إبراهيم سليم (أبوظبي)
تواصلت أعمال الملتقى السنوي السابع من «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» الذي يعقد تحت رعاية سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، وبرئاسة معالي الشيخ عبدالله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم رئيس «مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي»، رئيس المجلس العلمي الأعلى لجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية. وتركزت فعاليات اليوم الثاني من المنتدى، الذي يعقد افتراضياً عبر تقنية الاتصال المرئي عن بُعد تحت عنوان «قيم ما بعد كورونا: التضامن وروح ركاب السفينة»، على أربعة موضوعات رئيسية، هي: «فقه الطوارئ»، و«العولمة والدولة الوطنية»، و«جوائح وليست جائحة»، و«الجائحة الصامتة - الصحة النفسية والعقلية»، تحدث فيها نحو عشرين مفكراً وباحثاً ومتخصصاً في هذه القضايا. وعقدت الجلسة الأولى تحت عنوان «فقه الطوارئ»، برئاسة الدكتور عمر الحبتور الدرعي، عضو «مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي»، وتحدث الدكتور أحمد الحداد، عضو «مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي»، فقال: إن «كوفيد - 19» اجتاح العالم كله، وقد صنفته منظمة الصحة العالمية بأنه جائحة تركت آثارها على كل مجالات الحياة، ولكن موضوعنا سيقتصر على جانب الحجوزات في الفنادق والنقل، وهي على ست صور.
أما الأولى، فهي العقود من دون دفع مبالغ مقدماً، فيكون بالإمكان التراجع عنها في النوازل والجوائح، والثانية هي ما صحب العقد تقديم دفعة من قيمته، فيمكن فسخه، ويتوجب رد الدفعة لصاحبها، وفق فقه السلف؛ لأنه لم يستفد من الخدمة المتفق عليها، أما الثالثة، مثل شراء التذاكر ولم يسافر، فمن حقه استرداد ما دفعه؛ لأنه لم يستفد من العقد، أما الرابعة، وهي إذا كان قد استخدم جزءاً من الخدمة، مثل الذهاب من دون إياب، فلكل جزء ثمن، ولا يحق للشركة التي تقدم الخدمة أكثر من ذلك. والخامسة التي تتم فيها الاستفادة من العقد، بالنسبة للشركة، ولم يستفد منه المتعاقد أو دافع المال مثل، دفع أقساط المدارس، فالمدرسة استفادت، والطلبة لم يستفيدوا، فيتوجب إعادة المبلغ كاملاً، ولا يعفيه من ذلك حتى عجزه بسبب «الجائحة»، فإن ذلك يؤجله وليس أكثر، وفي حالة أن المدرسة واصلت التعليم عن بُعد، مستغنية عن تقديم خدمة النقل والوجبات الغذائية، إن وجدت، فيجب إعادة النظر بالعقد، أما السادسة وهي المدة المفتوحة في العقد، فلا يحق للمستفيد التراجع إلا بالتراضي.
الالتزامات التعاقدية
وتحدث المستشار الدكتور إبراهيم عبيد آل علي، عضو «مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي»، عن موضوع الالتزامات التعاقدية التي تأثرت بالجائحة، وأشار إلى أن دولة الإمارات أصدرت حزمة من التشريعات في مجال المعاملات المدنية، وبخاصة ما اصطلح على تسميته، نظرية الظروف الطارئة، ونظرية القوة القاهرة، ففي الأولى لا يجوز نقض العقد إلا بالتراضي، واستثنى المشرع الإماراتي الطوارئ غير المتوقعة، التي يصبح الالتزام فيها مرهقاً. أما في نظرية القوة القاهرة، التي يصبح الالتزام في العقود مستحيلاً، فيلحظ القانون إذا ما تنفذ جزء من الالتزام، ويميز بين الحؤول دون الشاري والمبيع. والسؤال هو، إلى أي حد يعتبر «كورونا» ضمن خصوصية الظروف القاهرة التي تجيز إلغاء العقد؟
فأجاب بأن الأصل في ذلك هو اعتبار المرض من الظروف القاهرة، ولكن بكل الأحوال يعود البت في ذلك للسلطة التقديرية، أي القاضي، ليقدر مدى الضرر الذي ألحقته «الجائحة»، ولكنه أشار إلى إمكانية اعتبار آثار «كورونا المباشرة»، ضمن الظروف القاهرة، حسب المفهوم القانوني والشرعي، وبخاصة إذا حال دون تنفيذ العقود بشكل جذري.
