في ظل تسارُع التحولات التكنولوجية والانتشار الواسع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، برزت تحديات خطيرة تهدد مصداقية المعلومات وسلامة الفضاء الرقمي، وعلى رأسها التزييف الرقمي والمعلومات المضلّلة.

وفي مواجهة هذا الواقع المعقّد، تقود دولة الإمارات العربية المتحدة جهوداً متقدمة لمكافحة التضليل الرقمي، عبر مبادرات رائدة ورؤية علمية وأخلاقية متكاملة، تُجسّدها مؤسساتها الرائدة، وفي مقدمتها جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي. تعكس مثل هذه المبادرات الرؤية الاستشرافية للقيادة الرشيدة في جعل الإمارات مركزاً عالمياً لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقها بشكل أخلاقي ومسؤول.

وهنا لا بد من التأكيد على أن الإمارات قد وضعت منذ إطلاق «استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031» مكافحة التحديات الرقمية، وفي مقدمتها المعلومات المضلّلة والتزييف الرقمي، كأولوية وطنية، وفي السياق نفسه، يُعد تعيين وزير دولة للذكاء الاصطناعي منذ عام 2017، من أبرز دلائل التزام القيادة بترسيخ إطار حوكمة متقدم يواكب المتغيرات التقنية ويحمي المجتمع. في خطوة استراتيجية لافتة، أعلنت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي تبنّي نهج يقوم على تكامل الجوانب التقنية والأخلاقية لمعالجة تحديات التزييف الرقمي، مؤكدةً التزامها بتطوير تقنيات مسؤولة ترتكز على الشفافية والحوكمة الأخلاقية.

وتأتي هذه المبادرة في توقيت بالغ الأهمية، إذ أصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي، ولا سيما النماذج اللغوية الكبيرة، التي تُستخدم على نطاق واسع في إنتاج محتوى قد يكون متحيزاً أو مضللاً أو مزوراً بصيغة يصعب تمييزها عن الحقيقة.

وتركّز مبادرة الجامعة على معالجة عدد من التحديات الحساسة مثل: تحيّز الخوارزميات، واكتشاف المحتوى الزائف، والتصدي للفيديوهات والصور المُعدلة بتقنية «التزييف العميق»، بما يعكس وعياً عميقاً بدور الذكاء الاصطناعي في التأثير على الرأي العام وتشكيل السرديات الرقمية.

ضمن هذا الإطار المتكامل، أطلقت الجامعة شركة ناشئة تحمل اسم «Librai»، تمثل واحدة من أبرز المبادرات التي أطلقتها دولة الإمارات في مجال مكافحة التضليل الرقمي، وتُعنى الشركة بثلاثة محاور رئيسية: كشف التحيز في الخوارزميات، ورصد المعلومات المضللة، وتطبيق مبادئ الحوكمة الأخلاقية في تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي.

تُعد «Librai» منصة متخصصة تجمع بين البحث العلمي والتطبيقات التقنية، ما يتيح للمؤسسات التعليمية، ومراكز الأبحاث، والقطاع الخاص، أدوات فعالة لرصد المحتوى الزائف وتحليل مصداقية البيانات، ما يعزز بناء بيئة رقمية موثوقة وآمنة. ولأن مواجهة التضليل الرقمي لا تقتصر على الحلول التقنية فحسب، بل تحتاج أيضاً إلى بناء قدرات بشرية قادرة على فهم هذه الحلول وتطويرها، تضع الجامعة تأهيل الكوادر الوطنية في صلب استراتيجيتها.

فمن خلال برامج مثل البرنامج التنفيذي للذكاء الاصطناعي، تُسهم الجامعة في تدريب صُنّاع القرار وقادة الأعمال على المفاهيم المتقدمة للذكاء الاصطناعي الأخلاقي، وتمكينهم من مواجهة التحديات الرقمية المتجددة. كما تُقدم الجامعة مسارات تعليمية وبحثية متقدمة تُعِدّ الطلاب والباحثين للعمل في مجالات تتقاطع فيها التقنية مع القيم، وتعزز لديهم الوعي بمسؤولية تطوير أدوات ذكاء اصطناعي عادلة وغير منحازة.

لا تتوقف جهود جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي عند الجانب الأكاديمي فحسب، بل تمتد أيضاً إلى ريادة الأعمال والابتكار، عبر حاضنة الأعمال التي توفر دعماً تقنياً واستشارياً للشركات الناشئة، وتمنحها فرصة الوصول إلى خبراء الذكاء الاصطناعي، والاستفادة من أحدث البحوث، واستكشاف فرص التمويل والاستثمار.

بهذا النهج، تُكرّس الجامعة دورها كمركز متكامل للمعرفة والتطوير والتطبيق، وتُعزز مكانة دولة الإمارات كمحور عالمي للابتكار المسؤول، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى حلول تقنية تحترم القيم الإنسانية وتراعي الأبعاد الاجتماعية والأخلاقية.

وفي الواقع، فإنه ومن خلال هذه المبادرات، تؤكد دولة الإمارات التزامها العميق ببناء مستقبل رقمي آمن وعادل، لا تهيمن عليه الخوارزميات العشوائية ولا يُشكّل فيه التضليل أداة للنفوذ أو السيطرة. فبينما تتصارع دول عديدة مع آثار المعلومات المزيفة و«الفلاتر الرقمية» للحقائق، تتقدم الإمارات بخطى ثابتة لبناء منظومة متكاملة تُوازن بين الابتكار والمسؤولية.

إن التحدي الرقمي العالمي الذي يعيشه العالم اليوم لا يُواجه بالشعارات، بل بالمعرفة والتخطيط والرؤية المتقدمة، وهذا ما تقوم به جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي بشكل ملموس وفعّال، مستلهمةً رؤية القيادة الرشيدة في هذا المجال. ولا شك في أن استمرار دعم الإمارات لهذا التوجه سيعزز مناعتها الرقمية، ويرسّخ حضورها كقوة ناعمة عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي الأخلاقي.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.