قبل وقت طويل من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رغبته في أن يُعرف بلقب «رئيس التخصيب»، كانت المجر تبذل جهوداً كبيرة لتعزيز الأسرة التقليدية وزيادة معدل المواليد المتراجع لديها. ففي عام 2019، قال رئيس وزرائها، فيكتور أوربان إن أعداد الأطفال الذين يولدون في جميع أنحاء دول أوروبا في تناقص، مجادلاً بأن الهجرة ليست حلاً لهذا النقص الديموغرافي. وأضاف: «نحن لا نحتاج إلى أرقام، بل إلى أطفال مجريين.. الهجرة تعني الاستسلام».
ثم أعلن أوربان عن خطة عمل تتضمن سبع نقاط لحماية الأسرة، تهدف إلى تشجيع الزواج والإنجاب، وتشمل قروضاً حكومية بقيمة 10 ملايين فورنت مجري (حوالي 35 ألف دولار آنذاك) تُمنح للنساء دون سن الأربعين عند الزواج، ويُعفين من السداد إذا أنجبن ثلاثة أطفال على الأقل. كما حصلت الأسر كبيرة العدد على مساعدات لشراء السيارات والمنازل، وتم إعفاء النساء اللاتي لديهن أربعة أطفال أو أكثر من ضريبة الدخل الشخصي مدى الحياة.
وأصبحت المجر مركزاً فكرياً لحركة تعزيز الإنجاب العالمية، حيث تستضيف مفكرين يمينيين من مختلف أنحاء العالم في «قمم ديموغرافية» نصف سنوية في العاصمة بودابست. وفي عام 2021، خلال خطاب ألقاه في فرجينيا حول «الأزمة الحضارية» الناجمة عن انخفاض معدلات المواليد، أشاد الكاتب والسياسي النشط آنذاك جي ديفيد فانس بسياسات أوربان الأسرية وتساءل: «لماذا لا يمكننا القيام بذلك هنا؟».
والآن، وقد أصبح فانس نائباً للرئيس الأميركي، قد تمضي الإدارة الأميركية قُدماً في تطبيق بعض هذه السياسات. فقد ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، مؤخراً، أن البيت الأبيض يستعرض سلسلةً من المقترحات تهدف إلى تشجيع الأميركيين على الزواج والإنجاب. ومن بين هذه الأفكار منح مكافآت مالية للأمهات الأميركيات، وإطلاق برنامج تمييز إيجابي جديد يخصص نحو ثلث منح برنامج فولبرايت للأشخاص المتزوجين أو ممن لديهم أطفال. كما يُقال إن مالكولم وسيمون كولينز، وهما من أبرز دعاة تعزيز الإنجاب، قد قدّما للبيت الأبيض مسودةَ أمر تنفيذي يتضمن إنشاء «وسام وطني للأمومة» يُمنح للنساء اللواتي أنجبن ستة أطفال أو أكثر.
لكن الواقع أن بعض سياسات إدارة ترامب تشكل عائقاً رئيسياً أمام تكوين أسر صحية. وهناك الكثير من اليساريين يرون أن القلق بشأن انخفاض معدلات المواليد أمر غير لائق، ولا يمكن لومهم على ذلك، فالبيئة الداعمة للإنجاب مليئة بالتمييز ضد النساء، وتفوق العرق الأبيض، ونظريات تحسين العرق. ومع ذلك فإن الانخفاض السريع في معدلات الخصوبة يُمثل مشكلة حقيقية، إذ من المرجح أن يؤدي إلى مجتمعات راكدة وهرمة، تفتقر إلى عدد كافٍ من الشباب العاملين للحفاظ على شبكة الأمان الاجتماعي، ناهيك عن توسيعها.
وفي عالم أفضل من عالمنا، كان يُمكن حل مشاكلنا الديموغرافية بسهولة عن طريق الهجرة. لكن، وكما كتب ساشا بولاكو-سورانسكي في كتابه الشهير الصادر عام 2017 بعنوان «ارجع من حيث أتيت.. رد الفعل العكسي على الهجرة ومصير الديمقراطية الغربية»، فإن الهجرة السريعة تُثير ردود فعل قومية متشددة، مما يؤدي بدوره إلى صعود حكومات يمينية مثل حكومتنا الحالية. وفي الواقع، فقد تكون المجتمعات التي تتقلص وتشيخ وتفتقر إلى الحيوية والديناميكية، بشكل مثير للإحباط، سيئة للغاية في استيعاب الوافدين الجدد.
