حسين رشيد (أبوظبي)

«مسبار الأمل»، إنجاز تاريخي جديد يضاف إلى قائمة الإنجازات التي تحققت لدولتنا منذ إعلان تأسيسها وقيامها قبل 49 عاماً، فقبل 6 أعوام أسعدتنا القيادة الرشيدة بإعلانها عن إنشاء وكالة الفضاء الإماراتية، واليوم في 2020 نحن والعالم نشهد إرسال أول مسبار عربي لكوكب المريخ بقيادة فريق عمل مكون من شباب وشابات هذا الوطن العظيم.
إنَّ إعلان إنشاء وكالة الإمارات للفضاء لم يأت من فراغ، وكذلك مشروع مسبار الأمل الإماراتي لاستكشاف المريخ لم يكن وليد اللحظة، وإنما بالجهد والتحدي والعمل الذي مكن قيادة دولة الإمارات وبسواعد شبابها من تحقيق هذا الحلم الكبير الذي نفخر به، فهو يعبر عن المستوى الذي بلغته الدولة في مجال العلوم الدقيقة، لا سيما علم الفضاء واستكشاف الأجرام البعيدة.
وفي هذا اليوم التاريخي، ونحن نعد العدة للدخول في السباق العالمي لاستكشاف الفضاء، نتذكر مقولة القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» حين استقبل في العام 1976 رواد الفضاء الأميركيين، حيث قال: «إننا في دولة الإمارات العربية المتحدة نساير أنفسنا مع الزمن، ومحاولة الحصول على كل ما هو جديد من شأنه أن ينفعنا في حاضرنا ومستقبلنا».

ولقد تحقق حلم الشيخ زايد، وبعد 6 سنوات من بدء العمل في مشروع مسبار الأمل، حيث ينطلق المسبار الإماراتي لكوكب المريخ، بقيادة فريق عمل إماراتي في رحلة استكشافية علمية تصل للكوكب الأحمر في العام 2021، والذي يصادف الذكرى الخمسين لقيام دولة الإمارات العربية المتحدة.
إن إرسال أول مسبار عربي للمريخ خطوة أخرى نحو التميز والعالمية ومرحلة نوعية جديدة في مجال البحث العلمي في الإمارات، وخلال الفترة القادمة ومع حرص الدولة على الدخول في مجال علوم وأبحاث الفضاء سيكون لدينا جيل من العلماء في مختلف التخصصات للعمل في مجال الفضاء، وستكون الدولة مهيأة لاستغلال مواردها البشرية والمادية واستثمارها في مجال أبحاث الفضاء وتسخيرها لخدمة البشرية.
نعم.. الحلم تحقق، فلم يكن اهتمام دولة الإمارات بعلوم الفضاء والكون وإنشاء الوكالة الإماراتية لعلوم الفضاء، وليد اللحظة. فما لا يعلمه هذا الجيل أن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» ومنذ أن حمل على عاتقه مسؤولية بناء الإنسان والوطن، كان يحمل في فكره وقلبه أحلاماً وأمنيات كثيرة وكبيرة، وطموحات لا حدود لها، تحققت بفضل من الله عز وجل وبسواعد أبناء هذا الوطن.. أبناء زايد.
كان، رحمه الله، شديد الإيمان بأننا بالعلم والمعرفة نصل لأعلى المستويات من التقدم والرقي، فقد حرص على معرفة ومتابعة الإنجازات التي يحققها الإنسان في أي مكان في العالم، ومن يقرأ التاريخ يدرك أن مشروع وكالة الفضاء الإماراتية عمره 49 عاماً. 
وفي تحد جديد مع الزمن، جاء إعلان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة «حفظه الله» في العام 2014 عن إنشاء وكالة الفضاء الإماراتية، وبدء العمل على مشروع لإرسال أول مسبار عربي وإسلامي لكوكب المريخ بقيادة فريق عمل إماراتي في رحلة استكشافية علمية تصل للكوكب الأحمر، لتدخل الدولة بهذا الإعلان التاريخي بشكل رسمي السباق العالمي لاستكشاف الفضاء الخارجي وسبر أغواره.

