في الأردن، حيث ظلت جماعة «الإخوان» لسنوات لا تتعرض لضغوط من المملكة الأردنية الهاشمية رغم التوغل السياسي للجماعة، جاء سقوطها الأخير كاشفاً لحقيقتها، بعد أن تجاوزت حدود ما تزعم أنه عمل دعوي، وانغمست في لعبة السلطة. ورغم أن تجارب عالمية، كالأحزاب الشيوعية، تخلّت عن مساراتها حين اصطدمت بالواقع، فإن «الإخوان» ظلوا يكررون أخطاءهم دون مراجعة، مسبّبين الانقسام والاضطراب في أكثر من بلد، من السودان وليبيا إلى اليمن، حيث تراوغ بين أطراف النزاع.
في السودان، عندما تدخّلت الجماعة بامتداداتها، زادت المشهد السياسي تعقيداً، وأسهم «الإخوان» في إشاعة الفتنة، خصوصاً في علاقة السودان بالإمارات، التي كانت دوماً حليفاً مهماً للخرطوم بعد سقوط نظام البشير عام 2019، وقدّمت الإمارات للسودان دعماً سياسياً واقتصادياً ملموساً. غير أن الشكوى السودانية الأخيرة ضد الإمارات في محكمة العدل الدولية، واتهامها بدعم فصيل على حساب آخر، جاءت دون أدلة قاطعة، مما أثار الشكوك حول دوافعها، واعتُبرت ورقة ضغط سياسي وسط تغيرات في خريطة التحالفات الإقليمية. الإمارات، من جهتها، نفت التدخل ودعت إلى الحوار، مؤكدة استمرار دعمها الإنساني والسياسي للسودان.
المجتمع الدولي يتعامل بحذر مع الموقف، مدركاً تعقيدات الأزمة السودانية. وبينما تحاول الإمارات الحفاظ على دورها كوسيط محايد، يسعى «الإخوان» إلى تعطيل هذا التقارب، وهذا هو دأب الجماعة وسلوكها الذي تصر عليه دائماً حيثما وُجدت.
العلاقات بين الإمارات والسودان تاريخية، ويسودها التعاون والعمل الإنساني؛ انطلاقاً من سياسة الإمارات الثابتة التي تحرص دوماً على مد يد العون للأشقاء ونجدتهم في وقت الأزمات والكوارث. الأدلة على متانة هذه العلاقات وجذورها العميقة أكدها في تدوينة له على منصة «إكس» قبل بضعة أيام معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، موضحاً أن التزام دولة الإمارات تجاه الشعب السوداني راسخ، وتاريخي، ومتجدد، مشيراً إلى خطاب من سفارة السودان في لندن إلى الخارجية البريطانية بتاريخ 1 مايو 1973، «يوثق متابعة توجيهات المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ببناء مستشفى رئيسي و24 عيادة بعد زيارته للخرطوم، إلى جانب مبادرات أخرى تدعم القطاع الصحي.
التزام الإمارات تجاه الشعب السوداني راسخ، تاريخي ومتجدد. كما كان هناك تنسيق أمني وسياسي بين البلدين، وشهدت العلاقات تطوراً في مجالات متعددة كالتجارة والاستثمار، وشهدت وأوجها بمشاركة السودان مع التحالف العربي في اليمن.يمكن قراءة الشكوى السودانية في سياق تغير خريطة التحالفات الإقليمية.
فبعد أن كان هناك تنسيق قوي بين السودان والإمارات، يبدو أن تصاعد الصراع الداخلي دفع القيادة السودانية إلى البحث عن دعم دولي، وربما استخدام الشكوى كورقة ضغط سياسي، لدعم ما تعانيه القوات المسلحة السودانية من تراجع في الدعم الدولي، وقد تُفهم هذه الخطوة كجزء من محاولة لكسب تعاطف المجتمع الدولي وإظهار القوات المسلحة السودانية كما لو كانت «ضحية» لتدخلات خارجية.
مثل هذه الاتهامات، حتى وإن لم تكن مدعومة بالأدلة، تُلقي بظلال سلبية على العلاقات بين البلدين. الإمارات بدورها نفت أي تدخل في الشأن السوداني، ودعت إلى الحوار ووقف القتال، وهو ما يعكس رغبتها في الحفاظ على موقفها الذي لا ينحاز إلى أي طرف من أطراف الأزمة السودانية، وهذا هو دأب الإمارات كوسيط محايد يسعى لوضع حلول لنزاعات المنطقة، ويدعم مساعي التنمية والازدهار بما يضمن الخير للشعوب. المجتمع الدولي ومجلس الأمن، يتعاملان بحذر مع الشكوى السودانية، خاصة في ظل غياب الأدلة.
وهذا يعكس إدراكاً متزايداً بأن الأزمة السودانية معقدة للغاية. والإمارات لم تكسر عصا القياس، وتواصل تعاونها الإنساني ودبلوماسية السلام، وتقدم للسودان الشقيق الدعم، وتساند شعبه بكل ما يخدمه تنموياً.
*سفير سابق