شهدت الولايات المتحدة ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الإصابة بالاكتئاب والقلق منذ عام 2010 تقريباً، لاسيما لدى «جيل القلق» من الشباب. وبينما يُشير بعض الباحثين بأصابع الاتهام إلى الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي كسبب رئيسي، يُجادل آخرون بأن الأدلة على هذه الصلة ضعيفة، رغم تزايد اعتماد الأفراد على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر للأخبار، وأصبحت السياسة من أوائل مصادر التوتر. وقد دفعتنا هذه الاتجاهات لطرح سؤال مهم: كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على حالتنا العاطفية، لا سيما عندما تكون السياسة حاضرة في أذهاننا؟
وبالتعاون مع فريق من الباحثين في أكبر تجربة عشوائية على الإطلاق تتناول هذا الموضوع، كشفت نتائجها أن التوقف عن استخدام فيسبوك أو إنستغرام لمدة خمسة أسابيع قبل انتخابات عام 2020، مقارنةً باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكلٍ طبيعي، قد حسّن بشكلٍ طفيف مؤشر السعادة والقلق والاكتئاب المُقدرة من قبل المشاركين بأنفسهم.
وكان الباحثون من قبل ينظرون في ثلاثة أدلة أخرى حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية، أولاً، تطابق الاتجاهات الزمنية، حيث انتشر استخدام الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة بسرعة منذ عام 2010، وهو التوقيت ذاته الذي بدأت فيه الاستطلاعات تُظهر تدهوراً في الصحة النفسية، وارتفاعاً في معدلات إيذاء النفس والانتحار بين المراهقين. ولا يبدو أن استمرار هذا الاتجاه يعتبر نتيجة لحدث معين، مثل جائحة كوفيد-19، كما أنه ليس محصوراً بالولايات المتحدة وحدها. ورغم أن هذا التوافق الزمني مثير للتساؤلات، فإنه لا يُعدّ دليلاً قاطعاً على وجود علاقة سببية.
ثانيًا، هناك مئات الدراسات الارتباطية التي تربط بين الوقت الذي يقضيه الأفراد على وسائل التواصل الاجتماعي وبين حالتهم النفسية. ويختلف الباحثون حول اتجاه هذه العلاقات، لكن هناك حداً جوهرياً لهذه الأدلة، وهو أن الارتباط لا يعني السببية.
وثالثاً، تدهورت الصحة النفسية في الجامعات التي أصبح فيها فيسبوك متاحاً في عامي 2004 و2005 مقارنةً بالجامعات التي لم يكن التطبيق قد وصل إليها بعد، مما يُظهر علاقة سببية معقولة في ذلك الوقت، على الرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي قد تغيرت بشكل كبير منذ ذلك الحين.
ومع ذلك، فإن الطريقة المعيارية لاختبار السببية هي إجراء تجربة عشوائية منضبطة، على سبيل المثال، اختيار مجموعة من المشاركين، وتقسيمهم عشوائياً إلى مجموعتين: مجموعة العلاج ومجموعة الضبط، وجعل مجموعة العلاج تتوقف عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي دراسة سابقة مع خبراء الاقتصاد «لوكا براغيري» و«سارة إيشماير»، بتجنيد 1661 مستخدماً لفيسبوك، توقفت المجموعة العلاجية المختارة عشوائياً عن استخدام التطبيق لمدة أربعة أسابيع قبل انتخابات التجديد النصفي لعام 2018، وهو ما أدى إلى جعل المشاركين أقل اطلاعاً على الأخبار، وأقل استقطاباً سياسياً، وأكثر سعادة، وأقل قلقاً، وأقل اكتئاباً.