ويجب أن تكون فكرة إجبار النساء على إنجاب الأطفال مرفوضة تماماً، مع استهداف خلق مجتمع يشعر فيه المواطنون عموماً بالتفاؤل الكافي بشأن المستقبل ليرغبوا في إنجاب الأطفال ويشعروا بالأمان الكافي للقيام بذلك. وقد لا تصل معدلات الخصوبة في معظم الدول المتقدمة إلى ما يسميه علماء الديموغرافيا «مستوى الإحلال»، حيث ينجب الزوجان في المتوسط 2.1 طفل، وهو ما يكفي للحفاظ على استقرار عدد السكان. إلا أن هناك فرقاً كبيراً بين الدول التي ينخفض فيها معدل الخصوبة تدريجياً، مثل فرنسا، وتلك التي ينهار فيها بشكل يهدد مستقبل المجتمع، مثل كوريا الجنوبية التي قد تتقلص قوتها العاملة بنسبة 50% خلال العقود الأربعة القادمة.وهناك عامل مشترك بين الدول التي تتدهور فيها معدلات الولادة، فهي في الغالب دول حديثة وأيضاً شديدة التمسك بالبُنى الذكورية. وفي العام الماضي، نشرت عالمة الاقتصاد الحائزة على جائزة نوبل والأستاذة في جامعة هارفارد، كلاوديا غولدين، ورقة بحثية بعنوان «الأطفال والاقتصاد الكلي»، حاولت فيها إدراك الفرق بين الدول المتقدمة ذات معدلات الولادة المنخفضة بشكل معتدل، مثل السويد وفرنسا وبريطانيا، وتلك التي تنخفض فيها بشكل حاد، مثل كوريا الجنوبية واليابان وإيطاليا. ووجدت غولدين أن الدول ذات معدلات الخصوبة المنخفضة قد شهدت حداثة سريعة وحديثة العهد، إلى درجة أن المعايير الاجتماعية المتعلقة بالمساواة بين الجنسين فيها لم تسنح لها الفرصة لتتطور. لذلك، أصبحت النساء فيها يتمتعن بفرص اقتصادية أكبر، لكن دون مساندة تُذكر من أزواجهن في الأعمال المنزلية. فعلى سبيل المثال، بين عامي 2009 و2019، قضت المرأة اليابانية في المتوسط 3.1 ساعة يومياً في الأعمال المنزلية أكثر من الرجل، في حين قضت المرأة السويدية 0.8 ساعة أكثر فقط.
وفي تحليل غولدين، أعرب الرجال عن رغبتهم في إنجاب عدد أكبر من الأطفال مقارنةً بالنساء. وهذا منطقي، نظراً لأن النساء سيتحملن معظم عبء رعاية الأطفال.
ويبدو أن العديد من النساء لا يرغبن في تحمل كل الأعمال المنزلية الشاقة المصاحبة لتربية الأطفال، حيث لا يوجد دليل على أن الإعانات الحكومية قد تجعل تلك المهام الاجتماعية التقليدية أكثر جاذبية. وتنفق المجر أكثر من 5% من ناتجها المحلي الإجمالي على سياسات الأسرة، وهي نسبة تفوق ما تنفقه الولايات المتحدة على الدفاع. وبينما ارتفع معدل الخصوبة قليلاً خلال السنوات التي تلت تطبيق السياسة الجديدة في عام 2019، عندما كان معدل الخصوبة الإجمالي 1.55 طفل لكل امرأة، فقد انخفض لاحقاً إلى 1.38.
ووفقاً لاستطلاع رأي أجراه مركز «بيو» العام الماضي، يقول 57% من الشبان الأميركيين إنهم يرغبون في إنجاب أطفال في يوم ما، مقارنة بـ 45% فقط من الشابات. للأسف، يتلقى هؤلاء الرجال رسالة خاطئة من القادة الأميركيين حتى يُنظر إليهم بوصفهم آباءً مؤهلين وجاذبين.
لذا، ليس من المستغرب أن تُظهر دراسة أجريت في عام 2022 أن غالبية الشابات لا يفضلن الارتباط برجل يدعم ترامب. إن اتساع الفجوة بين الجنسين سيجعل من الطبيعي أن تصبح فرص الارتباط والإنجاب أكثر صعوبة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
ميشيل جولدبرج*
*كاتبة أميركية