أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله» أن يوم الثاني من ديسمبر سيظل أعز أيامنا وأغلاها.. وقال: إنه اليوم الذي انتصرت فيه الحكمة والمبادئ والغايات الشريفة.. واليوم الذي جسد فيه آباؤنا المؤسسون قوة وكرامة وفضائل وخصال أبناء الإمارات.. وهو اليوم الذي توج كفاح أسلافنا وصمودهم ونجاحهم في الحفاظ على أرضنا».
 وأضاف سموه - في كلمة وجهها عبر مجلة «درع الوطن» بمناسبة اليوم الوطني الـ49: «غداً يدخل اتحادنا العام الخمسين من عمره المديد.. نتطلع إلى المستقبل بثقة وأمل، مسلحين برؤيتنا وخبراتنا وإنجازاتنا في بناء الإنسان والعمران، مدركين أن نجاحاتنا في العقود الماضية تحققت بالجهد والعرق والعزيمة.. وسنحتاج في العقود الخمسة المقبلة إلى مضاعفة هذا الجهد وزيادة الإنتاج وتعزيز القدرات، فالطموح أكبر، والتحدي أصعب، والمنافسة أشد، والتحولات حولنا أسرع وأعمق».
 وقال سموه: إن التقدم الذي أحرزته دولتنا يسعدنا ويملأنا بمشاعر الفخر والرضا لكنه لا يكفينا.. نريد تقدماً مماثلاً لأشقائنا العرب.. فكل نجاح يتحقق في بلد عربي يمثل قوة مضافة لصالح العالم العربي بأسره.
 وأضاف سموه: «اليوم وروح الاتحاد تسري في أرجاء وطننا 
ونفوس مواطنينا نستذكر بفخر واعتزاز والدنا ورمزنا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ورفيق دربه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وإخوانهما حكام الإمارات طيب الله ثراهم جميعاً، وأثابهم على ما قدموا لوطننا وشعبنا وأمتنا.. إن تراث آبائنا خالد وحي ما دامت على الأرض حياة.. يعيش فينا زارعاً روح الطموح والتفاؤل، ومحفزاً على الإنجاز، ومقوياً عزيمتنا في مواجهة التحديات، ودافعاً مسيرة وطننا إلى الأمام والمجد والعلا».
 وذكر سموه أنه منذ تأسيس دولتنا ونحن نسعى في دروب الخير لأمتنا.. كنا دائماً جزءاً من الإجماع العربي، وسعينا دائماً لوحدة الصف، وبادرنا لمساعدة كل من قصرت إمكانياته عن تلبية احتياجات التنمية في بلده.. وأطلقنا مبادرات تلو مبادرات لتمكين الشباب العربي معرفياً وعلمياً وإدارياً وثقافياً.. ووضعنا خبراتنا المكتسبة بتصرف أشقائنا وسنظل نسعى لرفعة نهوض عالمنا العربي، فنحن منه وهو منا وإذا لم تكن المشتركات العديدة بين دولنا العربية كافية لتعميق التعاون بين الدول العربية، فإن الجغرافيا وحدها تدعو إلى أعلى درجات التكامل والتنسيق، وتؤكد وحدة المصير ووحدة الأمن والاستقرار.
 وفيما يلي نص كلمة سموه..
«بسم الله الرحمن الرحيم..
أيها المواطنون والمواطنات الكرام..
السلام عليكم ورحمة الله بركاته..
أهنئكم بحلول الذكرى التاسعة والأربعين لتأسيس اتحادنا وقيام دولتنا.. وأتوجه معكم بالتهنئة لأخي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة القائد الأعلى للقوات المسلحة وولي عهده نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة أخي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وإخواني أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات، حفظهم الله جميعاً.
 اليوم وروح الاتحاد تسري في أرجاء وطننا ونفوس مواطنينا، نستذكر بفخر واعتزاز والدنا ورمزنا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ورفيق دربه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وإخوانهما حكام الإمارات طيب الله ثراهم جميعاً، وأثابهم على ما قدموا لوطننا وشعبنا وأمتنا.
