شروق عوض (دبي)
 
لطالما كانت البيئة على رأس أولويات دولة الإمارات وجزءاً من إرثها الحضاري، وللمحافظة عليها وتنميتها، أنشأت الأطر المؤسسية والتشريعية، ونفذت العديد من المبادرات والمشاريع الناجحة، الأمر الذي انعكس بالإيجاب على تحقيق الإنجازات المتفردة في مجالات القطاع البيئي كافة الذي ظلّ نابضاً في قلب مسيرة التنمية على مدار العقود الخمسة الماضية «رؤية الإمارات 2021»، وسيبقى كذلك خلال العقود الخمسة القادمة «مئوية الإمارات 2071»، عبر تحويل التحديات ذات العلاقة إلى فرص تنموية مبنية على رؤى مستقبلية.
ترتكز الرؤى المستقبلية للقطاع البيئي على تنفيذ توجهات الدولة الخاصة بتعزيز أمن واستدامة وسلامة الغذاء ورفع معدلات الاكتفاء الذاتي، ومواصلة العمل من أجل المناخ والبيئة والحفاظ على مواردها الطبيعية وتنوعها البيولوجي، وذلك من خلال تكثيف العمل على زيادة عدد الأسواق المعتمد استيراد المنتجات والسلع الغذائية منها، وتحقيق أعلى معدلات حماية للصحة العامة، وتعزيز ريادة الدولة مركزاً رئيساً لتجارة المواد الغذائية عالمياً، والعمل على تعزيز دورها الريادي في جهودها من أجل المناخ عالمياً، وتحفيز الاستثمار في طاقة المستقبل والتقنيات الخضراء، وتعزيز قدرات مؤسساتها على التكيف مع تداعيات التغير المناخي وغيرها الكثير.

وقال سلطان علوان، وكيل وزارة التغير المناخي والبيئة بالوكالة لـ «الاتحاد»، رغم تسارع وتيرة نهضة دولة الإمارات في مدى زمني قصير وما رافقها من زيادة سكانية، نتيجة استضافة الملايين من العمالة الوافدة، ما أفرز ضغوطاً بيئية حادة، كاستنزاف موارد المياه الجوفية والثروات المائية والحية وغيرها، إلا أنّ الدولة ومن خلال وزارة التغير المناخي والبيئة، بوصفها الجهة الاتحادية المكلفة بتنفيذ توجهاتها الخاصة بالقطاع البيئي، عملت على الحد من تلك الضغوط ومعالجة أثرها وإسقاطاتها السلبية بأقصى سرعة ممكنة، انطلاقاً من وعيها وإدراكها لأهمية بقاء الاعتبارات البيئية وحماية الموارد محوراً وركيزة أساسية للتنمية الشاملة في الدولة، وخير دليل على ذلك المنجزات المتفردة التي حققها القطاع البيئي كجزء لا يتجزّأ من النهضة التنموية الشاملة التي حققتها الإمارات خلال فترة زمنية قصيرة، قلما شهد تاريخ التنمية مثيلاً لها، وأصبحت بفضلها نموذجاً تنموياً يحتذى به، وظلّت في صميمها ركيزة أساسية على مدى عقود.
 وأضاف: إنّ الدولة تجني اليوم ثمار تلك الجهود في هذا القطاع الحيوي قبيل الاحتفال بيوبيلها الذهبي، ضامنة لها مكانة مرموقة بين الدول الأكثر قدرة على استشراف المستقبل ومواجهة التحديات وتحقيق الإنجازات المتفردة، إتماماً لرسالتها المتمثلة بالعمل الدؤوب لحماية البيئة والمحافظة على مواردها وتنميتها واستثمارها بكفاءة لضمان استدامتها، وتحقيق أهدافها المتمثلة بتعزيز الصحة البيئية والتحول إلى الاقتصاد الأخضر واستدامة النظم الطبيعية، وتعزيز التنوع الغذائي، وضمان استدامته، والحد من تداعيات التغير المناخي بما يدعم أولويات التنمية الاقتصادية فيها، وتعزيز تنفيذ التشريعات البيئية، وترسيخ ثقافة الابتكار في بيئة العمل المؤسسي، وضمان تقديم الخدمات كافة، وفق معايير الجودة والكفاءة والشفافية.
 وأشار إلى أن الدولة شهدت، خلال العقد الأخير من القرن العشرين، حراكاً بيئياً واسعاً تزامن مع بدء مرحلة جديدة من التنمية الشاملة، وجاء إنشاء «الهيئة الاتحادية للبيئة» في 1993 ليؤكد التزامها بالمحافظة على البيئة، ويعزز السياسات والتدابير الرامية لاستدامة التنمية، وبحلول الألفية الثالثة كانت قد طوّرت إطاراً تشريعياً ومؤسسياً متنامياً، حيث شهدت هذه الفترة صدور العديد من التشريعات والاستراتيجيات والخطط الوطنية للعمل البيئي وتأسيس العديد من الهيئات والأجهزة المعنية بالأمر والجمعيات ذات النفع العام، ورفع مستويات هذا الوعي بالممارسات البيئية المستدامة وغيرها الكثير.

رؤية مستقبلية
تعتمد رؤية وزارة التغير المناخي والبيئة المستقبلية على توجهين رئيسيين، الأول تعزيز أمن واستدامة وسلامة الغذاء ورفع معدلات الاكتفاء الذاتي، والثاني يرتكز على مواصلة وتعزيز مسيرة الدولة في العمل من أجل المناخ والبيئة والحفاظ على مواردها الطبيعية وتنوعها البيولوجي وضمان استدامتهما، حيث يعتمد التوجه الأول على مجموعة محاور، منها دعم وتطوير الإنتاج الزراعي والحيواني المحلي عبر توظيف التقنيات والنظم الحديثة، وتحفيز حركة الاستثمار في المشاريع الزراعية الحديثة، ما يضمن زيادة هذا الإنتاج ورفع كفاءته وتنافسيته، والعمل في الوقت نفسه على خفض معدلات هدر الغذاء تحقيقاً لمنظومة الإنتاج والاستهلاك المستدامين، وضمان مرونة واستمرارية سلاسل توريد الغذاء، حيث ستعمل الوزارة على زيادة عدد الأسواق المعتمد استيراد المنتجات والسلع الغذائية منها، وتحقيق أعلى معدلات حماية للصحة العامة، وتعزيز ريادة الدولة كمركز رئيس لتجارة المواد الغذائية إقليمياً في المقام الأول وعالمياً في مرحلة لاحقة، وتوفير أقصى درجات الثقة والأمان في سلامة الغذاء المتداول محلياً والمستورد والمعاد تصديره.
أما التوجه الثاني ضمن رؤية الوزارة المستقبلية، فيرتكز على مجموعة من محاور العمل من أجل المناخ والبيئة والتنوع البيولوجي، وتشمل محور التغير المناخي والذي ستعمل عبره على تعزيز المكانة والدور الريادي للدولة في جهود العمل من أجل المناخ عالمياً، وستحفز عمليات الاستثمار في طاقة المستقبل والتقنيات الخضراء، كما ستعزز قدرات كافة مؤسسات وجهات الدولة على التكيف مع تداعيات التغير المناخي.
 وتستهدف الوزارة، عبر التعاون مع شركائها الاستراتيجيين، تعزيز منظومة الاقتصاد الأزرق بهدف زيادة النمو الاقتصادي المحلي وحماية البيئة البحرية وضمان استدامة مواردها وتنوعها البيولوجي في آن واحد، كما سيتم العمل عبر العديد من البرامج والمشاريع على ضمان الحفاظ على التنوع البيولوجي المحلي، وضمان استدامة النظم الطبيعية، والتوسع في برامج الإكثار وحماية الأنواع المهددة بالانقراض.

ريادة زراعية 
تجلت الإنجازات التي حققها مجال الزراعة، في إصدار العديد من التشريعات التي ساهمت في تعزيز الأمن الغذائي والحيوي وريادة تجارة الأعمال الزراعية، ودعم ونشر حلول الزراعة المستدامة الحديثة والتي ساهمت في ارتفاع أعداد المَزارع المائية والعمودية والعضوية في الدولة، وإطلاق مبادرات الزراعة المجتمعية التي عززت مشاركة فئات المجتمع كافة في عمليات الزراعة على اختلاف أماكنها ومساحتها، وتعزيز قدرات بعض المزارع وزيادة دخلها المالي عبر إضافة محور جديد في المشروع الوطني للسياحة البيئية «كنوز الطبيعة في الإمارات» ويختص بالسياحة الزراعية، حيث تمت إضافة ما يزيد على 25 مزرعة كمناطق سياحة بيئية، بالإضافة إلى تعزيز تسويق المنتجات الزراعية المحلية من خلال مذكرات تفاهم مع منافذ البيع بمردود تعدى 86 مليون درهم لعام 2019، وفي مجال الزراعة العضوية تعدت المساحة 4.867 هكتارا، في حين بلغت مساحة الزراعة المائية في الإمارات الشمالية 1170 دونماً.
ومن الإنجازات التي حققها المجال الزراعي أيضاً، تنفيذ العديد من الأبحاث الابتكارية بالتعاون مع مؤسسات دولية، مثل بحوث زراعة أنواع معينة من الأرز تلائم طبيعة الدولة، والذي يعتبر إنجازاً بحثياً مميزاً نتيجة النجاح بإنتاج نوعين من محاصيل الأرز في مركز أبحاث الذيد التابع للوزارة، وبدأ التجهيز للمرحلة التجريبية الثانية للزراعة، وتنفيذ مشروع «البرجيل الأخضر» الذي يهدف إلى اختبار قدرة الطحالب المحلية على إنتاج مغذيات غنية لإنتاج محاصيل غذائية، بالإضافة إلى إطلاق نظام الإبلاغ المبكر للأمن البيولوجي والذي يساهم في الحد من الآفات الزراعية وأضرارها واستدامة الإنتاج المحلي، وتنفيذ مبادرة نخيلنا التي تستهدف حوالي 8800 مزرعة لمكافحة أهم آفات النخيل وعلى رأسها سوسة النخيل الحمراء.
 وفي الجانب الإرشادي تم إطلاق منظومة إرشادية إلكترونية متكاملة، كمبادرة لبناء قدرات المزارعين في كافة جوانب الإنتاج النباتي، وفي مجال الجراد الصحراوي تم إعداد واعتماد خطة وطنية لمكافحة الجراد بالتعاون مع الجهات المحلية، وفي إطار الرقابة على المنتجات المستوردة تم تطوير الإجراءات والفحوص المخبرية الخاصة، فيما يتعلق بمتبقيات المبيدات وبما يتوافق مع معايير دستور الغذاء العالمي، وتطوير جهود البحث العلمي وتكييف التقنيات الحديثة مع ظروف الدولة وتوظيف التقنيات الحديثة في زراعة نخيل التمر، وفي مجال دعم المزارعين تم تقديم مستلزمات الإنتاج والتي تشمل حوالي 40 مادة، وتنفيذ مبادرة خاصة بخفض الفاقد والمهدر من الغذاء من خلال التعاون مع المنشآت المشاركة في تعهد الاستدامة لخفض هدر الغذاء في قطاع الضيافة، والعمل على استدامة إمدادات الغذاء خلال فترة جائحة فيروس كورونا المستجد «كورونا - 19». 

جودة الهواء 
توزعت الإنجازات المتفردة التي حققها القطاع البيئي في الدولة طيلة السنوات الماضية على العديد من مجالاته، مثل «جودة الهواء، الحد من آثار التغير المناخي، الزراعة، الموارد المائية، الثروة الحيوانية، التنوع البيولوجي والبيئة البحرية»، حيث تمثلت إنجازات مجال جودة الهواء المتفردة في مباشرة القياس الفعلي لمؤشر الجودة في 2014، وتوظيف الذكاء الاصطناعي في مراقبة ورصد جودة الهواء خلال 2016، وتطوير «خوارزميات ونماذج» للتنبؤ بجودة الهواء والغبار في 2017، ومراقبة التزام الأنشطة الصناعية المختلفة بالمعايير الوطنية، وتنفيذ دراسات تخصصية منها تقييم التأثير الصحي على البشر للمواد الجسيمية ذات القطر الأقل من 2.5 ميكرون، وتحديد مكونات المواد الجسيمية ومصادرها الطبيعية أو الناتجة عن الأنشطة البشرية في 2018، والاعتماد على الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء وتنفيذ مشروع لجرد الانبعاثات المؤثرة على جودة الهواء في 2019، وتنفيذ مشروع آخر لتقييم فعالية محطات الرصد ومواقعها الجغرافية في 2020، بالإضافة إلى إجراء دراسة تخصصية لتقييم أثر الإجراءات الاحترازية لجائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد - 19» على جودة الهواء في 2020، وإطلاق منصة إلكترونية وطنية لرصد جودة الهواء في عام 2020.

الثروة الحيوانية 
تمثلت الإنجازات المتفردة التي حققها مجال الثروة الحيوانية في تنظيم عملية الاستغلال التجاري للثروة الحيوانية، وتطبيق مبادئ الإدارة المتكاملة لحمايتها، وتطوير آليات ومعايير التفتيش والمراقبة في المزارع المحلية والمنافذ الحدودية، وتطوير البرامج الداعمة للحصول على الاعتمادات العالمية للمختبرات البيطرية، وتوفير خدمات الإرشاد البيطري والعلاج، وتطوير منظومة التشخيص المخبري للأمراض، والسماح لتصدير منتجات حليب النوق إلى دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى زيادة عدد رؤوس الماشية المحلية «الضأن، الماعز، الأبقار والجمال»، من (4.985.912) رأساً في 2017 إلى (5.066.991) رأساً في 2018.
 وفيما يخص حركة استيراد الماشية، فقد شهد إجمالي رؤوس الحيوانات الحية التي تم استيرادها خلال الشهور الـ 10 الأولى من العام الجاري للذبح، نمواً كبيراً مقارنة بالعام الماضي كاملاً، حيث بلغ عدد رؤوس الأغنام التي تم استيرادها 747 ألفاً و191 رأساً خلال 2020 مقارنة مع 747 ألفاً و92 رأساً في 2019، وبلغ عدد رؤوس الأبقار التي تم استيرادها للذبح 23 ألفاً و693 رأساً خلال 2020 »حتى بداية نوفمبر الجاري»، مقارنة مع 3598 رأساً في 2019 كاملاً.

البيئة البحرية 
تمثلت الإنجازات المتفردة التي حققها مجال البيئة البحرية، في إنشاء برامج الرصد والمراقبة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، وإعادة إحياء مصائد الأسماك بـ 3200 كهف اصطناعي، واستزراع 24 نوعاً من الشعاب المرجانية، وزراعة 273 ألف شتلة «المانغروف» في مساحة 283 ألف متر مربع، وزراعة 20 ألفاً من الشعاب المرجانية على مساحة 2500 ألف متر مربع، ونشر 2805 من الشعاب الاصطناعية على مساحة 154 ألف متر مربع.
 كما يعد تصدُّر الإمارات لأفضل المؤشرات الدولية في قطاع البيئة، نتيجة حتمية لإنجازات متفردة حققتها على مستوى هذا القطاع طيلة السنوات الماضية، ومشاركتها الفاعلة في الانضمام إلى العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية متعددة الأطراف والمؤتمرات والملتقيات الدولية التي تعنى بالبيئة، إضافة إلى التكافل وتكامل الأدوار بين الجهات المحلية والاتحادية لتحقيق الأهداف المنشودة بمختلف التشريعات والاستراتيجيات التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بالبيئة ومجالاتها المختلفة، بما يؤهلها أن تكون ضمن أفضل الدول في العالم بحلول عام 2021، على محور البيئة المستدامة وبقية المحاور الأخرى التي ارتكزت عليها رؤيتها.
 
سعادة المتعاملين 
 قطعت وزارة التغير المناخي والبيئة شوطاً بارزاً في مضمار السعادة والإيجابية، حيث أطلقت خطة للسعادة والإيجابية على مستوى الوزارة تضمنت مشاريع ومبادرات تتمحور حول المتعاملين والموظفين والشركاء والمجتمع بمختلف الفئات، ويتم تطويرها بطرق مبتكرة وتقييمها بشكل دوري من خلال آلية تقييمية لمستوى السعادة داخل الوزارة وخارجها، وترتكز على أربعة محاور وهي محور قياس سعادة المتعاملين بعدة أدوات منها قياس مدى رضا المتعاملين عبر نظام لحظي يعبر من خلاله المتعامل عن مدى رضاه من الخدمة، ودراسة سعادة المتعاملين عبر مجالس سعادة مخصصة لهم، ومحور قياس سعادة الموظفين من خلال دراسة أسعد بيئة عمل، ومحور قياس سعادة الشركاء من خلال دراسة سعادة الشركاء، ومحور قياس اثر مستوى المبادرات المجتمعية من خلال دراسات تخصصية.

التنوع البيولوجي
تمثلت إنجازات مجال التنوع البيولوجي في ارتفاع عدد المحميات الطبيعية من 44 محمية خلال 2019 إلى 49 محمية في 2020، وارتفاع نسبة المساحة الإجمالية للمحميات من %15.07 خلال 2019 إلى %15.5 في 2020، وحماية الأنواع المهددة بالانقراض واستدامتها، ومكافحة الاتجار غير المشروع بالأنواع المهددة بالانقراض، بالإضافة إلى العمل على التنظيم والحد من الأنواع الغربية الغازية، كما تم تقيم ورصد ودراسة 1167 حيواناً متضمناً الثدييات والزواحف والأسماك الغضروفية والعظمية والشعاب المرجانية والبرمائيات، بالإضافة إلى النباتات المحلية المهددة بالانقراض وفق القائمة الحمراء للكائنات الحية المهددة بالانقراض التي تُعنى بتقييم ومراقبة وضع التنوع الحيوي على كوكب الأرض، وتدعم هذه القائمة مجموعة من المؤسسات الدولية على رأسها الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN)، وبشكل خاص هيئة بقاء الأنواع (SSC)، والمجلس العالمي للطيور وغيرها.