الأعمال والاقتصاد بالدولة لتعكس منحى الدولة المستقبلي.