إن تراث آبائنا خالد وحي ما دامت على الأرض حياة. يعيش فينا زارعاً روح الطموح والتفاؤل، ومحفزاً على الإنجاز، ومقوياً عزيمتنا في مواجهة التحديات، ودافعاً مسيرة وطننا إلى الأمام والمجد والعلا.
أيها المواطنون والمواطنات..
لقد كان هذا العام 2020 استثنائياً بما حفل به من مفاجآت وغموض وتحديات.. كان العام الذي وحد فيه القلق والتحسب، وأحياناً الذهول والخوف 7,7 مليار نسمة هم سكان المعمورة، فتأكدت وحدة مصير البشر كما لم تتأكد من قبل.
 فيروس مجهول متناهي الصغر أودى حتى الآن بحياة حوالي 1,4 مليون إنسان، وأصاب نحو 60 مليوناً، والأرقام في تصاعد.. وقلب الاقتصاد العالمي رأساً على عقب، وعرقل السفر وحركة الطيران وسلاسل إمداد الغذاء والدواء والسلع، وأربك عمل الحكومات والأسواق والشركات، وفرض إجراءات الحظر والإغلاق في كل مكان.
 كان عام الاختبار الصعب للدول، والامتحان الكاشف لجدارة حكوماتها، وفاعلية مؤسساتها، ونجاعة إجراءاتها، وكفاءة استعدادها لمواجهة الأوبئة والكوارث وما يترتب عليها.
 أحمد الله سبحانه وتعالى على نجاح دولتنا في هذا الاختبار بامتياز، وتفوق حكومتنا ومؤسساتنا واستعداداتنا لمكافحة الأوبئة والكوارث.. وهو تفوق شهد له العالم ومنظماته المتخصصة.
 ولم يأت هذا النجاح صدفة أو بضربة حظ فهو الابن الشرعي لنموذجنا الإماراتي الذي يحسن استشراف المستقبل ويضعه في قلب استراتيجياته وخططه، ويعد لكل أمر عدته، ويتحسب للطوارئ وكل الاحتمالات وأسوئها.. ويحرص على تمتع حكوماته ومؤسساته بالفاعلية والمرونة والقدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
 لقد ارتقى أداؤنا حكومة وشعباً إلى مستوى خطورة الجائحة.. استجاب مجتمعنا لإجراءات الوقاية كما يجب.. وخاضت مؤسساتنا المعنية حرباً على الجائحة.. ومكنتنا بنيتنا الصحية المتطورة بمنشآتها وتجهيزاتها وكوادرها من احتواء الجائحة وكبح انتشارها والحد من إصاباتها، فتبوأت بلادنا المركز الأول عالمياً في عدد الفحوص قياساً لعدد السكان، ونجحت في تحقيق مستهدفات رصد الإصابات ومتابعتها ونسبة التعافي.
 وإذ فرضت الجائحة على كثير من دول العالم إعادة النظر في نظمها الصحية، فإننا في الإمارات اتخذنا المبادرات الضرورية لدعم قطاعنا الصحي الذي نثق بكفاءته ونجاعته، ونعتز بتبوئه المرتبة الأولى عالمياً في سبعة مؤشرات صحية من بينها مدى تغطية الرعاية الصحية، وقلة المشاكل الصحية، ومدى وجود برامج وطنية للكشف المبكر.
 وعلى صعيد آخر، نجحنا في تأمين احتياجات مجتمعنا من الغذاء والدواء، وعززنا مخزونهما الاستراتيجي، وكنا أعددنا في وقت مبكر منظومة غذاء مستدامة، واستحدثنا قبل ثلاث سنوات وزارة الأمن الغذائي وأنشأنا «مجلس الإمارات للأمن الغذائي».
 ويظل هدفنا تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، ونتطلع إلى مضاعفة إنتاجنا الزراعي، وقد أنشأنا «المنصة الوطنية للاستدامة الزراعية» لخدمة هذا القطاع الحيوي وتوفير حلول تقنية لاحتياجاته.. كما نتطلع إلى تعزيز صناعاتنا الغذائية المتطورة التي تزيد استثماراتها على 62 مليار درهم لتستمر في النمو والتوسع.
أيها المواطنون والمواطنات..
