أكد المشاركون في المؤتمر الافتراضي «المقاصد العليا للسلم في الإسلام»، الذي نظمه المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، أمس السبت، أن قرار الحرب والسلم من السلطة الحصرية لولي الأمر، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يتدخل في تحديده أو القيام به أي أحد آخر غيره من داخل دولته أو من خارجها.
حضر المؤتمر عدد من القيادات الدينية والمفتين من جمهورية مصر العربية، وجنوب أفريقيا، وأستراليا، وروسيا، والسويد، وبريطانيا، واليونان، وسريلانكا، وكندا، وباكستان، والبوسنة والهرسك، والهند، والولايات المتحدة، وإستونيا، وغيرها.
وفي كلمته الافتتاحية للمؤتمر الافتراضي الذي حضره أكثر من 100 مشارك، قال معالي الدكتور علي راشد النعيمي، رئيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة.. إن موضوع السلم ذو أهمية كبرى، والتوعية بالفهم الصحيح لمفهوم السلم ومواجهة خطاب التطرف، وعلينا أن نكون فخورين بالدين وثوابته ومدركين للمتغيرات، بترسيخ إنسانية الدين.. موضحاً أنه حدثت تغييرات في طبيعة كل المجتمعات، وعندما نتحدث عن الإسلام، فهناك أكثر من 600 مليون مسلم يعيشون في دول غير مسلمة، يجب وضع مصالحهم في الاعتبار.
ودعا معاليه لتأسيس ثقافة تؤدي لمرجعية إسلامية تأصيلية صحيحة لمفهوم السلم، وتجنب عدم الفهم الصحيح لمفهوم السلم، أو لخطاب التطرف الذي استحوذ على الكثيرين باسم الإسلام، مؤكداً أن إسلامنا هو دين الرحمة والسلام، وضرورة تكرار الحديث عن ثوابت الدين، حتى لا تطغى الأصوات الشاذة، وتتحول إلى مرجعية للشباب المسلم.
من جانبه، شرح معالي الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف في جمهورية مصر العربية، كلمات السلم والسلام والإسلام، مؤكداً أنها تنتمي إلى جذر لغوي واحد هو مادة «سلم»، فأهم ما يميز هذا الجذر اللغوي هو معاني السلم والمسالمة، لأن الإسلام دين السلام، ونبينا نبي السلام، وتحية الإسلام والمسلمين السلام، والجنة دار السلام.
من جانبه، قال سعادة الدكتور محمد مطر الكعبي، رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، إن الأمان والسلام نعمتان عظيمتان وهما أساس في الحياة والتقدم والعمران، ومطلب ضروري لكل البشر، مؤكداً أن ديننا الحنيف جاء ليقيم العلاقات بين البشرية على قواعد متينة من العدل والسلام والارتقاء إلى مستوى التعارف والتعاون، فالسلام أساس الحياة والتقدم والإعمار، والحرب هي الاستثناء، وقد أمرنا ديننا لنشر السلم بين الناس.
وبعد المناقشات والبحوث المقدمة، خلص المؤتمرون إلى التوصيات التالية:
أولاً: السلم هو أصل وأساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم، وهو القاعدة التي تنطلق منها العلاقات الدولية في الإسلام، والحرب حدث طارئ، لا ينبغي أن يستمر أو يطول، ولابد من العودة للسلم لأن به تتحقق مصالح العباد والبلاد.
ثانياً: الأصل في تعامل المسلمين مع غيرهم أنهم دعاة سلام وتحيتهم السلام، وإعدادهم للقوة واستعدادهم بها لردع المعتدين وليس للقضاء عليهم، فدعوة القرآن لإعداد القوة «ترهبون به عدو الله وعدوكم» هي دعوة لمنع وقوع الحروب.
ثالثاً: يجب أن يعمل العلماء على إحلال الحوار بين الأديان والحضارات والثقافات والشعوب محل الاحتراب والاقتتال والتنافر، وأن تكون غاية دعوتهم وخطابهم الديني حقن الدماء، وحفظ مصالح الناس، وحماية الأوطان، وتحقيق السلم العالمي.
رابعاً: دعوة العلماء والمفكرين والباحثين إلى إعلاء مبدأ التسامح، والتعايش السلمي بين الأمم والشعوب، وصون كرامة الإنسان دون تمييز على أساس الدين أو الجنس أو العرق.
خامساً: التأكيد على ما جاء في وثيقة مكة المكرمة التي أقرها 1200 عالم وفقيه يمثلون جميع شعوب العالم الإسلامي ودوله في الخامس والعشرين من شهر رمضان المبارك 1440 هجرية، الموافق 30 مايو 2019م، والتي تمثل امتداداً وتأسياً بوثيقة المدينة التي أسس عليها النبي صلى الله عليه وسلم أول مجتمع مسلم متعدد الأديان والأعراق، ونؤكد هنا على البند الرابع في وثيقة مكة الذي ينص على.. «التنوع الديني والثقافي في المجتمعات الإنسانية لا يُبرر الصراع والصدام، بل يستدعي إقامة شراكة حضارية إيجابية، وتواصلاً فاعلاً يجعل من التنوع جسراً للحوار، والتفاهم، والتعاون لمصلحة الجميع، ويحفز على التنافس في خدمة الإنسان وإسعاده، والبحث عن المشتركات الجامعة، واستثمارها في بناء دولة المواطنة الشاملة، المبنية على القيم والعدل والحريات المشروعة، وتبادل الاحترام، ومحبة الخير للجميع.
سادساً: التأكيد على قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي حول زيارة الأقصى، في الفترة من: 2-5 جمادى الآخرة 1436هـ، الموافق:22-25 مارس 2015م، بخصوص مشروعية زيارة المسجد الأقصى باعتبارها من السياسة الشرعية المختصة بولي الأمر، والذي ينص على: «ويرى المجمع أن تقدير هذه المصالح يعود إلى المختصين من أولي الأمر والسياسة في بلاد المسلمين. ومن الضروري تذكير جميع المسلمين بأن: قضية القدس الشريف قضية الأمة بأجمعها، وأنه من الواجب نصرتها وتأييد أهلها وأهل فلسطين ودعمهم».
سابعاً: التأكيد على أن قواعد السياسة الشرعية عند المسلمين على مر التاريخ تحمل ولي الأمر مسؤولية من يدير شؤونهم، وعليه أن يقدر مصالحهم في الحال والاستقبال، وأن يتخذ من القرارات والتصرفات ما يحافظ على مصالحهم، ويحفظ أمنهم واستقرارهم ورفاهيتهم.
ثامناً: التأكيد على ما استقرت عليه الممارسات السياسية على مر التاريخ الإسلامي؛ وما أُسست عليه قواعد ومناهج السياسة الشرعية، وما يسير عليه القانون الدولي المعاصر من أن قرار الحرب والسلم هو من السلطة الحصرية لولي الأمر، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يتدخل في تحديده أو القيام به أي أحد آخر غيره من داخل دولته أو من خارجها، وهذا ما يُعرف في العالم المعاصر بمفهوم السيادة الوطنية.
وفي نهاية المؤتمر، وجّه المشاركون برقية شكر وعرفان لدولة الإمارات العربية المتحدة، وقيادتها الحكيمة، وجهودها المستمرة في خدمة البشرية، والدعوة لها ولشعبها بدوام السلم والسلام، راجين من المولى أن يرفع عنها وسائر البلاد وباء كورونا. كما توجهوا بالشكر للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، لسعيه الدائم لخدمة قضايا المجتمعات المسلمة والحفاظ على ديمومة التواصل مع ممثليه.
مؤتمر «المقاصد العليا للسلم في الإسلام» يدعو للتسامح بين الأمم والشعوب
المصدر: وام