وتعد علاقة الشيخ زايد بالإنجازات العلمية وأصحابها علاقة وطيدة أزلية، فهو يكرم منجزيها ويستقبلهم شخصياً، ويقدم لهم الدعم والنصح والإرشاد، فقبل أكثر من 4 عقود استقبل الشيخ زايد الدكتور فاروق الباز الذي كان يعمل مديراً للمتحف الأميركي الوطني لرحلات الفضاء آنذاك، ومعه رائد الفضاء الأميركي جيمس إروين، أحد رواد الفضاء الأميركيين الذين قاموا برحلات إلى القمر أثناء برنامج أبولو، كان ذلك في عام 1974.
حينها، أثنى، المغفور له، على ذلك الإنجاز الذي يعتبر أكبر إنجاز حققه الإنسان حين وطئت قدماه سطح القمر، وأهدى رائد الفضاء إروين لوحة تذكارية للمركبة أبولو وهي جاثمة على سطح القمر.
وبعد ذلك بسنتين وبالتحديد في الثاني عشر من شهر فبراير من عام 1976 استقبل الشيخ زايد بقصره في منطقة البطين بأبوظبي وفد رجال الفضاء الأميركي الذي ضم ثلاثة رواد فضاء أميركيين، هم: توماس ستافورد، وفانس براند، ودونالد سايتون، والدكتور فاروق الباز، الذين زاروا أبوظبي بدعوة من حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة.
في ذلك اللقاء التاريخي قال الشيخ زايد في حديثه للوفد الزائر: «إن الله سبحانه وتعالى قد أعطى الإنسان كل ما يريد وما يرغب، وعلى الإنسان بدوره أن يحمد الله ويشكره على ما وهبه من نعم، وأن يراعي الإنسان الجوانب الإنسانية في كل ما يقوم به من عمل، كما عليه أن ينظر إلى البشر كافة بعين واحدة، عين المحبة والأخوة، إننا في دولة الإمارات نساير أنفسنا مع الزمن، ومحاولة الحصول على كل ما هو جديد من شأنه أن ينفعنا في حاضرنا ومستقبلنا».
وأثنى الشيخ زايد على إنجازات وكالة الفضاء الأميركية وما حققه رواد الفضاء الأميركيون، ووجه كلمة لرواد الفضاء الزائرين، قائلاً: «إن ما توصلتم إليه من اكتشافات علمية يبشر بمستقبل طيب للعلم والعلماء وللبشرية أيضاً، فلا شك أن العلماء سيستفيدون من إنجازاتكم وخبراتكم في تجاربهم ودراساتهم وأبحاثهم العلمية التي يقومون بها لخدمة الإنسان والإنسانية، كالطب والعلوم الأخرى، إنكم بعملكم هذا قد مهدتم الطريق لغيركم من العلماء والرواد للوصول ومعرفة ما لم يتمكنوا من معرفته».
وقد استمع الشيخ زايد خلال لقائه مع الرواد إلى شرح عن الرحلة الفضائية الأميركية السوفياتية المشتركة إلى الفضاء الخارجي وما حققته من نتائج إيجابية، كما عرض الدكتور فاروق الباز على الشيخ زايد اقتراح إقامة قمر صناعي عربي لدراسة الصحارى العربية والذي من شأنه تسهيل عمل الخبراء أو الباحثين العرب لدراسة ومعرفة بواطن الصحارى العربية وما تحتويه في جوفها من ثروات بترولية ومعدنية.. وأبدى الشيخ زايد ارتياحه لهذه الفكرة، وحث على العمل بها ووضعها موضع التنفيذ.

وتسلم الشيخ زايد هدية تذكارية من الوفد الزائر عبارة عن نموذج مصغر لمركبتي أبولو الأميركية وسويوز السوفياتية، كما قدموا للشيخ زايد لوحة تحمل صورة لمدار المركبة وبجانبها علم دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي حمله الرواد معهم أثناء رحلتهم الأخيرة، وأكد الشيخ زايد أن لهذه الصورة قيمة كبيرة، وهي هدية ثمينة يعتز بها الإماراتيون. كما وجه الشيخ زايد الوفد بزيارة عدد من المدارس في أبوظبي، حيث قام الرواد بزيارة لثانوية أبوظبي والتقوا بطلابها، الذين تلقوا شرحاً وافياً حول غزو الفضاء ومعرفة أسراره، وأهمية ذلك للبشرية مستقبلاً، كما زار الوفد المدرسة الأميركية بأبوظبي.