 لقد غيرت الجائحة أنماط حياة البشر وطرق عملهم.. واستطعنا التكيف بسرعة ويسر مع الأنماط الجديدة.. أرست الحكومة نظام العمل عن بُعد ومارسته بنجاح.. وامتد النجاح إلى مؤسسات التعليم وشركات القطاع الخاص.
 والفضل في ذلك يعود لثلاثة أمور أولها فاعلية الحكومة ومرونتها وكفاءة كوادرها وقدرتهم على اتخاذ القرار بسرعة وحسم، وثانيها تحولنا المبكر منذ عقدين لحكومة إلكترونية، ثم تطويرها إلى حكومة ذكية.. وثالثها امتلاكنا بنية تحتية رقمية متطورة تضاهي أفضل الموجود في العالم.
 وهكذا تواصلت أعمالنا بوتائرها المعتادة، وأحياناً بوتائر أسرع، ومضينا قدماً في تنفيذ برامج عام الاستعداد للخمسين، وأعدنا هيكلة الحكومة باتجاه يحقق السرعة في اتخاذ القرار، ويعظم القدرة على مواكبة المتغيرات واغتنام الفرص المصاحبة لها، بما يعزز منجزات وطننا ومكتسباته.
 كما مضينا قدماً في تنفيذ مشاريعنا الاستراتيجية وفق البرامج الزمنية الموضوعة، فتم تشغيل محطة براكة النووية، وإطلاق مسبار الأمل والقمر الصناعي مزن سات، ودشنا مركز الأبحاث الطبية لتأهيل جيل جديد من الباحثين في المجال الطبي، وإنتاج لقاحات فعالة ضد الأوبئة، وإجراء بحوث تعنى بالأمراض المنتشرة في بلدنا.
 ولم تغير الجائحة ولا الجمود الاقتصادي العالمي من نهجنا في مساعدة الدول الأقل حظاً ودعم جهودها في مواجهة الجائحة.. وقد قدمت دولتنا مساعدات طبية وإغاثية لأكثر من مائة دولة، وأكدنا خلال مشاركتنا في قمة مجموعة العشرين التزام دولة الإمارات الكامل بمساندة كل جهد هدفه تحقيق مصلحة الإنسان أينما كان، ومعاونة البشرية على العبور إلى مرحلة جديدة عامرة بالأمل بعد التغلب على جائحة تسببت في عرقلة جهود التنمية العالمية.
 كما أكدنا أن العمل المشترك هو السبيل الأمثل لتخطي التحديات الراهنة وتجاوز تداعياتها السلبية، ودعونا إلى توحيد العزائم والإرادات لتمكين المجتمعات، لاسيما الأقل حظاً، من تجاوز هذه التحديات وتخطيها لتستطيع مواصلة التنمية وتلبية الحاجات الأساسية التي تضمن أبسط أشكال الحياة للإنسان. فقضايانا العالمية المشتركة مثل تمكين المرأة وتوفير الرعاية الصحية، وتغير المناخ، وتوفير تعليم منخفض التكلفة، ومواجهة قضايا الأمن الغذائي والمائي لا يمكن علاجها من دون أن تعمل دول المجموعة كيد واحدة وبعزيمة واحدة، وإرادة دولية موحدة.
أيها المواطنون والمواطنات..
 تعلمنا من آبائنا ومن خبراتنا أن تبني الأفكار وطرق العمل الجديدة، ليس أمراً صعباً، إنما الصعوبة تكمن دائماً في الخروج من الأفكار القديمة وطرق العمل المعتادة.
 فالناس عادة يطمئنون لما عرفوا وخبروا، ويتحسبون للجديد وربما يخافونه.. وكانت ثقتنا بشعبنا وثقة شعبنا بقيادته العامل الأهم في تجاوز هذه الصعوبة، وقد نجحنا بنهج التدرج في التوفيق بين تقاليدنا ومقتضيات التطوير والتحديث.
