في خطوة جريئة تعكس التحول في السياسات الأمنية الإقليمية تجاه جماعة «الإخوان» الإرهابية ونشاطاتها التخريبية، أعلنت المملكة الأردنية الهاشمية حظر جماعة «الإخوان» نهائياً ومصادرة ممتلكاتها، وذلك بعد الكشف عن خلايا إرهابية خطيرة مرتبطة بالجماعة، كانت تخطط لهجمات تستهدف أمن البلاد واستقرارها ونشر الفوضى. القرار الذي أعلنه وزير الداخلية الأردني مازن الفراية، لم يأتِ من فراغ، بل جاء بعد سلسلة من الأحداث الأمنية التي كشفت بوضوح تورط الجماعة في مشروعات تهدد استقرار المملكة.
الخطوة الأردنية حملت دلالات استراتيجية واضحة، أبرزها: إثبات العنف المتأصل في بنية جماعة «الإخوان»، لا سيما بعد أن بثّ العديد من وسائل الإعلام اعترافات مصورة لأفراد من الخلايا الإرهابية، أكدوا خلالها انتماءهم للجماعة، وهو ما يثبت زيف ادعاءات الجماعة بأنها حريصة على أمن الأردن واستقراره، وأنها مظلة إيديولوجية للتخريب والدمار. كما أن تدخل حركة «حماس»، الذراع «الإخوانية» في غزة، ودعوتها للإفراج عن المتهمين، شكّل تدخلاً سافراً ومرفوضاً في الشأن الداخلي الأردني، وقوبل برد رسمي صارم أكدت المملكة خلاله بأن «الأردن أكبر من أن يرد على فصائل.. ومن يتدخل في شأننا لا يعرف الأردن ومؤسساته وشعبه»، وأن «الأردن دولة مؤسسات صامدة تاريخيّاً وكل الفصائل التي عملت ضد الأردن تبخرت».
من ناحية أخرى، جاء قرار الحظر مدفوعاً بغضب شعبي واسع، عبّر عنه الشارع الأردني والنواب وحتى طلاب الجامعات، الذين طالبوا بوقف عبث الجماعة وذراعها السياسي «جبهة العمل الإسلامي». وتعكس هذه التحولات يقظة أردنية متصاعدة تجاه خطر التنظيم الذي ظل لسنوات يتحرك تحت غطاء شرعية سياسية زائفة.
ومن ناحية أخرى فإن قرار الأردن بحظر جماعة «الإخوان» جاء ضمن سياق إقليمي يشهد تصاعداً في حدة المواقف الرسمية تجاه جماعة «الإخوان»، التي جرى تصنيفها تنظيماً إرهابيّاً في عدد من الدول العربية، على غرار مصر والسعودية والإمارات، وهذه المواقف وجدت لها صدى قويّاً في الداخل الأردني، حيث بات يُنظر إلى الجماعة باعتبارها حاضنة فكرية لجماعات أكثر تطرفاً.
وتؤشر الإجراءات الأردنية تجاه جماعة «الإخوان» الإرهابية إلى بداية مرحلة جديدة في التعامل مع التنظيمات ذات الأجندات العابرة للحدود، خصوصاً مع تراجع نفوذ الجماعة في المنطقة، بعد تصنيفها تنظيماً إرهابياً في كلّ من الإمارات والسعودية ومصر والبحرين، لذا فإن حظر «الإخوان» في الأردن يشكّل ضربة قاصمة للتنظيم الدولي، ويقوّض ما تبقى من نفوذه في الإقليم.
وفي المحصلة فإن قرار الأردن لا يقتصر على كونه قراراً أمنيّاً فحسب، بل هو إعلان حاسم بأن الدولة الأردنية عازمة على حماية أمنها واستقرارها بكل حزم، وتوجيه رسالة قاطعة بأن الفكر المتطرف، مهما تلوّن، لن يجد له موطئ قدم في دولة ذات مؤسسات راسخة ومجتمع رافض للعنف والإرهاب.
*باحث - رئيس قسم دراسات الإسلام السياسي مركز تريندز للبحوث والاستشارات.