مصطفى عبد العظيم (دبي)

بعيداً عن صخب المدن وضوضائها، تبدو قرية حتّا، واحة غنّاء، تزهو بعبق التاريخ وجمال الطبيعة، تسحر الباحثين عن الهدوء، وتجذب عشاق المغامرات، وتستقطب عشاق الرياضة ومحبي التخييم، والراغبين في قضاء أوقات ممتعة أثناء حصاد العسل في حديقة النحل، وهواة ركوب الدراجات الجبلية في «حتا وادي هب».
وتشتهر هذه القرية الهادئة الواقعة فوق قمم الجبال، على بعد 115 كيلومتراً جنوب شرق دبي، بحصن حتا القديم، ومنحدراتها الوعرة، وينابيعها ووديانها الغنية بمزارع النخيل، وتتميز بأرضها الخصبة، ومناخها المعتدل والأفلاج التي أُعيد ترميمها، وهي أنظمة الريّ التي عزّزت سابقاً قطاع الزراعة والفلاحة، حيث كان أهالي المنطقة يعتمدون في الماضي على زراعة أشجار النخيل.

ولا تزال الزراعة تحتل مكانة مهمة في حتا، حيث يوجد نحو 550 مزرعة بمساحة 140 كيلومتراً مربعاً، تشكل ما نسبته 10 % من مساحة المنطقة الكلية، وتضم المنطقة كذلك محميات طبيعية غنية بالطيور والحيوانات البرية.
وتتميز منطقة حتا بوديان اشتهرت بجريانها طيلة أيام الشتاء، وشكلت أساساً للحياة في المنطقة، حيث كانت مياه الوديان وما تغذيه من آبار جوفية وينابيع أساساً للزراعة في المنطقة، فيما ساعدت السدود التي تم تأسيسها في حفظ المياه واتساع الرقعة الخضراء، وتتوافر المياه حالياً طيلة السنة في الوديان التي تحتضنها الجبال ومع توافرها ترتدي المنطقة حلة خضراء بهية.
ويعتبر سدّ حتا اليوم واحداً من أبرز المعالم السياحية في المنطقة، ويمكن للزوار الاستمتاع بالمنظر الرائع والتوقف عنده لالتقاط أجمل الصور.
وتتمتع حتا بجو معتدل بفضل المرتفعات الجبلية المجاورة والتي يتراوح ارتفاعها بين 800 إلى 1600 متر، وتحتوي على تشكيلات صخرية قديمة ذات أشكال مميزة.