 وتعزز هذا النجاح بإنجازاتنا المشهودة والملموسة في كل مجالات حياتنا، فباتت مواكبة الجديد وتسخيره لخدمه التنمية والتقدم جزءاً أصيلاً في عملنا وتفكيرنا، ومكوناً ثابتاً في ثقافة مجتمعنا.. وهذا من أسرار تعاظم قوتنا الذاتية، وتميزنا في الأداء الحكومي، وتقدمنا في تنويع الاقتصاد، وتطوير الخدمات، وتجويد التعليم، وتحقيق التوازن بين الجنسين.
 هذه الثقة المتبادلة بين شعبنا وقيادته، ورسوخ ثقافة التغيير والتطوير ومواكبة الجديد في مجتمعنا، ستفتح لوطننا أبواب الأعوام الخمسين المقبلة على اتساعها، وستمكن شبابنا وشاباتنا وأجيالنا الصاعدة من تحقيق رؤيتنا لمئوية الإمارات، بأن تكون دولتنا في الصفوف الأولى بين دول العالم الأكثر تقدماً وازدهاراً.
 وبعد أقل من شهر يحل العام 2021، ونقترب أكثر من عيدنا الوطني الخمسين.. نريد أن يشهد العام 2021 الانطلاقة الكبرى للأعوام الخمسين المقبلة.. نريد أن تكون دولتنا الأكثر تميزاً والأفضل في نوعية الحياة.. وسنواصل تهيئة كل القطاعات لمرحلة ما بعد النفط، ببناء اقتصاد معرفي حقيقي أساسه الابتكار والإبداع والعلوم والتكنولوجيا الحديثة والاستثمار في العقول والكفاءات النوعية، وتعزيز منظومة القيم الحضارية القائمة على التسامح والانفتاح والتعايش وقبول الآخر، والحفاظ على تراثنا الوطني وعاداتنا وتقاليدنا الأصيلة، والتنافس عالمياً على الريادة، وتشييد القواعد القوية لاستدامة التنمية للأجيال القادمة.
 وفي هذا السياق تتابع اللجنة العليا للاستعداد للخمسين 
وفرق العمل المتخصصة العمل على مدار الساعة، وقد انضم إليهم المجتمع والقطاع الخاص وكل من لديه فكرة للمشاركة في تصميم المستقبل، وذلك تأكيداً لنهج المشاركة الراسخ في دولتنا منذ تأسيسها.
 وقد أنجز هذا الجهد الوطني المبارك مرئيات لكافة قطاعتنا الحيوية، وأسهم في تطوير التشريعات ذات الصلة، بما في ذلك تشريعات تدعم التنمية وتعزز محركاتها، وتقوي الاقتصاد وتفتح الأبواب لقطاعات اقتصادية جديدة، وتطور بيئة الأعمال وتحفز الاستثمار المباشر وتشجع الابتكار وتجذب العقول المتميزة في المجالات الحيوية المرتكزة على العلوم المتقدمة والتكنولوجيا والبحث والتطوير.
أيها المواطنون والمواطنات..
 إن التقدم الذي أحرزته دولتنا يسعدنا ويملأنا بمشاعر الفخر والرضى لكنه لا يكفينا.. نريد تقدماً مماثلاً لأشقائنا العرب.. فكل نجاح يتحقق في بلد عربي يمثل قوة مضافة لصالح العالم العربي بأسره.
 ومنذ تأسيس دولتنا ونحن نسعى في دروب الخير لأمتنا.. كنا دائماً جزءاً من الإجماع العربي، وسعينا دائماً لوحدة الصف، وبادرنا لمساعدة كل من قصرت إمكانياته عن تلبية احتياجات التنمية في بلده.. وأطلقنا مبادرات تلو مبادرات لتمكين الشباب العربي معرفياً وعلمياً وإدارياً وثقافياً.. ووضعنا خبراتنا المكتسبة بتصرف أشقائنا، وسنظل نسعى لرفعة نهوض عالمنا العربي، فنحن منه وهو منا، وإذا لم تكن المشتركات العديدة بين دولنا العربية كافية لتعميق التعاون بين الدول العربية، فإن الجغرافيا وحدها تدعو إلى أعلى درجات التكامل والتنسيق، وتؤكد وحدة المصير ووحدة الأمن والاستقرار.