فقه السلف
وتحدث فضيلة أبو بكر إمام، القاضي في محكمة الاستئناف الشرعية - نيجيريا، فقال: إن للأحوال العادية أحكامها، كما للنوازل أحكامها، ولا ينبغي لأهل العلم سد الأبواب بذرائع عدم وجود قرائن في فقه السلف، فالواجب استنباط الأحكام، بما يتناسب مع الواقع؛ لأن الشرع الإسلامي غني بالفروع والأصول، بحيث يتيح الاستنباط، بما يتواءم مع الأوضاع المستجدة. فالدين يسر، والشريعة ترجع في أصولها إلى حفظ مصالح العباد. أما هدرها أو ضياعها، فليس من الشريعة.
كما تحدث فضيلة الشيخ عبدالله ولد اعل سالم، عضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم، وقال: «إن (كورونا) فرض أموراً ووقائع غير معهودة، ما يستدعي استنباط الأحكام الفقهية المناسبة»، مؤكداً أن «الجائحة» أظهرت العجز البشري، وهو ضعف أصيل في الإنسان «وخلق الإنسان ضعيفاً»، ما يعني أن نولي العناية الكاملة بمكونات كوكب الأرض، أي ساكنته من كل الأجناس. فكيف يتردد الإنسان بالتعاون مع أخيه الإنسان.
وفي ختام الجلسة، تحدث فضيلة السيد عبدالله فدعق، عضو مجلس حكماء المسلمين، فقال: «إن المشرع راعى الجانب النفسي في المكلفين، في إطار تحقيق الصلاح في جوانب النفس للقيام بالواجبات المطلوبة. وقدم مقاربة، حول ما إذا كانت تأثيرات (كورونا) تشمل المعاملات الأسرية بالمعنى القانوني أو القضائي، مثل العجز في النفقات وغير ذلك»، فقال: «يمكن معالجة هذه المسائل بحدود تأكيد الضرر، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها»، وخلص إلى ضرورة مراعاة الجانب النفسي.
الجلسة الثانية
أما في الجلسة الثانية التي عقدت تحت عنوان «العولمة والدولة الوطنية»، برئاسة الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، وتحدث خلالها الدكتور حسن أوريد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الرباط، فقال: إن العالم يعيش أزمة اقتصادية، ليس فقط من حيث نسبة النمو أو تراجع المبادلات أو الانكماش، وإنما من حيث غياب أنموذج فكري أو «براديم»، من جهة، وانحراف الاقتصاد نفسه عن الغاية المتوخاة منه، وهي أن يكون في خدمة الإنسان والمجتمعات. وقال أوريد: إن «النيوليبرالية» استندت على النتائج العملية، لما حققته على أرض الواقع، لجهة وفرة للسلع بأسعار منخفضة، وفق النماذج الآسيوية الأربعة «تايوان، سنغافورة، هونج كونج، وكوريا الجنوبية»، حيث أصبحت «بروفة» للنجاح، يقدمها صندوق النقد والبنك الدوليان، إلا أن النتيجة أن الحوت الكبير يلتهم الصغير، ما أفضى إلى اختلالات بيّنَة، في أرجاء عدة، واعتُبر ذلك ضريبة العلاج بالصدمة وحالة مرحلية. أفضت تلك الوصفات في بعض دول آسيا الشرقية إلى اضطرابات اجتماعية، كما في إندونيسيا، أو انهيار مالي جراء انخفاض العملة الوطنية «البيسو»، كما في المكسيك. وأخيراً، انفجرت الفقاعة مع الأزمة المالية لسنة 2008 واضعة حداً للفورة اللاعقلانية، وتبدّى أن العولمة السعيدة أسطورة. وما لبثت تداعيات الأزمة أن عصفت بكثير من الاقتصادات النامية. وأفضت إلى توتر اجتماعي، واضطراب سياسي وغشاوة فكرية. وأشار إلى أن أزمة «كورونا» أعادت إلى الواجهة مخلفات أزمة 2008.
