دعماً لشراكة تنموية وسياسية مع دول القارة الأفريقية، وفي ضوء زيارة الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي إلى أبوظبي، تشهد العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية تشاد تطوراً مستمراً، يعكس توجه الدولتين نحو بناء شراكة استراتيجية قائمة على المصالح المشتركة في مجالات متعددة. وتجسّد هذه الزيارة المهمة التي تمّت في 17 أبريل 2025، المسار المتصاعد لعلاقات التعاون الثنائي في المجالات كافة، خاصة على الصعيدين السياسي والتنموي.
وتُعد الزيارة محطة مهمة في تطور مسار الشراكة بين الدولتين الصديقتين، إذ التقى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الرئيس التشادي، واستعرض معه سُبُل تعزيز التعاون المشترك في قطاعات حيوية، أبرزها التنمية الاقتصادية، والطاقة، والتعليم، بالإضافة إلى القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك. كما أسفرت الزيارة عن توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، وعكست كذلك حرص دولة الإمارات على تعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية الصديقة، ضمن رؤية تقوم على دعم الاستقرار والتنمية في المنطقة. وفي الواقع، فإن هذا المستوى الذي وصلت إليه العلاقات الإماراتية التشادية، كان نتيجة حرص الطرفين على دعم التعاون الثنائي، وبذلهما الكثير من الجهود في سبيل تحقيق هذا الهدف. ففي يونيو 2023، التقى صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، مع الرئيس التشادي، حيث تم توقيع عدد من الاتفاقيات المهمة، شملت مذكرة تعاون عسكري، واتفاقية قرض من صندوق أبوظبي للتنمية لدعم مشروعات تشادية، بالإضافة إلى اتفاقات في مجال الطاقة.
ومن جانب آخر، افتتحت دولة الإمارات في أغسطس 2023 مكتباً تنسيقياً للمساعدات الخارجية في تشاد، لتنسيق الدعم الإنساني الموجه للاجئين في تشاد، وخاصة الأشقاء السودانيين الذين فروا إلى الأراضي التشادية. وقد أسهمت المساعدات الإنسانية المباشرة التي قدمتها دولة الإمارات لدعم اللاجئين السودانيين في تشاد، في تخفيف الأعباء على الحكومة التشادية، وعزّزت من استقرار الأوضاع الإنسانية في البلاد.
وفي سياق تنامي العلاقات الإماراتية التشادية، تم الإعلان عن مشروع إماراتي لإنشاء مستشفى ومركز لغسيل الكلى في تشاد، وهو مبادرة تهدف إلى تحسين البنية التحتية الصحية في تشاد، وتوفير رعاية طبية متقدمة لمواطنيها. ومثل هذه المشاريع الإنسانية تجسّد بشكل جلي التوجه الإماراتي نحو دعم التنمية المستدامة في أفريقيا، وليس فقط تقديم المساعدات الآنية.وتشمل مجالات التعاون كذلك الجانب الديني، إذ شهدت زيارة الرئيس التشادي الأخيرة توقيع اتفاقية بين وكالة الإمارات للمساعدات الدولية، ووزارة المالية والميزانية والاقتصاد والتخطيط والتعاون الدولي التشادية، لبناء مسجد الشيخ زايد والمركز الثقافي في العاصمة نجامينا.
وكان قد سبق ذلك زيارة وفد من جمهورية تشاد يضم النائب الأول لرئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، والمفتي التشادي العام، لجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، حيث اتُفق على التعاون في دعم دراسات التسامح والتعايش في تشاد، وتقديم الوجه الحقيقي للدين الإسلامي الحنيف، الذي ينبذ العنف والكراهية، وهو ما يحظى بأهمية خاصة في ظل الجرائم الوحشية، التي ترتكبها الجماعات الإرهابية المتسترة وراء الدين في تشاد، وما ينجم عنها من تبعات سياسية واقتصادية واجتماعية فادحة. ويؤكد التطور المستمر للعلاقات بين الإمارات وتشاد المستقبل الواعد للشراكة بين الطرفين، لا سيما مع تشكيل لجنة مشتركة تعمل على التخطيط والتنسيق للمشاريع المستقبلية، ويُتوقع أن تتوسع مجالات التعاون الثنائي لتشمل قطاعات إضافية مثل التعليم، والزراعة، وتكنولوجيا المعلومات.
إن العلاقة بين الإمارات وتشاد تمثل نموذجاً ناجحاً لشراكة تقوم على التفاهم والتعاون، والمصالح المتبادلة. ولا شك في أن الزيارات المتبادلة والاتفاقيات الثنائية التي تم توقيعها، والمشاريع التنموية والإنسانية، كلها مؤشرات تؤكد عزم الدولتين على الاستمرار في تعميق هذا النموذج والارتقاء به بشكل مستمر، ما يجسّد رؤية مشتركة لتعزيز الأمن، ودعم التنمية، وكذلك تحقيق الاستقرار في منطقة الساحل الأفريقي. ومع استمرار هذا الزخم، يبدو المستقبل مبشراً بمزيد من الإنجازات التي تعود بالنفع على كلتا الدولتين، وتعزّز مكانتهما على الساحتين الإقليمية والدولية.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.