 وعلى الرغم مما يزخر به العالم العربي من مشاكل وتحديات، وما تدهورت إليه الأوضاع في الدول العربية، فإن فرص النهوض والإصلاح متاحة دائماً لمن يمتلك الوعي والإرادة، ولعل الاضطراب الضخم والباهظ التكاليف الذي عاشته دول بذاتها قد وصل إلى مشارف نهاياته، وكما خلف خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، وجروحاً عميقة في النفوس، خلف أيضاً دروساً ثمينة من شأن استيعابها أن يسرع من عمليات إعادة البناء ومداواة الجراح.
 يحتاج عالمنا العربي أن يفكر بلغة ومعطيات العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، وأن يدرك عمق المتغيرات السياسية والاقتصادية والقيمية التي اجتاحت عالمنا في السنوات الأخيرة، وأن يستشرف المستقبل ويتعرف على محركات التنمية فيه، وأن يوقن يقيناً تاماً بأن الوسائل القديمة وأنماط العمل والتفكير القديمة لن تفضي إلى نتائج جديدة، بل ستعيد إنتاج القديم ومعظمه لا يسر ولا يبني تنمية مستدامة، ولا يصنع سلاماً ولا أمناً ولا استقراراً.
 لم يعد مقبولاً إلقاء مسؤولية الفشل على الغير وعلى المؤامرات والتدخلات الخارجية.. فمنذ قرون وإقليم الشرق الأوسط محل لاهتمام القوى الكبرى، وقد تعمق هذا الاهتمام بعد الحرب العالمية الأولى وزادت تأثيراته، مما جعل الأمن والاستقرار في الإقليم جزءاً من الأمن والاستقرار الدوليين.
هذه الحال ألقت بأثقالها على دول الإقليم، ووضعتها أمام أحد خيارين: إما استثمار هذا الاهتمام الدولي بما يعزز تنميتها وأمنها، أو ترك تأثيراته ومنافساته تتحكم في سياقات الأحداث وتطوراتها وسبل إدارتها.
 صحيح أن الوضع الدولي يتسم الآن بالغموض، وأن النظام الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة يحتاج إلى مزيد من الفاعلية، وأن التدافع يغلب على العلاقات بين الدول الكبرى، وأن ذلك كله ينعكس على إقليمنا ويعقد قضاياه ونزاعاته، ويصعب علاجها وإيجاد حلول لها.. لكن الصحيح أيضاً أن هذا الوضع ليس مبرراً لبقاء الإقليم في حال الانتظار للتطورات في الوضع الدولي، وليس مدعاة للقعود عن السعي الجاد لمعالجة قضايا الإقليم ومشاكله المزمنة، بخاصة وأن معظمها حجب وراءه حقوق الناس في التنمية والاستقرار والعيش الكريم.
 نحن في دولة الإمارات لا نعرف الانتظار ولا القعود ولا المراوحة في المكان.. لو انتظرنا لما أقمنا اتحادنا، ولما حققنا التنمية، ولما بنينا نموذجنا الإماراتي المتألق، ولما نجحنا في تعزيز مصادر قوتنا الذاتية، ولما وصلنا بدولتنا إلى مكانتها المرموقة والفاعلة والمحترمة في العالم بأسره.
 نحن نعمل ونبادر ونجتهد ونستشرف المستقبل ونعتمد التخطيط الاستراتيجي، ولا نقدم على أمر إلا بعد دراسة وافية، وتمحيص من كل الجوانب، وتحسب لكل الاحتمالات.
 وهذا ما مكننا من الإسهام الفعال في مكافحة التطرف والإرهاب، وفي إحباط مخططات تغيير هوية اليمن وانتمائه العربي، وفي بناء قنوات الحوار بين الثقافات، وإطلاق وثيقة الأخوة الإنسانية بمشاركة أكبر مرجعيتين دينيتين في الإسلام 
والمسيحية.
 وحين أبرمنا «الاتفاق الإبراهيمي» قدمنا لإقليمنا فرصة ثمينة لاختراق الجمود، وتحريك المياه الراكدة، وشق طرق تفضي إلى السلام والأمن والتعايش والتفرغ للتنمية.
 لقد أوقف الاتفاق قضم أراضي أشقائنا الفلسطينية وذكر العالم بقضيتهم العادلة بعد أن غيبتهما الأحداث والمستجدات، وفتح لهم أفقاً نحو حقوقهم المشروعة في دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
أيها المواطنون والمواطنات..
 في يومنا الوطني أحيي معكم ضباط وجنود قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية وأجهزة الحماية المدنية، وأجدد اعتزازي بدورهم الحيوي في صون حرية واستقلال وسيادة وأمن واستقرار وطننا، وتقديري لتضحياتهم ووفائهم للعهد والقسم، وتجسيدهم لقيم ومبادئ وطننا وشعبنا في العطاء والإيثار والولاء والانتماء.
 لقد أظهرت قواتنا المسلحة كفاءة وشجاعة في كل المهام التي كلفت بها، وسجلت على أرض اليمن الشقيق بطولات وأداء احترافياً أسهم في تحرير معظم أراضيه.. ونفذت إعادة انتشار استراتيجي بعد أداء مهمتها بنجاح وإسهامها في إعادة بناء القوات الشرعية اليمنية.
 كان اليمن محل اهتمام ورعاية دولتنا منذ تأسيسها، وسيظل كذلك، وتواصل دولتنا مساهماتها في الجهود الإنسانية لدعم الشعب اليمني، وإعادة إعمار بناه التحتية، كما تواصل مشاركتها في الجهود الدولية الساعية إلى حل سلمي يضع حداً للصراعات والانقسامات اليمنية.
 وأتوجه أيضاً بتحية حارة لجيشنا الأبيض وكتائبه من الأطباء والممرضين والفنيين والإداريين الذين أظهروا إخلاصاً وتفانياً، وخاطروا وتقدموا الصفوف لمكافحة جائحة كورونا وعلاج مصابيها.
 لقد قدم جيشنا الأبيض أبطالاً جدداً لوطننا نموذجهم الممرضة أسماء مزيود الشحي التي بادرت إلى قطع إجازتها الدراسية، وفارقت رضيعها، وعملت 12 ساعة في اليوم.
 في وطننا آلاف الرجال والنساء مثل أسماء.. ينتشرون في كل مواقع العمل، ينجزون ويبدعون، وينمون قدراتهم ومعارفهم ومهاراتهم، إنهم ثروتنا الأهم التي لا تنضب، وأبطالنا الذين لا يألون جهداً في سبيل رفعة وطنهم ورفاه وسعادة مواطنيهم.
أيها المواطنون والمواطنات..
 سيظل يوم الثاني من ديسمبر أعز أيامنا وأغلاها.. فهو اليوم الذي انتصرت فيه الحكمة والمبادئ والغايات الشريفة.. وهو اليوم الذي جسد فيه آباؤنا المؤسسون قوة وكرامة وفضائل وخصال أبناء الإمارات.. وهو اليوم الذي توج كفاح أسلافنا وصمودهم ونجاحهم في الحفاظ على أرضنا.
 غداً يدخل اتحادنا العام الخمسين من عمره المديد.. نتطلع إلى المستقبل بثقة وأمل، مسلحين برؤيتنا وخبراتنا وإنجازاتنا في بناء الإنسان والعمران، مدركين أن نجاحاتنا في العقود الماضية تحققت بالجهد والعرق والعزيمة.. وسنحتاج في العقود الخمسة المقبلة إلى مضاعفة هذا الجهد وزيادة الإنتاج وتعزيز القدرات، فالطموح أكبر، والتحدي أصعب، والمنافسة أشد، والتحولات حولنا أسرع وأعمق.
 أعدكم في مستهل عام اتحادنا الخمسين أن القادم سيكون أكثر جمالاً وبهاء، فرؤيتنا اتسعت، وخبراتنا تراكمت وتعمقت، وقدرتنا على مواجهة التحديات ومواكبة المتغيرات والتخطيط للمستقبل تضاعفت... والأهم من هذا وذاك أنتم أبناء وبنات الإمارات، بما عهدناه فيكم من عزيمة وإخلاص وكفاءة وتميز، وما عرفناه فيكم من حب لوطنكم وتفانٍ في خدمته.
كل يوم وطني وأنتم بخير. وعساكم من العائدين الغانمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.