قرية تراثية
وفي قلب حتا النابض بالحياة، تقع قرية حتا التراثية، إحدى أقدم القرى الإماراتية الموجودة في دبي، والتي رُممت لتوفر أجواء المجتمع المحلي العريق ولتأخذ الزوار في رحلة عبر مئات السنين، وتتيح لهم التفاعل مع الثقافة الإماراتية.
وتضم القرية «المجلس»، الذي يعتبر مركز التواصل الاجتماعي في المنطقة، حيث يجتمع السكان المحليون والزوار معاً لتبادل المعرفة والاطلاع على تاريخ حتّا.
وجاء افتتاح القرية التراثية عام 2001 ليعيد إحياء تراث حتا المتجسد في الأكواخ التقليدية والمباني التي تحولت إلى ما يشبه متحفاً مفتوحاً يشرح مناحي الحياة المختلفة في القرية القديمة. كما أُضيفت متاجر متنوعة لبيع المشغولات الفنية والمصنوعات المحلية وعسل حتّا، بالإضافة إلى متجر تراثي ومطعم محلي يحمل اسم «الحجرين».
ويعود بناء الحصون في المنطقة إلى العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر ويُعدّ حصن حتا أحد أبرز النصب الهندسية في دولة الإمارات، ويمثل مركزاً سكنياً ودفاعياً في الوقت ذاته، حيث يشمل فناءً داخلياً فسيحاً وبرج مراقبة.
وجرى تشييد المبنى، الذي أُعيد ترميمه في عام 1995، باستخدام الصخور الجبلية والطوب الأخضر، في حين بُني السقف باستخدام سعف النخيل، والجذوع والطين. وشهدت ثمانينيات القرن التاسع عشر بناء برجيّ المراقبة المواجهين للقرية الجبلية لتوفير الحماية لأهل المنطقة. ويرتفع البرجان حتى 2.5 متر عن سطح الأرض، وعادة ما كان يقوم الجنود بالتسلق للوصول إلى البرج، ومن ثم الدخول إليه عبر باب صغير يؤدي إلى السطح.
وتحتفل المنطقة التاريخية في حتا بالعديد من المناسبات والفعاليات من بينها اليوم الوطني ويوم العلم ومهرجان دبي للتسوق.
ويشكل موسم فعاليات منتجعات حتّا و«حتّا وادي هب»، أحد أشهر وجهات المغامرات الخارجية الصديقة للبيئية في الإمارات العربية المتحدة، وقد انطلقت دورته الثالثة في أكتوبر الماضي، وأصبح منصة فريدة توفر للضيوف تجربة حقيقية استثنائية، تتيح لهم الابتعاد عن صخب المدن والاستمتاع بجمال الطبيعة وسط الجبال، وتمنحهم فرصة ممارسة أشكال مختلفة من المغامرات في الهواء الطلق والأماكن المفتوحة بأسلوب مبتكر وفريد ومختلف عن أي تجربة محلية أُخرى، ويستمر الموسم الجديد حتى نهاية أبريل المقبل.. وتوفر منتجعات حتّا و«حتّا وادي هب» مجموعة واسعة من الأنشطة والمغامرات، بدءاً من رحلات التخييم، إلى مسارات المشي والدراجات الجبلية والتجديف بالكاياك، فضلاً عن استكشاف تراث مدينة حتّا الغني والتعرف أكثر على الثقافة الإماراتية الأصيلة، ما يستقطب بشكل كبير الباحثين عن التشويق ومحبي الطبيعة والعائلات ومحبي قضاء العطلات في وجهات استثنائية.

صداقة البيئة
تحتضن منتجعات حتّا أول تجارب المقطورات الفندقية الجبلية الصديقة للبيئة في الإمارات ضمن اثنين من أماكن الإقامة المميزة، وهما «حتّا سدر تريلرز ريزورت» و«حتّا دماني لودجز ريزورت»، وقد صُمِّما لتوفير ملاذ مثالي للمهتمين بقضاء العطلات في أحضان الطبيعة.
ويمكن للزوار أيضاً الاستمتاع بمغامرة التخييم تحت النجوم في مركز الأنشطة الرئيس «حتّا وادي هب»، حيث يمكنهم إحضار الخيام الخاصة بهم والتخييم، أو إحضار المقطورة «الكرفان» الخاص بهم للتخييم خلال أيام الأسبوع والعطلات مقابل رسوم.
ويقدم «حتّا وادي هب» مجموعة متنوعة من الأنشطة التي تناسب جميع عشاّق المغامرة على اختلاف أذواقهم، من التدريب على الدراجات الجبلية وتأجيرها، إلى عربات المنحدرات الجبلية والقفز على الترامبولين.

4 مسارات للمشي  
تتوافر في المنطقة مسارات المشي الجبلية التي تمتد بطول إجمالي يصل إلى 32.6 كيلومتر، وهي متاحة للضيوف مجاناً، وجميعها مفتوحة طوال العام، ما يمنح الزوار فرصة فريدة للاستمتاع بجمال جبال حتّا وهدوئها عن قرب، وتبدأ هذه المسارات من «حتّا وادي هب»، وتشمل أربعة مسارات بألوان مختلفة، مع مستويات صعوبة مخصصة لفئات متنوعة من المستكشفين، من المبتدئين حتى محترفي المشي والجري على الطرقات الوعرة.
وبألوانها الأخضر والأزرق والأحمر والأسود، تترج المسارات من الأسهل إلى الأصعب، وتشكل المسارات الجديدة أطول مسارات المشي الجبلية في دولة الإمارات.

300 ألف زائر
تقع منتجعات حتّا و«حتّا وادي هب» في أكبر المتنزهات الطبيعية الوطنية في دبي وتحيط بها جبال الحجر الساحرة، وقد استقطبت أكثر من 300 ألف زائر من أكثر من 120 جنسية حتى الآن منذ افتتاحها للزوار في عام 2018.