الأمطار خيرٌ وبركةٌ ورحمة، وهِبة من الله سبحانه وتعالى، للإنسان والطبيعة وسائر المخلوقات، ولذا يستغيث الناس ويستسقون في فصل الخريف وبداية كل موسم لهطول الأمطار ويضرعون إلى الله تعالى كي يحيي الأرضَ وينبت الزرع ويدرَّ الضرع. وقد تَحدث الفيضانات والسيول نتيجة لتهاطل الأمطار الغزيرة وتَجمُّع مياهها التي تتدفق وتغمر الأرض. وقد يحدث أيضاً أن تتدفق المياه بسبب حركة المد والجزر في البحر. ولعلها المرة الأولى التي تتهاطل فيها الأمطار الغزيرة على منطقة الخليج بالحجم الذي شاهدناه مؤخراً، وفي هذا التوقيت من العام. وبسبب هطول الأمطار الغزيرة وغير المعتادة، لا بد أن تحدث زيادة في حجم المياه المتدفقة في المجاري المائية للوديان والبطاح المنخفضة، ولا بد أن تَحدث نتيجةً لتجاوز غزارة المياه حدودَها الطبيعية أضرار في بعض الأحيان والأماكن. ورغم ذلك فقد أثبتت منظومات البنية التحتية لدول الخليج العربية كفاءتَها العالية في مواجهة هذه التغيرات الجوية الجديدة وما نتج عنها من أمطار غزيرة غير متوقعة. كما أثبتت الجهات المعنية بإدارة الأزمات والكوارث يقظتها العالية وقدرتها الكبيرة على التصدي لمخاطر طبيعية شديدة من هذا النوع. وما من شك في أن دول المنطقة، وابتداءً من الآن، ستتحسب لمثل هذه الحالات وستعد المزيد من الوسائل اللازمة لمواجهتها، في ظل التقلبات المناخية الجديدة غير المألوفة في بلداننا، كما ستعمل على الاستفادة من زخم وكمية مياه الأمطار المتدفقة لإغناء البحيرات الجوفية وزيادة مخزونها من مياه الشرب.والمنخفض الجوي الذي تشهده منطقتنا هذه الأيام ليس إلا مظهراً للتقلبات والاضطرابات المناخية غير المسبوقة، إذ من غير المعود هطول هذه الأمطار القوية بهذه الكمية وهذه الغزارة، والمصحوبة بهبوب رياح قوية وتساقط حبات البرد. ويبدو أن بعض المجتمعات الخليجية، وهي تشيد الأبنية في المناطق السكنية، حسب الحاجة المعتادة لطلب السكن، لم تحسب حسابها الكافي لمثل هذه الإمطار الغزيرة غير المتوقعة، على اعتبار أن الأمطار تشح ويتراجع منسوبُها منذ عقود خلت، وأن المنطقة لم تشهد مثل هذه التغيرات المناخية الحالية. وعلى الجهات المعنية بالجانب العمراني من النهضة التنموية، الاقتصادية والاجتماعية، الهائلة في دول الخليج العربية، لاسيما البلديات، أن تضع في حسبانها، ابتداءً من الآن، التغيرات الجوية الأخيرة غير المعتادة وما نتج عنها من سيول لم تشهد المنطقةُ مثيلاً لها من قبل. كما يجدر بالقائمين على مشروعات الإسكان ومشروعات البنية التحتية، أخذ التغيرات المناخية الجديدة بعين الاعتبار. ويتعين على هذه الجهات التعاملَ بحذر مع أفكار وخطط وتوقعات خبراء الجيولوجيا والأرصاد الجوية، والتي اتضح أن بعضها لم يكن دقيقاً في السابق، خاصة أنها لم تتنبأ بهذه التغيرات الجوية قبل حدوثها بفترات زمنية كافية.. بل جاءت الأمطار الغزيرة الأخيرة لتجبر العديدَ من الخبراء والمختصين على مراجعة أفكارهم وتوقعاتهم السابقة! ومع ذلك فقد أثبتت منظومات البنية التحتية للدول الخليجية، وبالخصوص دولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك أجهزة الطوارئ والأزمات في هذه الدول، قدرتَها العالية على مواجهة الظروف الطبيعية والتقلبات المناخية غير المواتية.
*كاتب سعودي