السودان في أربعين عاماً من حكم «الإخوان» ماذا حصد غير الدمار؟ ولا زال يبحث عن القشة التي تنجيه بعد سنوات من «أدلجة» المجتمع، بما فيه القوات المسلحة التي لا ينبعي أن تؤدلج في أي دولة في العالم.
السودان في لحظته الراهنة، دخل نفق الحرب الأهلية للمرة الثالثة طوال العقود الأربعة الماضية، رغم ما تسفر عنه من مهاك تطال البشر والحجر. وأخطر من كل ذلك، انقسام القوات المسلحة على نفسها، وهذا ما يهدد السودان بالانقسام من جديد - لا سمح الله - لو لم يستدرك العقلاء والحكماء من الشعب هذا الوضع السياسي المخل بأبسط أدبيات الحكم، ومنها الحفاظ على الوطن، رغم كل الحسابات السياسية الضيقة؟!
دعونا نعرج فليلاً على الأخطاء الكارثية التي جلبها الإسلام السياسي إلى سودان الوطن والدولة. طوال 34 عاماً من عمر نظام البشير وبعد ذلك بأعوام عجاف، تبين لكل من يعرف الشعب السوداني عن قرب، حجم ابتلاءاته التي تصعب على البلع ولا الهضم السياسي!
كيف أن للإسلام السياسي الدور الحقيقي في إيصال السودان حد الحرب الأهلية اليوم؟ فانقلاب البشير وتحالفه مع تيار الإسلام السياسي وضع السودان أمام مجموعة من الأزمات السياسية المستعصية على الحل والمستمرة في زمن «البرهان» الذي استعان من جديد بمليشيات «الإخوان» في حربه الراهنة.
أكبر فشل، بل وأفحش «خطيئة» في انفصال الجنوب عن السودان الوطن الأم، لقد ضحى هذا النظام باسم «الجهاد» في حربه مع «جون قرنج» بأثمن ما يملكه الوطن، شباب من جميع الأعمار وفي كل المرحل الدراسية، يقارب مليوني إنسان أُحرقوا في أتون تلك الحرب، بحيث تكون النتيجة النهائية لصالح «قرنج» في دولة مستقلة، رقص البشير بنفسه على أنغام النشيد الوطني لدولة جنوب السودان، من كان يصدق ذلك ولكنه وقع فأسه على رأس الشعب السوداني في ذهول؟!
لقد ظن النظام الحاكم، بعد أن شق قلب السودان إلى «سودانين»، أن العالم سوف يصفق له ويكافئه، إلا أنه تفاجأ بسيف العقوبات الدولية قد طوق رقبته والعزلة عن أقرب حليف له قد باعد بين أسفاره، بل وضعت هذا النظام السودان بأكمله في قائمة رعاة «بقر» الإرهاب، خاصة عندما آوت إليه قيادات «القاعدة» وعلى رأسها «بن لادن».
كل مجتمعات العالم تمضي سراعاً نحو المزيد من «المدنية» و«المأسسة»، من أجل الدخول إلى عالم التنمية المستدامة والحفاظ على قوة الرأسمال البشري للدول، وهذا لم يحدث في ظل هيمنة الإسلام السياسي على السودان.
نفتش قليلاً بين ركام الأرقام، لنستوضح حجم الخسائر المادية خلال فترة الحرب الأهلية التي خاضها الإسلام السياسي إبان نظام البشير. أقل التقديرات المتواضعة تقول مليون دولار يومياً، فاضربوها في عدد سنوات حكمه، سوف تجدون لدى الحاسب الآلي مشقة في عدها! أما في زمن «البرهان»، وبعد قرابة سنتين من الاقتتال، بلغت الخسائر البشرية وحدها، وهي التي لا تقدر بأي ثمن مادي، قرابة 200 ألف قتيل.
أما الخسائر الاقتصادية فحدث عنها الركبان ولا حرج، وفقاً لأحدث التقديرات الإحصائية، فإن الحرب أحرقت 20% من الرصيد المالي للاقتصاد السوداني، والذي يقدر بنحو 600 مليار دولار، كما أدت إلى انخفاض أكثر من نصف الناتج القومي الإجمالي الذي يبلغ متوسطه السنوي 33 مليار دولار. هذا النزيف اليومي في شريان الوطن سببه الرئيس ليس «الفقر» في السودان، بل «العفن» الذي أصاب فكراً يتعامل مع الوطن على أساس أنه «وثن»!
*كاتب إماراتي