تركي الدخيل: المحرضون على العنف والقتل لا يمثلون ثقافتنا
أكد السفير تركي بن عبدالله الدخيل، سفير المملكة العربية السعودية في الإمارات، أن جماعات الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، تتبنى فكرة منافاة ومجافاة ورفض فكرة الدولة، وهجر المجتمع وكراهيته وتكفيره - والتي تقوم عليها الدول أساساً، «والتي تقوم على مجتمع متصالح أفراده»، - وقد حافظت هذه الجماعات بشقيها السني والشيعي، على النفور الدائم من الوطنية والوطن والمواطن، وعلى إحساس مستمر على أن المجتمع الذي تعيش فيه مجتمع جاهل، وبالتالي مجتمع كافر، ويجب أن يفاصل، ويجب أن يكفر، كما يقول منظّر الإخوان الأبرز سيد قطب، لهذه الفكرة، وصل الهوس بسيد قطب إلى تحريض الابن على أبيه، وهو ما شاهدناه من جرائم ارتكبتها «داعش»، وعلى منافاة المجتمع، وتكفير الدولة وكراهية من تعيش معهم. وقال الدخيل: إن المسلمين عاشوا قلقاً على دينهم وهويتهم منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي قام بها محسوبون علينا من أبناء جلدتنا، وقاد الحدث الكارثي الكثيرين إلى بناء صور نمطية خاطئة عنا وعن دينننا وثقافتنا وإنسانيتنا، واضطر العديد من الأمة الإسلامية للوقوف موقف الدفاع، وتلقي نظرات الخوف والاحتقار، تلك التي تتحدث بعبارات دون أن تنطق، فتقول نظراتهم ها هم أهل الإرهاب، ها هم هؤلاء الذين يجزون الأعناق، ويتقربون إلى ربهم بجز الرؤوس، يتخيلون أننا نحمل سلاحاً أو خنجراً، أو قنبلة. وتساءل الدخيل من الذي يفهم أن هؤلاء الإرهابيين يهددوننا أكثر مما يهددون العالم، يتحينون الفرص لقتلنا قبل غيرنا، يريدون هدم دولنا قبل دول الآخرين، وعند الحديث عن الإسلامويين والدولة، نتحدث في فترة صعبة في زمن يدافع كل واحد منا عن ديننا، وأن الإسلامويين «أرباب الإسلام السياسي» هؤلاء الذين اختطفوا الدين وحرضوا على العنف والقتل، لا يمثلون ثقافتنا ولا يعكسون قيمنا الأصلية.
صورة الدولة
قدم الدكتور ياسر قنصوه، ورقة بعنوان «الدولة الوطنية - المواطن في حضرة السيادة»، وقال: «إن صورة الدولة بوصفها الوحدة الاجتماعية الأكبر والأشمل التي تمارس الضبط، تدفعنا إلى وجوب الوعي بعناصر ثلاثة، هي: مجموعة المشكلات الخاصة بالاجتماع والشرعية، ومعنى هذا كيف يمكن الحصول على الإجماع بالنسبة لنظام سياسي في ظل التنوع والاختلاف للجماعات الصغيرة التي يتكون منها المجتمع، وما يتعلق بالمشاركة السياسية والتمثيل النيابي في ضوء متغيرات عرقية، دينية، طبقية».
كما تحدث رحمن شيشتي، عضو مجلس النواب البريطاني، وروبرت ويكسلر، رئيس مركز إس. دانيال أبراهام للسلام في الشرق الأوسط - الولايات المتحدة، عن موضوع «مفارقات العولمة والحاجة إلى التعاون الدولي». كذلك تحدث في الجلسة الثانية كل من جيرالد أربويت، باحث في مركز دراسة الهويات والعلاقات الدولية في فرنسا، راميش صديقي، مؤلف كتاب «وجه الإسلام»، عن موضوع «أهمية الدولة الوطنية وسبل تعزيز مكانتها». أما الجلسة الأخيرة التي عقدت تحت عنوان «جوائح وليست جائحة واحدة»، برئاسة وليام فندلي الأمين الفخري السابق لمنظمة «أديان من أجل السلام»، الأميركية، ومن جهتها، تحدثت الدكتورة روث فاليريو، مديرة الحملة العالمية والتأثير في وكالة التنمية البريطانية «تيرفند»، عن موضوع «البيئة والتغير المناخي»
وفي ختام جلسة الأخيرة من اليوم الثاني، تحدث الدكتور عمر الحمادي- المتحدث باسم وزارة الصحة، وخولة حسن، المستشارة في مجلس الشريعة الإسلامية في بريطانيا، عن موضوع «الجائحة الصامتة - الصحة النفسية والعقلية».