وفي أوائل عام 2020، شرعنا بالتعاون مع حوالي 15 باحثاً أكاديمياً آخر في تعاون مع باحثين داخليين في شركة تكنولوجيا المعلومات الأميركية ميتا، مما سمح بإجراء تجربة جديدة مع عدد أكبر من المشاركين بنحو 20 ضعفاً عن الدراسة السابقة لها. ونشرت مجموعتنا سلسلة من الأوراق البحثية على مدار العامين الماضيين تبحث في كيفية تأثير «فيسبوك» و«إنستغرام» على النتائج السياسية خلال انتخابات 2020.
أما في الدراسة الصادرة الأسبوع الحالي فقد وجدنا أن مجموعات العلاج التي توقفت عن استخدام «فيسبوك» أو «إنستغرام» قبل الانتخابات قد تحسنت في مؤشر السعادة والقلق والاكتئاب التي أفاد بها المشاركون أنفسهم. وكان تأثير «فيسبوك» من الناحية الإحصائية بالغ الدلالة، بينما كان تأثير إنستغرام أقل دلالة إلى حد ما. ويشير التحليل الاستكشافي إلى أن تأثير التوقف عن استخدام «فيسبوك» كان مدفوعاً بالأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 35 عاماً، بينما كان تأثير إنستغرام أكثر وضوحاً لدى النساء دون سن 25 عاماً، وهي النتيجة التي تتوافق مع المخاوف من أن إنستغرام قد يكون له آثار سلبية بشكل خاص على الشابات.
ورغم أهمية تلك الدلالات، إلا أنها ربما كانت أقل حجماً مما يتوقعه أشد منتقدي وسائل التواصل الاجتماعي. فعند تطبيق النتائج على أسئلة الاستطلاع الأصلية، فإن التأثيرات المقدّرة تعادل تقريباً زيادة بنسبة 4% في عدد الأشخاص الذين صرحوا بأنهم يشعرون بالسعادة «غالباً» بدلاً من «أحياناَ». كما وجدت الدراسة أن التوقف عن استخدام «فيسبوك» أو «إنستغرام» كان فعّالاً بنسبة تقارب الخُمس مقارنة بفعالية التدخلات النفسية المتوسطة، مثل التأمل الذهني أو العلاج السلوكي المعرفي. أما بالنسبة لفئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً، فقد بلغ تأثير التوقف عن استخدام إنستغرام نحو سُدس حجم الزيادة الوطنية في الشعور بالضيق النفسي لهذه الفئة بين عامي 2008 و2022.
ومن الضروري معرفة أن المشاركين في الدراسة أغلقوا حساباتهم على «فيسبوك» أو إنستغرام فقطـ أي أنهم حولوا معظم الوقت المتوفر إلى تطبيقات أخرى على هواتفهم الذكية، من بينها تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى. وكان من الممكن أن تحقق التجربة تأثيرات أكبر إذا كانت تُقيّد الوصول إلى مجموعة أوسع من التطبيقات.
وكما هو الحال مع أي دراسة تجريبية، يجب عدم تعميم النتائج. في الواقع، هناك بعض الخلاف حتى بين مؤلفي الدراسة المشاركين، حول مدى إمكانية استقراء ذلك على بيئات أخرى، وما هي التأثيرات على الأشخاص الذين لن يشاركوا في التجربة، أو على القاصرين. كما أن النتائج قد تختلف إذا توقف الأفراد عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لأكثر من خمسة أسابيع، أو إذا توقف الجميع معاً. ولكن من المستحيل اختبار كيف كان العالم سيختلف بشكل مباشر لو لم تُخترع وسائل التواصل الاجتماعي من الأصل.
إلا أنه لا يمكن إنكار أن الدراسة تُظهر بوضوح أن أخذ استراحة من وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يُحسّن حالتنا النفسية. وتُقدم بعضاً من أفضل الأدلة حتى الآن على أن إنستغرام قد يكون له تأثير كبير بشكل خاص على الشابات، وتُضاف نتائجها إلى مجموعة الأدلة التي تُشير إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تُساهم في تدهور الصحة النفسية بشكل عام.
 *خبير اقتصادي في مركز أبحاث مايكروسوفت، وأستاذ زائر في الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»