التلوث والأذى البيئي في المجتمع الإنساني يزداد تفاقمه من قبل مجموعة من العوامل المرتبطة بالنشاط الاقتصادي سواء كان الداخلي أو المرتبط بالاقتصاد السياسي، بما يعني أنه يتأثر بالتطورات الحاصلة في نشاط المجتمع الاقتصادي، وبمخرجات المنافسات السياسية الحاصلة على صعيد التجارة الدولية. لذلك فمن الواضح أن حجماً كبيراً من التلوث والدمار البيئي يأتي من عمليات التعدين في المناجم، واستخراج الطاقة الأحفورية، ومن المنشآت الكيميائية، ومن توليد الطاقة، ومن عوادم وسائط النقل المستخدمة في الارتحال إلى أماكن العمل والعودة منها، ومن ما يجري من عمليات متعددة في المشاريع الزراعية، وفوق هذا وذاك مما يتأتى من اختيار مواقع الصناعات الضخمة. بالنسبة لاختيار مواقع الصناعات الضخمة تتواجد خلافات بسبب الانبعاثات والأدخنة والأبخرة والرماد التي تنتج عنها. في القرن التاسع عشر كان ملاك الأرض والأرستقراطيون الكبار في بريطانيا وغيرها من دول أوروبا يشتكون من انبعاثات الصناعات التحويلية ومخلفات الأعمال الكيميائية التي كانت تسمم حيواناتهم، وتُلوث مياه الأنهار التي تستخدم في ري أراضيهم الزراعية، في الوقت الذي تشير فيه المصادر إلى أنهم لم يعيروا اهتماماً بصحة العاملين في تلك المصانع. ومنذ ذلك الوقت أصبحت قوانين التخطيط الصناعي ومواقع المدن الصناعية صارمة، وصارت مواقع المصانع وأنواع الصناعات تولي أهمية قصوى درءاً لما قد تتسبب فيه من آثار بيئية ضارة. لكن عامل آخر عمل بعكس الاتجاه. الصناعة جلبت فرص عمل وإمكانية تحقيق الثروة في المناطق التي قامت فيها. وفقاً لذلك نشأ تبادل بين الرغبة في الاستفادة من عوائد الصناعة وأمنيات تجنب التلوث البيئية. أفراد الطبقة العاملة قاموا بالتساير مع معدلات التلوث العالية للمحافظة على وظائفهم، في حين أن أصحاب الأعمال لا يريدون الإنفاق على مشاريع المحافظة على البيئة، ويهددون بنقل صناعاتهم إلى مناطق أخرى. هذه المشكلة لا زالت قائمة إلى يومنا هذا وتم تدويلها بطريقتين: الأولى، مع نمو نطاق الصناعة تراكمت نفايات أكثر، لكن هذه النفايات تم تصريفها على نطاق عالمي، وقاد ذلك إلى تلوث واسع حول العالم طال الأنهار والبحار والمدن. وبشكل مشابه تلوث الهواء، حيث تم نشره على نطاق أوسع عن طريق بناء مداخن أعلى، ينقل الهواء دخانها وأبخرتها ورمادها عبر الرياح إلى أماكن أكثر بعداً. ولزمن طويل منشآت بعينها، كصناعة العطور ومحطات توليد الطاقة، درجت على الاستجابة للشكاوى ليس عن طريق الخفض من التلوث، ولكن عن طريق عدم الانتشار بكثرة المنشآت. لكن في جميع الحالات، ربما يكون ضخ الانبعاثات إلى أعلى في الهواء قد خفض من معدلات التلوث المحلية، زاد في نقلها وانتشارها على نطاق أوسع وأكثر بعداً مؤدياً تلويث المناطق الأخرى. الطريقة الثانية، تتعلق بقرار وضع الصناعات الملوثة بعيداً عن أقطار الشمال ونقلها إلى مناطق أكثر احتياجاً إلى التنمية والاستثمار والوظائف. أكثر الأمثلة المعروفة، يمكن رصدها منذ سبعينيات القرن العشرين، حيث بدأت الشركات الغربية بالتحرك بعيداً عن التشريعات البيئية الصارمة والانتقال إلى أقطار العالم النامي ذات القوانين الأكثر مرونة بيئياً. وهنا يوجد تأثير دافع وساحب. الدافع هو المناداة بالهرب من القوانين المقيدة التي تزيد في تكاليف الإنتاج وتقليص الحصول على تراخيص لتطوير مواقع منشآت جديدة. فإذا كانت هذه الأعمال تستطيع الانتقال إلى ما وراء البحار والحصول على مواقع في دول جاذبة للاستثمار ذات قوانين مرنة بيئياً، تستطيع فيها صنع نفس المنتجات بتكاليف أقل فإنها ستقوم بالرحيل عن أوطانها الأصلية دون تردد. *كاتب إماراتي