سألتني شابة لديها طفل مقبل على النطق، وقالت: «خالوة، كيف أخلي ولدي يعرف رمستنا ويرمس شراتنا الحين؟»، فقلت لها: «الأمر في غاية السهولة، رمسي وياه رمستنا لين تترسخ في ذهنه وذاكرته وقيمه وضميره.. نحنا ما كنا نرطن عليكم لأننا تعلمنا رمسة الأنجريز في صف أول متوسط.. كنا نلعب ونغني ونقرأ القرآن والأحاديث والقصائد الشعرية والأناشيد حتى قصص المكتبة الخضراء عن الحطاب والصياد والبخيل والغني، حتى لو ما نتذكرها الحين كلها كانت بالعربي عشان توصلنا فكرتها ومغزاها التعليمي والذي تنتهي إليها تفاصيلها»، فردت: «أنا ألاعبه وأرمسه برمستنا دوم»، فقلت لها: «خليه بعيد عن ماما شارك وبابا شارك.. وغني له عن يتك الدبوة وكوكو حمامتي وحكوة حكوة ياكبدي، الموروث ما ينشرى بفلوس ولازم نحافظ عليه حتى الرمق الأخير.. تصوري ولدك يوم بيكبر يدخل مجلس متروس رياييل ولا يعرف يرمسهم أو يسولف وياهم بلغة أهله التي تعبر عن أصله وانتمائه ومكانة ومكان أجداده..وهذا يهدد الهوية الوطنية ويطمس معالمها ويجعل المرء عرضه للتخلي عنها وتبني مالا يمت له بصله لا من قريب ولا من أقصى الأماكن»، فردت بحياء: «الله يقدرنا ياخالوة.. بسوي اللي أقدر عليه»، فقلت لها: «بكل بساطة خلي رمستنا في البيت إلزامية وخارج البيت أرمسوا الرمسة اللي تبونها».
تركت تلك الشابة وفكري يدور حول المعارف والعلوم والمجربات ومصطلحاتها، التي قد تندثر، إن لم نحرص على تدوينها واستخدامها باستمرار، ومنها حساب الدرور التي أبدع الأجداد على ترسيخ مواسمه ضمن أبيات شعرية وأمثال شعبية تداولوها حتى أصبحت جزءاً من الذاكرة الجمعية والمجتمعية.
 ففي العشرين يقولون: «إذا خلفك أبوك فقير، إفسل الصلاني وازرع الشعير» ويقولون في الستين «خصبة تبين محلة من الستين لين السبعين..برق الليل سافر به وبرق النهار بندر به»، وفي التسعين يقولون: «حالفة إنها تمطر حتى لو تبل ريش الدجاج/الطير»، هذا إرث مليء بالمعرفة الدقيقة للبيئة والزراعة والصيد والتقلبات المواسم وتحولاتها. هذا الموروث الحي أوصلوه لنا بطريقتهم، وأرجو ألا نخذلهم في حفظه واستمراريته، لاسيما للأطفال الذين يتشربون اللغة والموروث من بيئتهم الأولى، وهي الأسرة والفريج، وعندما تكون الأسرة جادة في تمسكها بلغتها ولهجتها، سيحمل الطفل هذا الموروث في قلبه وعقله أينما ذهب في الزمان والمكان.
للعارفين أقول، تقول العرب إن بيت القصيد هو البيت الذي يحتوي على أمرٍ بالغ الأهمية، وهو أجود أبياتها التي يعبر فيه الشاعر عن غايته واستنتاجاته، بل هو البيت النفيس الذي يضع النقاط على الحروف، وقد تُعَرفُ القصيدة مهما طالت أبياتها بذلك البيت. بيت القصيد هنا استدامة الموروث، ليست مجرد كلمات نصدح بها، بل هي معارف وأفعال وإنجازات نفتخر ونعتز بها وعلى الأجيال المتعاقبة تقع مسؤولية تناقلها وديمومتها.