«بركتنا» كبار المواطنين، هم الذاكرة تتمشى بين الرموش، وهم الحلم ينسج خيوط المستقبل على قماشة العقل والقلب، هم قافلة البركة، تحمل على هوادجها أثاث ماضينا وحاضرنا، هم أولئك الذين كتبوا على رمال الصحراء كلمة حب، ونهلوا من حروفها سجايا وقيماً، وألهموا الآتين نعمة القراءة ما بين سطور المرحلة والمرحلة، هم أغنيات البحر، ونشيد الصحراء، هم الموال والمنوال، والسؤال الذي كبر، وصارت جملته من نسيج الوجد والوجدان.
كبار المواطنين، هم الرؤية، والرأي، والراية، وسارية عَلَم لوطن مد الشراع، وكانوا هم السفينة التي أبحرت، وخمرت العباب بمهجة وبهجة، وسارت بين الموجة والموجة.
كبار المواطنين، ألهموا واستلهموا من البحر والصحراء لواعج الفكرة المجللة بالإرادة والتصميم وعزيمة الرجال الأوفياء، هم أولئك الذين سخنوا رغيف الأمس على جمرات قلوب ما عرفت التهاون، ولا الوهن، بل كانت سواعدهم مشاعر تحمي حمى الطموحات، وتمنحها طاقة الاستدامة، تمنحها قوة الاستمرارية، هؤلاء هم رجال الأمس، شبان اليوم، وأشبال الغد، في صورة تتجلى في عيون من عشقوا محارة الأعماق السحيقة، وشغفوا بغافة الرمل الأحمر، هؤلاء هم الذين صنعوا مجد اللآلئ، وأيقظوا في عناقيد النخيل، بركة العطاء، هم الذين وقفوا عند هامات الجبال الشم، ونظروا إلى الشمس، وقالوا تلك هي مصباح الأمل، تلك والغيمة ظل وخل، وأيقنوا أن الحياة هي نظرة متعمقة إلى السهل الممتد من الضلع إلى الضلع في الصدر، وقالوا ذاك هو الطريق عندما لا تعتريه لفحة غبار، ولا تعترضه غيمة ضباب، وساروا محملين بهم الوطن، ساروا مثقلين بالحب، وأشياء أُخر، كانت في الوجيب أشواقاً بلون العيون المحملقة في السماء تنتظر هطول المطر، كي ترتوي الأرض، وتشفي الشفاه غليلاً، كانوا هم حراس الخيمة عند رؤوس التلال الرملية، وهم عشاق السهر على طمأنينة فؤاد كلف.
«بركتان» وخيرنا، وحبنا، وسبرنا، وسيرتنا، وسرنا، وسوارنا، يتعكزون اليوم على عصا الفخر، ويمضون في ذاكرتنا، كتاباً مفتوحاً على الأمل، يمضون مؤزرين بإرث وافر، يملأ الدنيا نشيداً، ويملأ جيلاً بأغنيات الفخر والفرح، يملأ الدنيا بخيرات وفضائل، يملأ الوطن بصيت وصوت وصدى يطرق زوايا الروح، ويحرك في ثناياها أسباب التألق.
اليوم وأنت أيها الشبل، وأنت تنظر في عيني (البركة)، تشعر أنك تتكئ على جدار بسمك الطموحات التي تملأ قلبك، تشعر أنك تنظر إلى جبل صاعد إلى النجمة، ليقول لها، إن في الأرض وطناً، أبناؤه يصطفون كأنهم الرموش، كي يحموا مقلته ويحفظوا وده ويحرسوا مجده.
اليوم وأنت تنظر إلى البركة، تشعر بأن الحياة سلسال ذهب، تشد خيطه إرادة الجمال، وتمنحه قوة المعنى، تمنحه سيرة الحب الأول، يوم أبحرت سفينة الفجر باتجاه العميق، العميق، وهناك التقى الساعد باللجة، هناك كانت الحقيقة، حقيقة الأبرار، عشاق النهار، حقيقة ما خفي من أسرار، اليوم نكتفي بقراءتها في عيون رجال كبروا، ومعهم كبر حب الحياة، كبر تدفق الدماء في العروق، تسقي أشجار القلب، بماء الذهب. فشكراً للذين يكرمون الكرماء، شكراً للأوفياء.