في تطور يعكس عمق العلاقة الاستراتيجية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة، برزت أخيراً مؤشرات إيجابية بشأن إحراز الإمارات تقدماً ملموساً في السعي للحصول على أشباه الموصلات المتقدمة، والمتمثلة في تكنولوجيات الرقاقات ووحدات معالجة الرسومات الخاضعة حالياً لقيود تصدير أميركية صارمة لضمان استخدامها بصورة آمنة ومسؤولة حول العالم. يأتي هذا التطوُّر في وقت تواصل فيه دولة الإمارات تعزيز مكانتها كمركز عالمي رائد في موضوعات الذكاء الاصطناعي، مدفوعة برؤية قيادتها الرشيدة، ومستفيدة بالإمكانيات غير المسبوقة لهذه التكنولوجيا في دفع عجلة التنمية الاقتصادية وتحسين جودة الحياة. وتعدُّ أشباه الموصلات التي تنتجها الشركات الأميركية لازمة لتطوير وتشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والتي تتطلع الإمارات إلى نشرها ضمن مختلف قطاعاتها الحيوية. والحاصل أن التقدُّم الذي أحرزته دولة الإمارات في مباحثاتها مع واشنطن لم يأت من فراغ، بل هو نتاج دبلوماسية تكنولوجية نشطة أساسها شراكة استراتيجية عميقة ومتنامية مع الولايات المتحدة، فالإمارات التي وضعت الذكاء الاصطناعي في قلب استراتيجياتها التنموية وخططها الاستشرافية الطموحة، تدرك تماماً الأهمية القصوى لتكنولوجيات أشباه الموصلات المتقدمة في تحقيق الطموحات الوطنية في الابتكار والاقتصاد الرقمي وحلول الذكاء الاصطناعي التي تندرج تحتها النماذج اللغوية الكبيرة، وتطبيقات المدن الذكية، والمشروعات التحويلية في القطاعات الحيوية كالرعاية الصحية والتعليم والطاقة، وجميعها تعتمد وبصفة أساسية على القدرات الحاسوبية الضخمة التي توفرها هذه التكنولوجيات التمكينية التي تطورها الشركات الأميركية العملاقة، مثل «إنفيديا» و«إيه أم دي».

وتشير التحليلات المتخصصة في عدد من المواقع العالمية إلى أن الحوارات الإيجابية التي تمَّت بين دولة الإمارات وأميركا قرَّبت كثيراً من وصول التكنولوجيات الأميركية الحيوية إلى الشركات الإماراتية. وكان من أهم هذه الجهود الحوارات المثمرة التي أجراها سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم إمارة أبوظبي، مستشار الأمن الوطني، أثناء زيارة العمل التي قام بها سموه إلى واشنطن في مارس الماضي، والتقى خلالها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وعدداً من المسؤولين، إضافة إلى رؤساء وقادة الشركات الأميركية.

وقد اقترنت هذه الحوارات البناءة باستثمارات إماراتية نوعية في الاقتصاد الأميركي، وهي استثمارات لا يُنظر إليها على أنها مجرد أرقام اقتصادية، بل دليلٌ على التزام إماراتي طويل الأمد بالشراكة التكنولوجية مع الولايات المتحدة، ما يرسخ جسور الثقة الموجودة منذ عقود مع الولايات المتحدة، وقادت تلك الحوارات إلى نتائج إيجابية سمحت للإمارات بتأمين التكنولوجيات التي ستشكل ملامح المستقبل، في حين لا تزال دول أخرى تسعى إلى محاولة فتح باب للحوار مع واشنطن لتأمين هذه القدرات اللازمة لتطوير حلولها من الذكاء الاصطناعي.

ولا تنظر دولة الإمارات إلى مجرد تأمين أو حيازة التكنولوجيات الأميركية فقط، بل تسعى جاهدة لأن تكون شريكاً في تطويرها ونقل ما يتعلق بها من معرفة متقدمة إلى داخل الدولة، وبما ستغدو معه أبوظبي إحدى العواصم القليلة في العالم، القادرة على تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي العملاقة بكفاءة في الداخل، وترجمة ذلك إلى تطبيقات صناعية ومالية وطبية تعزِّز موقع الدولة كمركز عالمي لاقتصاد المعرفة في مرحلة ما بعد النفط.

إن نجاح دولة الإمارات في تأمين التكنولوجيات الأميركية المتقدمة لا يمثل نجاحاً آنيًّا فحسب، بل هو شهادة حية واعتراف متواصل من واشنطن بدور الإمارات ومكانتها على الساحة الدولية. وفي المحصلة، يعكس هذا النجاح عمق ورسوخ الشراكة الاستراتيجية متعددة الأوجه بين دولة الإمارات والولايات المتحدة، وهي شراكة تتجاوز كثيراً في أبعادها العلاقات الدبلوماسية التقليدية لتمتد إلى آفاق واعدة في مجالات التكنولوجيا الفائقة، وبما يمكن معه دعم المصالح المشتركة للدولتين، ودفع عجلة التقدم العالمي نحو مستقبل أكثر ازدهاراً.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.