د. عبد الله بلحيف النعيمي*

في التاسع من أكتوبر الجاري، سجلت قضية الأمن الغذائي انتصاراً عالمياً، عندما منحت لجنة «نوبل» جائزة نوبل للسلام لعام 2020 لبرنامج الغذاء العالمي، ما يعد دليلاً واضحاً على إدراك المجتمع الدولي للتحدي الذي تفرضه هذه القضية، وبالأخص مع تصاعد أزمة توافر الغذاء في ظل ما يشهده العالم من تفاقم لحدة التغير المناخي خلال السنوات الماضية.
ووفقاً لمؤتمر القمة العالمي للأغذية 1996، يُعرف الأمن الغذائي بأنه حالة يتمتع فيها جميع أفراد المجتمع في كافة الأوقات بإمكانية الحصول «الفعلي – والمقدرة الاقتصادية» على غذاء كافٍ  وآمن وذي قيمة صحية لتلبية احتياجاتهم، من أجل حياة نشطة وصحية.
وقياساً للوضع الحالي للكثير من المناطق على مستوى العالم، من الواضح أن العالم بعيد جداً عن تحقيق هذا الهدف.
وبحسب تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم (SOFI) الصادر مطلع 2020 -الذي يعده برنامج الغذاء العالمي، بالاشتراك مع منظمات دولية أخرى- هناك 690 مليون شخص تقريباً يعانون من الجوع في عام 2019. ويمثل هذا المعدل زيادة قدرها 10 ملايين عن عام 2018. وما يقارب 60 مليوناً في غضون خمس سنوات فحسب. 
ويتوقع التقرير أن يؤدي تفشي كوفيد -19 إلى دفع أكثر من 130 مليون شخص إلى الجوع المزمن بحلول نهاية العام الجاري.
لقد وضع الوباء سلسلة الإمدادات الغذائية العالمية على المحك، وكشف عن ثغرات في كل خطوات هذه السلسلة -من الإنتاج إلى التصنيع وحتى النقل بين الدول- والتي يجب أن تتم معالجتها إذا أردنا أن نكون مستعدين لحالة الطوارئ العالمية التالية. 
لذلك، فإن تحقيق أمن واستدامة الغذاء يتطلب المزيد من الاهتمام الآن أكثر من أي وقت مضى.
الجائزة التي استحقها برنامج الأغذية العالمي لم تأت من فراغ، فهو أكبر منظمة إنسانية في العالم تتعامل مع أزمة الغذاء العالمية، وأداة الأمم المتحدة الأساسية لتنفيذ هدف التنمية المستدامة 2: القضاء على الجوع، وفي عام 2019 وحده قدم مساعدات لما يقرب من 100 مليون شخص في 88 دولة.
لكن في ظل الأوضاع العالمية الحالية من الحالة الطارئة التي فرضها فيروس كورونا المستجد، والتصاعد في حدة تداعيات التغير المناخي، يجب الانتباه إلى أن مكافحة الجوع في العالم مهمة لا يستطيع برنامج الغذاء العالمي معالجتها بمفرده، فبالإضافة إلى المنظمات العالمية مثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد)، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، يجب على الحكومات في جميع أنحاء العالم أن تلعب دوراً رئيسياً في هذا الصدد، إذا أردنا حماية حياة الملايين حول العالم، وتحقيق هدف التنمية المستدامة رقم 2.
هنا في الإمارات، ساهمت رؤى القيادة الرشيدة المستشرقة للمستقبل، في إدراك خطورة تحدي أمن واستدامة الغذاء والعمل بخطوات واعية ومدروسة لمواجهته، حيث تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051، بهدف تعزيز قدرات إنتاج الغذاء محلياً وضمان استدامة ومرونة سلاسل التوريد العالمية، ما يضمن للمجتمع ككل الوصول إلى غذاء آمن وسليم وكاف على مدار العام.
تماشياً مع الاستراتيجية، نعمل عبر منظومة متكاملة تشمل جوانب عدة لتلبية الطلب المحلي على الغذاء وضمان استدامته، فمن جانب نعمل على تعزيز قدرات قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية محلياً، وتوظيف أحدث التقنيات العالمية، وتطبيق أحدث النظم. 
وتعمل وزارة التغير المناخي والبيئة، عبر تقديم دعم مادي وإرشادي، على تحفيز العاملين في القطاع الزراعي، لاعتماد وتطبيق نظم زراعية حديثة تضمن زيادة قدراتهم الإنتاجية وتعزيز نشاطهم التجاري، ما يحقق ربحاً مادياً لهم، ويساهم في تحقيق أمن واستدامة الغذاء.
وعبر شراكة ومتابعة دائمة مع مؤسسات القطاع الخاص، تعمل الوزارة على ضمان تسويق المنتج الزراعي المحلي في مراكز بيع التجزئة الكبرى على مستوى الدولة، مثل جمعية الاتحاد التعاونية، وكارفور، واللولو، وأسواق ومجموعة المايا، كما تنظم الوزارة وترعى وتشارك في المعارض المتخصصة للمنتجات الزراعية، أو المرتبطة بالإنتاج الزراعي، مثل معارض التمور والعسل وغيرها.
من ناحية أخرى، ولضمان استمرارية ومرونة سلاسل توريد الغذاء، تعمل الوزارة على زيادة أعداد الأسواق المعتمد استيراد السلع والمنتجات الغذائية منها، وتعزز سهولة ومرونة الإجراءات اللازمة للاستيراد، وفي الوقت ذاته وحرصاً على المساهمة في تعزيز الصحة العامة، عبر ضمان سلامة الغذاء، ترفع الوزارة من قدرات المختبرات ومراكز الفحص والحجر الصحي في كافة منافذ الدولة.
ودائماً ما يعتمد نموذج تعامل الإمارات مع كافة القضايا والتحديات على تعزيز وإبراز دور الابتكار في إيجاد حلول ملائمة، وفي مجال الأمن الغذائي تعزز وتدعم الدولة القدرات الابتكارية في هذا المجال، عبر العديد من الأحداث التي باتت منصات عالمية تستقطب المبتكرين ورواد الأعمال من كافة دول العالم ومنها جائزة زايد للاستدامة، وملتقى تبادل الابتكارات في مجال المناخ «كليكس» الذي تنظمه الوزارة بشكل سنوي، بالتزامن مع فعاليات القمة العالمية لطاقة المستقبل، بالإضافة إلى تحدي الابتكار «CovHack» الذي أطلقته الوزارة مؤخراً، بالتعاون مع العديد من مؤسسات القطاع الخاص والمنظمات العالمية.
تدرك دولة الإمارات منذ انطلاقها وحتى الآن، أن التعامل مع القضايا الإنسانية والتحديات المصيرية لا يمكن النجاح فيه بالعمل على المستويات المحلية فقط، بل يتطلب جهوداً دولية قائمة على التنسيق والتعاون الدائم والمتبادل والتسريع الدائم لوتيرة الإنجاز، وهذا ما حرصت عليه طوال مسيرتها خلال العقود الخمس الماضية. مع التزايد المستمر لأعداد البشر الذين يواجهون تحدي الجوع ونقص الغذاء، لم يعد التعاون وسرعة التحرك الدولي خياراً، بل أصبح أمراً حتمياً يجب العمل عليه لضمان تعزيز قدرة المجتمع الدولي على التعامل مع الأزمات التي تفرضها الحالات الطارئة والحفاظ على حياة البشر وضمان مستقبل مستدام للجميع.

*وزير التغير المناخي والبيئة