تقول حكمة صينية قديمة: «إذا ‎ أردت ‎ استِباق ‎ الأزمات ‎ ضع ‎ الحلول ‎ المفترضة ‎ لها ‎ قبل ‎ وقوعها»، وفي إسقاط لما تحمله من معانٍ على التحديات التي يفرضها علينا التغير المناخي، نجد أن هذا التحدي الأكثر خطورة على مستقبل كوكب الأرض دائماً ما يسبقنا بخطوة أو بخطوات، ما يتطلب منا المبادرة الدائمة لتوسيع خطى عملنا من أجل المناخ لنضمن مستقبل أفضل للأجيال الحالية والمقبلة.
ففي الوقت الذي شهد فيه العام الجاري تسارعاً في جهود مواجهة هذا التحدي من اعتماد توجه التعافي الأخضر، والتوسع في تحول الطاقة، وعقد فعاليات دولية تستهدف تحفيز العمل المناخي إقليمياً وعالمياً مثل حوار أبوظبي للمناخ، وقمة القادة للمناخ، واستعداد العالم لمؤتمر دول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ «COP 26» في نوفمبر المقبل، شهدنا في المقابل ارتفاعاً غير مسبوق في درجات الحرارة - بسبب تأثيرات الاحتباس الحراري -في دول أوروبا وأميركا الشمالية، والذي أودى بحياة العشرات وتسبب في العديد من حرائق الغابات في الولايات المتحدة وكندا وكولومبيا.
وبحسب تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) تم تصنيف العام 2020 على أنه من أحر ثلاثة أعوام مسجلة على الإطلاق، وتتوقع المنظمة أن تستمر وتيرة تسجيل ارتفاع درجات الحرارة في مناطق لم تكن تشهد هذه الموجات الحارة من قبل، عازية السبب إلى تبعات تغير المناخ.
هذه الأزمات والتحديات تعيدنا إلى الحكمة الصينية التي تربط القدرة على التغلب على الأزمات بضرورة اتخاذ خطوات ومبادرات استباقية لخفض تأثيراتها والتكيف معها في المقام الأول والتغلب عليها لاحقاً.
هذا العمل الاستباقي - الطوعي - شكل لب النموذج الإماراتي منذ بدء دولة الإمارات مسيرتها للعمل من أجل المناخ مطلع تسعينيات القرن الماضي مع انضمامها لاتفاقية فيينا لحماية الأوزون، وصولاً إلى إعلانها عن تقدمها بطلب لاستضافة مؤتمر دول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ «COP 28» في 2023.
وعلى مدار 3 عقود سجلت مسيرة دولة الإمارات العديد من الجهود والإنجازات والإعلانات التي تعزز وتحفز - محلياً وإقليمياً وعالمياً - وتيرة العمل من أجل خفض حدة تداعيات التغير المناخي وتعزيز قدرات التكيف معها.
إنجازات وجهود تقوم على مبدأ تحويل كافة التحديات إلى فرص نمو، وتضع حماية البيئة والعمل من أجل المناخ في مقدمة أولوياتها، من تبني التحول نحو الاقتصاد الأخضر، والاقتصاد الدائري، ونشر واستخدام حلول الطاقة النظيفة، ودمج العمل المناخي في الاستراتيجيات المستقبلية لكافة القطاعات.
ستعمل دولة الإمارات عبر طلبها لاستضافة «كوب 28» على نقل خبرات وتجارب مسيرتها الممتدة لـ 30 عاماً إلى المجتمع الدولي ككل لتحفز وتيرة عمله لضمان استمرارية الحياة على كوكب الأرض، وتعزز قدرته على إيجاد مستقبل أفضل للأجيال الحالية والمقبلة.
وعلى قدر ضخامة فعاليات «كوب» وما تعتزم الإمارات طرحه وتحفيزه خلالها، إلا أنها ستمثل خطوة ضمن استراتيجية عمل متكاملة لدولة نفطية في الأساس قررت طوعياً الالتزام والمساهمة بقوة في حماية حياة البشر وضمان استمراريتها، فباتت تقود المنطقة في العمل المناخي، وستشهد الفترات المقبلة المزيد من الإعلانات والمبادرات الهامة التي تؤكد على مدى التزامها الطوعي بحماية بيئتنا وكوكبنا وخفض حدة كافة المسببات التي تهدد استدامته، وعلى رأسها الانبعاثات التي تقف كمسبب رئيس في تغير المناخ.
هذه الجهود تتطلب من مكونات المجتمع كافة بتطوير استراتيجياتهم المستقبلية بما يواكب الرؤية الاستشرافية لقيادتنا الرشيدة، ويحقق دمجاً فعالاً للعمل المناخي، ويعزز خفض مسببات التغير المناخي في كافة الخطط والمبادرات والمشاريع المستقبلية، لنعزز معاً تنافسية دولتنا ونحقق أولويات التنمية الاقتصادية المستدامة، ونضمن إيجاد مستقبل أفضل للأجيال الحالية والمقبلة.