الحوار والحلم
من يقرأ اليوم الحوار الذي دار بين الشيخ زايد ورواد الفضاء الأميركيين آنذاك، يدرك تماماً أن للشيخ زايد نظرة شمولية وفكراً نيراً وبعد نظر، وأنه حاكم يملك نظرة ثاقبة تجاه العلم والمعرفة وبناء الإنسان.
فلم يُثنِ المغفور له على تلك الصورة للفضاء الخارجي وفيها علم الدولة التي أهداها الرواد الأميركيون له من فراغ، كان يتمعن في الصورة بكل اهتمام وهو يدرك تماماً أن أبناء الإمارات سيحملون يوماً ما بسواعدهم علم الدولة إلى الفضاء، اليوم وبعد أكثر من أربعة عقود من الزمن تحقق ذلك الحلم، سينطلق مسبار الأمل حاملاً راية الدولة إلى المريخ تحت إشراف وقيادة فريق عمل إماراتي.
وحين قال الشيخ زايد لرواد الفضاء: «لا شك أن العلماء سيستفيدون من إنجازاتكم وخبراتكم في تجاربهم ودراساتهم وأبحاثهم العلمية التي يقومون بها لخدمة الإنسان والإنسانية، كالطب والعلوم الأخرى».. لم يقل الشيخ زايد ذلك جزافاً، فاليوم تقام العمليات الجراحية الدقيقة في قارة ويتابعها الأطباء في قارات أخرى، وكذلك تقام المحاضرات في جامعة ما بالقارة الأميركية مثلاً ويحضرها طلبة وهم في جامعتهم بالإمارات، كل ذلك عبر الأقمار الصناعية التي تجوب فضاء العالم، ولولا اهتمام العالم بعلوم الفضاء الخارجي لما وصلنا لمثل هذه الإنجازات العظيمة. كان يدرك، المغفور له، أنه لا يمكن لأي أمة أن تنهض إلا بالاهتمام واللحاق بمسيرة العلم والمعرفة والتقدم، فالإعلان التاريخي عن إنشاء وكالة الفضاء الإماراتية هو ثمرة لما غرسه الشيخ زايد من بذور العلم والمعرفة في السنوات الأولى لقيام دولة الإمارات.
لقد سخر، المغفور له، الشيخ زايد كل الإمكانات في خدمة وطنه وأبناء شعبه بكل تفانٍ وإخلاص، ومن جملة اهتماماته حرصه على تطوير الجانب الأكاديمي من خلال إنشاء العديد من الجامعات وكليات التقنية، وثانويات التكنولوجيا التطبيقية التي توفد أفواجاً من الطلبة سنوياً إلى وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» بغرض تأهيلهم وتعريفهم بالوكالة ودورها في خدمة الإنسانية. 

حاكم طموح وشعب متميز
كان الشيخ زايد «طيب الله ثراه» يؤمن بأن كل إنجاز يحققه أبناء وطنه هو الداعم الأكبر لكل حاكم يطمح لتميز شعبه وأبنائه، وكل خطوة نجاح تشد من أزر كل من يعتلي هرم المسؤولية، وتهيئ له من أسباب العون ليكون سداً منيعاً في وجه التحديات كافة. وكانت جهود الشيخ زايد واضحة للعيان في بناء الدولة وتطويرها علمياً واجتماعياً واقتصادياً، مما كان سبباً بعد توفيق الله سبحانه وتعالى في تطور هذه البلاد وازدهارها، ورفعة شأنها بين دول العالم أجمع.
ولعلَّ في الإعلان التاريخي لدولة الإمارات في العام 2014 بإنشاء وكالة لعلوم الفضاء خير مثال على ذلك، فهذا الإعلان شكل منعطفاً تنموياً في مسيرة الدولة عبر دخولها قطاع تكنولوجيا الفضاء واعتباره أحد المستهدفات لتضمينه في الاقتصاد الوطني خلال السنوات القادمة، بالإضافة للعمل على بناء رأس مال إماراتي بشري في مجال تكنولوجيا الفضاء والمساهمة في زيادة المعرفة البشرية، في ما يخص استكشاف الفضاء الخارجي والأجرام السماوية البعيدة.