لكبيرة التونسي (أبوظبي)
«صبغ الملابس» حرفة قديمة توارثتها الأجيال باستخدام ورق اللوز والرمان والورس واللومي والحناء والكركم والنيل والزعفران والقرمز والقرط، والكثير من الأعشاب المتوافرة في البيئة المحلية قديماً. حولها الأوّلون إلى ألوان لتضفي على الأقمشة البيضاء بهجة وجمالاً. وهذه المساحيق لا تزال تحرسها الوالدة حليمة النقبي، الوفية للموروث الشعبي المتمثل في «صبغ الملابس» بمواد طبيعية كانت تُجلب من الجبال والصحاري والوديان والأشجار والأحجار.
تؤكد حليمة النقبي أن المرأة الإماراتية لطالما كانت قادرة بفعل إرادتها على تطويع الطبيعة، وتثبت مع كثير من النساء العاملات في المجال نفسه، أن استثمار ما تجود به الطبيعة من خيرات، هو انعكاس للمخزون الفطري لأهل المنطقة. إذ استخرجوا من البيئة المحيطة مواد للجَمال وأخرى تساعدهم على التداوي وإضفاء الحيوية على ملابسهم. وكانت الأعشاب إحدى هذه الوسائل التي جعلت منها النساء مادة خام لتلوين الأزياء بإبداع.
ألوان زاهية
أتقنت حليمة النقبي حرفة «صبغ الملابس»، فكانت تجرِّب وتبحث وتخلط العديد من المكونات لتخرج بلون جديد يُبهر الناس. تتفنّن في إضفاء الجَمال على ملابس أهل البيت والأصدقاء ومن يطلب ذلك، في المناسبات والأعراس والأعياد، موضحة أن ألوان الصيف تختلف عن ألوان الشتاء، مستثمرة ما تجود به الطبيعة من مواد. وتلفت إلى أن المرأة قديماً كانت تنقِّب في الأرض وتبحث عن مكامن الجَمال فيها، فحولت الأقمشة البيضاء بفعل مهارتها إلى قطع مختلفة بألوان زاهية.
مهنة أصيلة
وذكرت الوالدة حليمة أن «صبغ الملابس» مهنة تراثية أصيلة عند أهل الإمارات، وقد ارتبطت بالمرأة التي كانت تقوم بهذا العمل من أجل أسرتها وجيرانها في إطار من التعاون بين الأقارب. وأوضحت أن المرأة قديماً كانت تبحث عن هذه المكونات في الطبيعة، مستثمرة ذكاءها في بيتها، حيث اعتادت على زرع بعض الأشجار مثل الحناء والرمان والسدر وسواها من الأعشاب، كما استغلت ما يوجد في مزرعتها ومطبخها وأماكن الرعي لتحوِّل هذه المكونات الطبيعية إلى مساحيق لها القدرة على تلوين الملابس. وكانت تقوم بطحنها واستغلالها في «صبغ الملابس» لتمنحها ألواناً زاهية ومبهجة تَسر الناظر.
حفظ الموروث
تعمل حليمة النقبي في حرفة «صبغ الملابس» منذ أكثر من 23 عاماً، وتحرص على حفظ هذا الموروث من خلال مشاركتها في المعارض التراثية والمهرجانات. لفتت إلى أنها ورثت الحرفة عن الجدات، إلى جانب إتقانها لمهن تراثية كثيرة، مثل صناعة الخوص والتلي، مؤكدة أنها تسعى جاهدة إلى نقل هذه الصنعة إلى الأجيال المقبلة لحمايتها من الاندثار. وتعمل على تعليمها للأطفال والشباب الذين ينخرطون في الورش التعليمية بالمهرجانات والمعارض، موضحةً أنه من الضروري أن يتعرف الجيل الجديد على تراثه النوعي، وكيف أن الأوائل امتلكوا إمكانية التفاعل مع اللون. إذ إن الأقمشة الملونة في السابق لم تكن تأتي جاهزة دائماً.
البيئة المحلية
تستمتع الوالدة حليمة بعملها وتحرص على تقديمه في قالبه الأصيل، موضحة أن «صبغ الملابس» بالطريقة التقليدية يكون بمكونات صديقة للبيئة من الأعشاب الطبيعية، مثل أشجار اللوز والرمان والورس وجل الورس واللومي وورق اللوز والحناء والكركم والنيل والزعفران والقرمز والقرط، وهي أعشاب طبيعية متوافرة في البيئة المحلية. وأوضحت أن النساء قديماً كن يجمعن القرمز من جانب الوديان وكان يُستورد من الهند، وكانت الألوان المتاحة كثيرة، ومنها القرمزي والنيلي والزعفراني والكركمي. وهي تعمل ضمن بيئة متكاملة، حيث توفر الأصباغ الطبيعية في أوعية تشتمل على الأعشاب المطحونة، ونماذج من الأقمشة لتحولها إلى ألوان مختلفة بحسب الطلب.
«البيذام» والنيل
ورق اللوز أو ما يسمى محلياً بـ «البيذام»، يُطهى على النار، ويُستخرج منه اللون الأصفر القريب من الأخضر، أو ما يسمى حديثاً بـ «الفسفوري». ويُستخرج اللون الأزرق النيلي، من مادة النيل التي تُستثمر في استخدامات البشرة.
القرمز
«القرمز» يُستخدم للحصول على اللون العنابي أو الأحمر، تتراوح ألوانه بين الغامق والفاتح نسبة لكمية المادة المستخرجة من أنثى الدودة القرمزية. وهي مادة ملونة مصنوعة من أجسام حشرة خام مجففة ومسحوقة.
«الورس»
«الورس» عشبة معنية بإظهار اللون الأصفر الفاتح، كانت تُستعمل خصيصاً في المناسبات والأعراس لصبغ «كندورة» العريس لرائحتها الفواحة الجميلة.
الزعفران والكركم
التأثير الملوِّن للزعفران بإضافته إلى الأطعمة، يُستثمر كذلك في «صبغ الملابس» إلى جانب استخداماته المتعددة. أما اللون الكركمي المحبب، فيُستخرج من مسحوق الكركم.