شكل هذا الأسبوع الإطلالة الأولى للحكومة اللبنانية على المجتمع الدولي المالي، بحضور وفد كبير اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، (21 و 26 أبريل الجاري) يضم 16 شخصية سياسية ومالية واقتصادية بينهم أربعة وزراء يتقدمهم وزير المال ياسين جابر، وعدد من النواب والخبراء والمستشارين. وقد أبلغ الوفد المسؤولين الأميركيين في وزارتي الخارجية والخزانة، والمسؤولين في مؤسسات التمويل الدولية، بـ«أن الوفد اللبناني لم يأت فقط من أجل التمويل، رغم أن التمويل قد يأتي في وقت لاحق بعد تنفيذ الإصلاحات.
لكن الأهمّ أننا نأتي من أجل إعادة بناء الثقة، بين لبنان والمجتمع الدولي، وأيضاً بين لبنان وأشقائه العرب، ونحن نتفاوض مع صندوق النقد، لأنه يمثل البوابة الأساسية لاستعادة الثقة. نريد أن نؤكّد للعالم، ولكل من يفكر بالاستثماروالمساهمة في إعادة الإعمار، أن لبنان جادّ ويتقدّم بسرعة نحوالأمام». وعلى رغم إنشغال الإدارة الأميركية بملفات أساسية من إيران إلى روسيا وأوكرانيا وحرب غزة، فإن زوار واشنطن يلمسون إهتماماً منها بلبنان، مع التركيزعلى اتخاذ قرارات إصلاحية وأمنية وسيادية، وهو ما شددت عليه موفدة الرئيس دونالد ترامب إلى لبنان مورغان أورتاغوس، متحدثة عن «شجاعة اتخاذ القرارات الجريئة». وإذا كان المجتمع الدولي يعتبر أن الالتزام بالبرنامج الإصلاحي مع صندوق النقد بمثابة الركيزة الأساسية لأي دعم دولي، فإن الحكومة اللبنانية أيضاً وفي موازاة ذلك تعتبر أن تأمين الأمن والاستقرارهما الركيزة الأساسية وأولوية، كما أولويات الإصلاح. ومطلوب من المجتمع الدولي المساعدة لتأمينهما، حتى ينعم لبنان بمناخات آمنة تجذب التمويل والاستثمارات.
لقد سبق للرئيس اللبناني جوزيف عون أن أبلغ عضو اللجنة الفرعية لتخصيص الاعتمادات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بول غروف، لدى استقباله، بحضور السفيرة الأميركية في بيروت ليزا جونسون، «أن مسار الإصلاحات في لبنان، بدأ، وهو حتماً لمصلحة لبنان قبل أن يكون بناء على رغبة المجتمع الدولي» .
ومشدداً على الإجراءات والتدابير التي تنوي الحكومة اتخاذها في مختلف المجالات الإصلاحية». ومتمنياً على مجلس الشيوخ «التجاوب مع حاجات لبنان عموماً، والجيش والقوى الأمنيّة خصوصاً». أما غروف فقد أكد بدوره «أن بلاده عازمة على الاستمرار في دعم لبنان». ووصف هذا الدعم بأنه «ينبغي أن يأتلف مع حاجات الدولة اللبنانيّة».
ومشيراً إلى أنه «تكوّنت لديه في بيروت انطباعات إيجابيّة، سينقلها إلى اللجنة الفرعيّة لتخصيص الاعتمادات الخارجيّة في مجلس الشيوخ». ولكن لوحظ أن الإشارات التي ترسلها الحكومة للمجتمع الدولي، لا تزال منقوصة، حيث شدد صندوق النقد على ضرورة إصدار قانوني السرية المصرفية وإصلاح المصارف، قبل اجتماعات الربيع. «ليثبت لبنان التزامه بتنفيذ الإصلاحات بالفعل وليس بالقول». مع الإشارة إلى أن مجلس النواب أقر خلال جلسته أول أمس (الخميس) قانون السرية المصرفية. ويبقى الإسراع بإصدار قانون الإصلاح المصرفي، علما أن تنفيذه مرتبط بإصدار قانون ثالث يتعلق بالانتظام المالي، وهو لايزال قيد الدرس والإعداد من قبل وزارة المالية، ودونه صعوبات كثيرة وخلافات متنوعة، الأمر الذي يقلق خبراء الصندوق نظراً لأهمية هذا القانون في معالجة «الفجوةالمالية»، وتبيان مصير نحو 84 مليار دولار من المدخرات «المقيدة» لصالح نحو مليون حساب في المصارف، وودائع المصارف لدى البنك المركزي البالغة 80 مليار دولار، وكذلك تحديد الخسائر، ومصير أموال المودعين.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية.