في التاسع من هذا الشهر، قال الرئيس إيمانويل ماكرون: «يجب أن نتجه نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهذا ما سنفعله خلال الأشهر المقبلة». هذا التصريح يمثّل تغييراً في سياسة الرئيس الفرنسي الذي كان رفض الإقدام على هذه الخطوة عندما اعترفت كل من إسبانيا وإيرلندا وسلوفينيا، وجميعها دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، بفلسطين في مايو 2024. وقال حينها إنه لا ينبغي القيام بذلك إلا إذا كان ذلك مفيداً، معتبراً هذه الخطوة سابقة لأوانها، وبالتالي غير ضرورية.
لماذا هذا التغيير في الموقف الآن؟ مما لا شك فيه أن الرئيس الفرنسي زار غزة وتأثر بالمعاناة التي رآها هناك، إلا أن هذه المعاناة موثقة منذ فترة طويلة، وماكرون ليس في حاجة للذهاب إلى هناك من أجل الوقوف عليها. وبالمقابل، يندرج هذا التصريح بالأحرى في إطار تحرك دبلوماسي عام. ففي قمة ثلاثية مع ملك الأردن والرئيس المصري، أعرب إيمانويل ماكرون عن دعمه للخطة السعودية الخاص بغزة. ويتعلق الأمر هنا بالسماح بإعادة إعمار القطاع التي كان سيُعهد بها إلى سلطة فلسطينية خضعت للإصلاح والتجديد. خطة تتعارض مع رؤية «ريفييرا الشرق الأوسط» التي كان يروّج لها ترامب، والتي تنطوي على تطهير عرقي واسع النطاق على اعتبار أنها تقضي بنقل الفلسطينيين إلى الأردن ومصر بطريقة يقال إنها مؤقتة، ولكنها قد تصبح نهائية.
القاهرة وعمان ترفضان هذه الخطة لأسباب أخلاقية، ولكن أيضاً لأنها تنطوي على خطر زعزعة الاستقرار الذي تعتقدان أنهما لا تستطيعان التعامل معه. كما أن الرياض تدرك أن من شأن ذلك أن يتسبب في غضب شعبي عارم في المملكة، ربما لا يمكن السيطرة عليه.
بنيامين نتنياهو استنكر هذا التغير في موقف الرئيس الفرنسي ووصفه إياه بأنه مكافأة للإرهاب. وقد تبنت الأوساط المناصرة لإسرائيل في فرنسا هذه المقولة. وبالمقابل، يرى المدافعون عن القضية الفلسطينية أن التغير في توجه إيمانويل ماكرون جاء متأخراً وغير كافٍ، وأن عدم الاعتراف بفلسطين إنما هو مكافأة على الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب حالياً في قطاع غزة. ومن وجهة نظرهم، فإن فرنسا لم تعد تلعب دوراً ريادياً في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو الدور الذي باتت تضطلع به الآن داخل الاتحاد الأوروبي إسبانيا. ونتيجة لذلك، تأثرت مكانة فرنسا ليس في العالم الإسلامي فحسب وإنما في دول الجنوب العالمي أيضاً.
 والجدير بالذكر هنا أن فرانسوا هولاند كان قد أدرج الاعتراف بفلسطين ضمن مقترحاته الستين التي قدمها في 2012، والتي سرعان ما تخلى عنها حينما وصل إلى السلطة.
 والواقع أن الاعتراف بفلسطين لن يغير الوضع على الأرض، ولن يضع حداً للصراع ولا للحصار. غير أن القوة التي يعارضه بها بنيامين نتنياهو تُظهر أن هذا الرمز ليس بلا أهمية، وأن هناك رهاناً سياسياً حقيقياً وراءه.
غير أنه علاوة على طبيعته المتأخرة، فإن اقتراح إيمانويل ماكرون مشروط بشروط قبل كل شيء: ذلك أن ماكرون أشار إلى اعتراف متبادل بين الدول العربية وإسرائيل. والحال أنه من الواضح الآن أن السعودية لن تعترف بإسرائيل قبل أن يكون هناك أفق لقيام دولة فلسطينية. 
ثم إن بنيامين نتنياهو ليس وحده من يعارض مثل هذا السيناريو، وإنما الغالبية العظمى من البرلمانيين الإسرائيليين الذين صوّتوا في يوليو 2024 لصالح قرار «ضد إقامة دولة فلسطينية».
الرئيس ماكرون يقول إنه لا يريد أن يعارض رئيس الوزراء الإسرائيلي بشكل صدامي ومباشر من أجل الحفاظ على نفوذه عليه؛ والحال أنه من الصعب رؤية أي نفوذ لفرنسا الآن على الحكومة الإسرائيلية؛ ذلك أن بنيامين نتنياهو يضرب صفحاً عن أي تصريحات فرنسية لا تروقه. والشاهد أن إيمانويل ماكرون صرّح بأن ما يحدث في غزة منذ انتهاء الهدنة غير مقبول، غير أن بنيامين نتنياهو مستمر في حربه ولا يبدو أنه يلقي بالاً لما يقوله.
وبإيلائه الأولوية للحفاظ على علاقة وثيقة مع بنيامين نتنياهو، يمكن القول إن إيمانويل ماكرون منح رئيس الوزراء الإسرائيلي تفويضاً مطلقاً. وفضلاً عن ذلك، فإن بنيامين نتنياهو، المدعوم من دونالد ترامب، يشعر بأنه يتمتع بالحصانة والقوة المطلقة، في وقت لم تترجم فيه كلمات الرئيس الفرنسي القوية إلى أفعال على أرض الواقع، الأمر الذي يقوّض مصداقيتها.
*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس