لكبيرة التونسي (أبوظبي)
تحتفل المملكة العربية السعودية بيوم التأسيس الأول الذي يصادف 22 فبراير من كل سنة، مستحضرة الإرث التاريخي والحضاري لهذه الدولة العظيمة الضاربة في عمق التاريخ. وتشهد المملكة تنوعاً ثقافياً وحضارياً كبيرين، ولعل الأزياء التقليدية وجه من أوجه هذا الإرث، وعنصر من عناصر التراث السعودي الغني.
ويعتبر الزي التراثي السعودي مكوناً شعبياً حافظ وما يزال يحافظ عليه السعوديون منذ قرون، حيث يظهر جلياً تشبثهم بمختلف الألبسة التقليدية في حياتهم اليومية، وفي الأعراس والمناسبات كباراً وصغاراً، نساءً ورجالاً، وتعد هذه الأزياء التي تتنوع على امتداد مناطق المملكة رمز فخر واعتزاز لأبنائها، وشاهداً حياً على حضارة وتاريخ أصيل، أثر وتأثر بمرور مختلف الثقافات والحضارات على المملكة وبموقعها الجغرافي المميز، كما تتصف هذه الأزياء بالذوق الرفيع ومتانة الحياكة وجمال الألوان، وتعكس الحالة المادية والاجتماعية لأصحابها وهوية الشعب السعودي وتميزه عن غيره.
قالت منيرة عبدالله الربيعة، مصممة أزياء سعودية وباحثة في اللباس التراثي السعودي، إن الأزياء التراثية التقليدية في المملكة تختلف وتتنوع باختلاف المناطق، من حيث أشكالها وألوانها ونقوشها وزخارفها، وإنها تأثرت بالعادات والتقاليد وعوامل عدة، منها الجغرافية والتاريخية.
وأشارت الربيعة إلى أن اتساع مساحة المملكة وترامي أطرافها إلى جانب عوامل أخرى ساهمت في غنى موروث الأزياء وثرائها، موضحة أن هذا العامل أعطاها ميزة تميزها عن غيرها من الأزياء. وأضافت:«كل منطقة تحمل حضارة وثقافة خاصة بها، ولكن كلها تنتمي للحضارة والتراث السعودي» مؤكدة أن الأزياء في السعودية بشكل عام لا زالت محتفظة بمعالمها وهويتها الأصلية من قبل تأسيس المملكة العربية السعودية إلى يومنا هذا، لافتة إلى أن الأزياء قبل التأسيس لا تختلف عنها اليوم، إلا في بعض التغييرات البسيطة في نوع الخامة كإضافة بعض النقوش والتطريز عليها، موضحة أن جميع نساء المملكة العربية السعودية ترتدين ثوب «المقطع»، لكن تختلف تسميته من منطقة لأخرى، كما تشوبه بعض الإضافات، لافتة إلى أنه في المنطقة الشرقية من السعودية ونجد تلبس ثوب «المقطع» الذي يتكون من قماشة «الروز» أو «الشالكي»، أو يتكون من قماش قطني يلبس فوقه ثوب النشل، أو ثوب «أبو منيخل»، أو «المسرَّح» المصنوع من قماش التول أو الحرير أو الشيفون، بينما كانت النساء تغطي رؤوسهن بخمار، ولم يكن البرقع الذي استحدث مؤخراً معروفاً في هذه المنطقة.
-
ثوب المشل السعودي لبس حاضرة نجد والمنطقة الشرقية في السعودية
البادية والحاضرة
فيما أوضحت الربيعة أن أزياء شمال المملكة تنقسم إلى قسمين، وهي ملابس البادية التي تأثرت بالدول المجاورة مثل الأردن وفلسطين والعراق، وأزياء الحاضرة (المدينة) والتي تشبه ملابس نساء نجد وملابس نساء المنطقة الشرقية في السعودية، لافتة إلى أن النساء في الشمال يرتدين ثوب «المقطع» ويضعن فوقه ثوب «المفرَّج»، وهو مسمى لثوب «المسرح» أو «أبو منِيخل»، أو ثوب «النشل»، وتعود هذه الملابس لأكثر من 100 عام في المنطقة الشمالية، ومن الأزياء التي ما زالت متداولة إلى اليوم ثوب «المرودل» وهو ثوب طويل الأكمام تربط في الخلف، وثوب «المحوثل»، وهو من الثياب التي استخدمت في بادية شمال المملكة، وهو زي طويل جداً، يتم تقصيره برفعه وثنيه من ناحية الخصر، بحيث يبدو وكأنه ثوبان فوق بعضهما البعض، يربط في منطقة الخصر بحزام ويرفع إلى أن يصبح طول المرأة تماماً، ويسدل من فوق الحزام باقي الثوب فيصبح له خصول، يقال إن نساء البادية كانت تلبس هذا النوع من الزي حتى يحملن في الخصول أغراضهن وأشيائهن، وأحيانا الطعام، موضحة أنه من الأزياء القديمة غير المستخدمة في الوقت الحاضر، ومن أزياء الشمال أيضاً ثوب «الصاية» الذي تلبسه نساء شمال المملكة، وهو عبارة عن زي طويل غني بالنقوش، يشبه إلى حد ما العباية، وهو خاص بالمناسبات، وزي «الجبة»، وهي تشبه الجاكيت قصيرة، طولها إلى الوركين أو أطول، وهو ثوب خاص بالمناسبات، غني بالزخارف والنقوش التي تختلف باختلاف المناسبة، بينما تغطي المرأة في شمال السعودية رأسها، ولا يغطي الوجه، وتضع النساء على رؤوسهن رباطاً أحمر أو أسود أو بنياً، بحيث إن الأحمر للعازبات والأسود أو البني للمتزوجات.
منطقة الحجاز
تتنوع أزياء التراث السعودية من منطقة لأخرى، وتعد منطقة الحجاز ملتقى الحضارات من المناطق التي تشهد زخماً كبيراً وتنوعاً في الملابس التراثية الأصيلة، وأوضحت الربيعة أنها تنقسم إلى قسمين قسم الحاضرة وقسم البادية، وأن وجود عدة قبائل عريقة في المنطقة وفروعها مثل قبيلة حرب وجهينة وثقيف وبني سعد وعدة قبائل أخرى، أسهم في ثراء الأزياء سواء الرجالية أو النسائية في المنطقة، بحيث إن كل قبيلة من هذه القبائل تتميز بلباس يخصها ويميزها عن القبيلة الأخرى، مما أفرز تعدداً في الملابس التراثية وأشكالها الكثيرة، موضحة أن المنطقة تأثرت أيضاً بمختلف الثقافات القادمة إليها لأداء مناسك الحج والعمرة.
-
اللباس العسيري للفتيات
اللباس الجنوبي
يعود تاريخ الزي في جنوب المملكة إلى أكثر من 3 قرون، ما زال يحافظ على هويته الأصلية إلى اليوم من حيث الخامة والنقوش والتطريز، بحيث أوضحت الربيعة أن الأزياء في هذه المنطقة ليست شكلاً واحداً بحيث ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقبائل المعروفة في المنطقة وفروعها، بحيث تتميز كل قبيلة عن الثانية بلباسها الخاص بها، من حيث طريقة اللباس والألوان والزخارف والنقوش والخرز أو الخيوط المنسوجة بها، موضحة أن اللباس الجنوبي يتكون من الثوب «المقطع» ولكن يختلف من حيث التطريز والزخارف الكثيرة عن أي منطقة في المملكة العربية، غني بالتطريزات والخرز وخيوط الذهب، بينما تضع المرأة منديلاً على رأسها أصفر أو أسود اللون، فالأصفر ترتديه الفتيات غير المتزوجات وبعده تلبس خماراً أسود ويظل الوجه مكشوفاً، وكمثال على الزي الجنوبي فإن نساء بني مالك في المنطقة تتميز أزياؤهن بالتطريز والشغل اليدوي، وهذا ما يميزه عن غيره من ملابس نساء الجنوب وتتوارثه النساء، بحيث إن ثوب الجدة تلبسه الأم وبعدها بنتها ولا يباع أبداً مهما كانت الظروف، مؤكدة أن هذه المنطقة لازالت تحافظ على هذه العادة بشكل عجيب إلى اليوم، موضحة أن أزياء بني مالك واسعة ومتنوعة جداً، بينما أشارت الربيعة أن نساء الجنوب السعودي اشتهرن بالحلي والقلائد والخواتم المصنوعة من الفضة المدقوقة من الريال الفرنسي، والتي تعكس الحالة المادية والمكانة الاجتماعية لصاحبتها.
المستوى الاجتماعي
بدورها، أكدت ريم عسيلان مصممة أزياء ومجوهرات تراثية سعودية خبيرة تراث حجازي، أن منطقة الحجاز غنية جداً ثقافياً وتراثياً، وهي ثقافات منقولة ومكتسبة استوطن أهلها المنطقة وأصبحت من إرث المكان، واعتبرت الأزياء التقليدية وجهاً لغنى وثراء هذا الموروث الأصيل، وكانت الملابس والأزياء تعكس الحالة المادية والاجتماعية لأصحابها، موضحة أن من أشهر الألبسة التراثية «السديرية» بالنسبة لزي النساء، أو السديري، وهي عبارة عن قميص مصنوع من الكتان الأبيض، نصف كم مستوحى من التراث الهندي، وكانت تصنع من القطن الأبيض لبرودته وسهولة توفره، مرتفع الياقة لستر فتحة القميص ويلبس تحت الملابس، يتضمن 6 أزار التي تختلف حسب المناسبة، وتعكس المستوى الاجتماعي والمادي لصاحبته، لاسيما أن هذه الأزرار تكون مصنوعة من الألماس واللؤلؤ والذهب الخالص.
حياكة الذهب
أكدت عسيلان، أن أزياء الفرح في السابق وقبل أكثر من 150 عاماً كانت تتشكل من خيوط الذهب والفضة الأصلية، بحيث يتم إذابة الذهب والفضة وسكبهما على حجر مسطح، ويتم تشريطه بسرعة فائقة ليتخذ شكل خيوط ويتحول إلى رقائق معدنية خفيفة، بحيث تنسج منه أثواب ثمينة، قد يستغرق نسجها أكثر من 10 سنوات، وهذا الثوب الثمين يورث للعائلة وتحفظ فيه الأموال أيضاً.
صفوة المجتمع
إبداع وبراعة في تصميم الأزياء السعودية قديماً في منطقة الحجاز يعكس ذوقاً رفيعاً لأهل المنطقة كما باقي المناطق في المملكة، بحيث أشارت عسيلان أن من أشهر ملابس المنطقة ثوب «المدورة» وهو عبارة عن قطعة مربعة مصنوعة من أقمشة «اليشمك» وهو نوع من الحرير أطرافه مشغولة يدوياً يتميز بالفخامة، وهي قطعة حساسة جدا، مصنوعة من الحرير الطبيعي، وملونة من الألوان الطبيعية، وكانت النساء من علية القوم وصفوة المجتمع تزينه ب «بروش« يطلق عليه «الإبرة الرعاشة» مصنوعة من الذهب والألماس الخالصين.
-
لباس الرجل الحجازي
الزي الرجالي
الزي الرجالي السعودي يعكس هوية الشعب السعودي وتميزه عن غيره منذ قيام المملكة العربية السعودية كدولة موحدة، وإن كان ما زال يتشابه مع باقي أزياء المنطقة العربية بشكلٍ عام، حيث قالت الربيعة، إن الجبة والسديري أو القميص والشماغ هي علامة مُسجلة للثوب السعودي القديم في مختلف مناطق المملكة، مع تغيرات بسيطة على الزي السعودي التقليدي من مكان لآخر.وأضافت:«الزي الرجالي السعودي بشكل عام يتشابه في نجد وشرقها وشمالها وغربها، يتكون لباس الرجل من الثوب ويلبس فوقه ثوباً من قماش الساحلي الخفيف ويسمى «مرودن» وفي المناسبات يلبس عليه «الصاية»، وهي تشبه الثوب وذات قماش ثقيل ملون عليه نقوش وزخارف، وتكون طويلة بطول الثوب، ويلبس الشماغ والعقال على الرأس في نجد والشمال يرتدون العقال الأسود في الحجاز وبعض مناطق الجنوب يرتدون العقال المقصب، والذي سمي فيما بعد عقال فيصل نسبة للملك فيصل (رحمه الله) عندما فتح جنوب المملكة العربية السعودية كان يرتديه وسمي باسمه واشتهر به، ويلبس البشت للرجال في جميع أنحاء المملكة، ويختلف باختلاف المناخ حسب المنطقة الخامة أحياناً ثقيلة أو خفيفة في المناطق الباردة في الجنوب والشمال يرتدون البشت الثقيل أو ما يسمى الفروة، وفي المناطق الحارة مثل الحجاز يرتدون البشت الخفيف.
-
لباس نساء الحجاز
ملابس العروس
جمعت الملابس الحجازية ثقافات عدة، وامتلكتْ ثراءً، نظراً إلى بعض القطع المطرَّزة بالذهب واللؤلؤ الأصلي المطرّزة بالألماس، وخاصة ملابس العروس التي تميزت بإبداع خاص واتصفت بالذوق الرفيع ومتانة الحياكة، بحيث قال عسيلان:«يجب أن تكون ملابس العروس مكتظة بالذهب والألماس فتعكس بريقاً أخاذاً، وجمال الألوان وتناسقها وبهاء طلّتها، وهي تُحاك يدوياً مع جودة التطريز والتزيين واختيار أجود أنواع الأقمشة المرصّعة ببعض الحجارة والذهب والفضة والحرير.